في سوريا كل شيء من الكماليات حتى المقاومة والرئيس

2023.11.07 | 05:50 دمشق

1
+A
حجم الخط
-A

منذ اشتداد الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في سوريا، مطلع 2020، شاع على وسائل إعلام النظام والصحف المقربة منه استخدام جملة "باتت من الكماليات"، في حديثهم عن الخدمات الأساسية والمنتجات الضرورية للحياة، والتي أصبحت جميعها خارج متناول السوريين، مرجعين السبب في ذلك إلى "العقوبات الظالمة" أو بعض "المسؤولين الفاسدين"، متغافلين عن سبب الكارثة الحقيقي في البلاد.

وربما جاز لنا أن نعذر هذه الصحف، التي هي في الحقيقة لا تستطيع استخدام غير هذه اللغة المسطحة، ولا يمكن لها الخروج عن هذه الحدود المرسومة لها في وصف الكارثة المعيشية والأوضاع عموماً في البلاد، ولكن إذا كانت الحقيقة هي ما يهم، وجب القول إن كل شيء في سوريا بات "من الكماليات" حتى أشياء مثل وجود بشار الأسد على رأس النظام كرمز للسيادة الوطنية، فضلاً عن شعارات المقاومة والممانعة التي من الواضح أنها حجزت مكاناً بارزاً في وسط قائمة الكماليات مؤخراً.

التطور اللافت في الأمر هو ابتعاده حتى عن رفع راية المزايدة المعهودة عبر الإنشائيات والشعارات الجوفاء التي كان لا غنى له عنها

 

 

لم يكن غياب أي موقف لرأس السلطة من الأحداث الجارية في غزة مفاجئاً للسوريين، وهو الذي قد تخلى منذ زمن حتى عن التلويح بـ"الاحتفاظ بحق الرد" و"الرد في المكان والزمان المناسبين" بعيد كل قصف إسرائيلي يطول منشآته العسكرية، لكن التطور اللافت في الأمر هو ابتعاده حتى عن رفع راية المزايدة المعهودة عبر الإنشائيات والشعارات الجوفاء التي كان لا غنى له عنها، والتي كانت تحرص أبواق النظام منذ فترة استيلاء حافظ الأسد على الحكم عام 1971 على جعلها حبراً ترسم به صورته أمام السوريين والرأي العام في العالم العربي.

كانت ضخامة الحدث في غزة يوم 7 من تشرين الأول الماضي، وما تبعه من مجازر إسرائيلية بحق الفلسطينيين تزداد بشاعة يوماً بعد يوم، تتطلب انخراط معظم الدول والسياسيين حول العالم في اتخاذ موقف مما يجري، وسط صمت شبه مطبق من بشار الأسد، الذي كان موقف نظامه من القضية الفلسطينية عذره الأوحد لتبرير بقائه وحتى مجازره بحق شعبه.

لم يخرج بشار الأسد حتى الآن بأي خطاب إعلامي أو تصريح مباشر عن الأحداث يحمل تصعيداً يتلاءم مع الحدث، مكتفياً بنشر صورتين على صفحة "رئاسة الجمهورية السورية" في فيس بوك، الأولى لخارطة فلسطين تتضمن المسجد الأقصى، والثانية ليد مرفوعة للأعلى تحمل الكوفية الفلسطينية، الأمر الذي أثار التساؤلات حتى لدى الشارع الموالي عن شعار "وحدة الساحة"، وحقيقة محورية القضية الفلسطينية، التي تحولت على يد النظام إلى مساحيق تجميل تزين وجهه البغيض وكيانه الاستبدادي المتوحش.

لا شك بأن أي مراقب معني بالشأن السوري سيلاحظ دون جهد تهتك بنيان نظام الأسد إلى مستوى يجعله يستغني عن كل ترفٍ خطابي من هذا النوع، وتعرّيه إلى العنف المحض، بحيث إن مجرد الأيديولوجيا والرموز حتى أكثرها صلابة كـ"مقام الرئاسة" وشعارات "المقاومة والممانعة"، باتت لزوم ما لا يلزم، أو بتعبير وسائل إعلام "كماليات" وترفاً.

صار الرئيس وحتى على مستوى الدعاية منصباً صورياً مع بعض الصلاحيات، أشبه ما يكون بشكل الحكم في لبنان أيام الوصاية السورية، فرئيس النظام لا يملك من القوة إلا ما أعطته روسيا وإيران.

 

ليس من مبالغة اليوم إن وصفنا "مقام الرئاسة"، التي دأب نظام الأسد على إحاطته بهالة من القدسية تساوي بينه وبين الوطن، قد بات منصباً صورياً، وتبددت الحماسة التي دفعت بشار الأسد في وقت مبكر من "الأزمة" إلى التصريح في مقابلة مع قناة "الميادين"، في تشرين الأول 2013، بأنه على استعداد للحديث إلى المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي مرة أخرى حين "يعرف" كيف يتحدث إلى "سوريا"، بعد أن كان الإبراهيمي قد "تجرأ" على طرح مسألة استقالة الرئيس في مرحلةٍ من المراحل ضمن تصور شامل للحل السياسي. صار الرئيس وحتى على مستوى الدعاية منصباً صورياً مع بعض الصلاحيات، أشبه ما يكون بشكل الحكم في لبنان أيام الوصاية السورية، فرئيس النظام لا يملك من القوة إلا ما أعطته روسيا وإيران، وقد أصبح عاجزاً عن حكم سوريا التي خسرت كل مقومات الدولة، فهي مقسمة بين خمس دول على الأقل، وتحولت إلى مرتع للميليشيات الأجنبية.

وحتى لا يتهم بشار الأسد بالبطالة القسرية، فقد أنيطت إليه مهمة التنسيق بين الميليشيات الأجنبية وعصابات إنتاج المخدرات، ليضيف إلى سجله الإجرامي لقب "زعيم عصابة"، وهو الاسم الذي أطلق عليه في مشروع "قانون مكافحة الكبتاغون 2"، الذي طرحه نواب ديمقراطيون وجمهوريون في الكونغرس الأميركي.

على مدى السنوات الماضية باتت سوريا بنظر المجتمع الدولي "دولة مخدرات"، إذ تعد حبوب الكبتاغون أبرز الصادرات السورية، وتفوق قيمتها كل قيمة صادرات البلاد القانونية، ولا يتعلق الأمر فقط بأن بشار الأسد يغض الطرف عن الأمر، بل أصبح يزاحم كارتل سينالوا في المكسيك في السيطرة على تجارة المخدرات حول العالم.