في الانسحاب الأميركي المفاجئ أو المحتمل

2021.09.24 | 06:53 دمشق

resized_90978-5ac1cd1cqwat1.jpg
+A
حجم الخط
-A

ارتفع في الآونة الأخيرة مستوى التوقعات بقرب انسحاب عسكري أميركي من شمال شرقي سوريا، وذلك بالانطلاق من الانسحاب الأميركي من أفغانستان والعراق على التوالي، بحسب رؤية أصحاب تلك التوقعات، بالإضافة إلى الترجيح بأن واشنطن تريد لململة وجودها العسكري المبعثر في المنطقة مقابل الالتفات لمواجهة المنافسة الصينية.

نظرياً فإن الحديث عن النقاط السابقة هو أمر قد يدخل في حسابات السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الحالية، ولكن من الناحية العملية لن تسعى واشنطن لخسارة ما بنته خلال السنوات الماضية، لاسيما المسار المتعلق بمحاربة داعش والتنظيمات الإرهابية عبر إطار "التحالف الدولي".

من المبكر الحديث عن مغادرة واشنطن للأراضي السورية، ارتباطاً بعدة ملفات أساسية، قد يكون أبرزها المواجهة مع الصين، وبناء التفاهمات مع روسيا، والسيطرة على المفاوضات مع إيران لاسيما النووية منها، ومن ثم يأتي بعدها التأكد من توجه دمشق نحو تسوية حقيقية وكاملة، إضافة إلى ضمان النصر المحقق على "داعش" ومواجهة التنظيم الإرهابي وما يتصل به بمختلف السبل خلال الفترة المقبلة.

قد تكون مواجهة الحضور الصيني المتجدد داخل الملف السوري، وسعي بكين إلى الاستفادة الاقتصادية والسياسية من سوريا في منطقة شرق المتوسط وتفعيل مشروع طريق الحرير الجديد، هي أبرز مؤشرات مراجعة واشنطن لأهمية وجودها وثقلها العسكري والسياسي سواء في مناطق شمال شرقي سوريا الغنية بالموارد الطبيعية، أو في الملف السوري من الناحية السياسية والتي يدعمها أيضاً الوجود العسكري.

لن تتساهل واشنطن بمغادرتها لسوريا في وقت تتجه فيه بكين لتعزيز وجودها في سوريا، فالولايات المتحدة التي كانت ترفض تنفيذ رغبة روسيا الحثيثة بدخول مرحلة إعادة الإعمار في سوريا قبل تحقيق استقرار حقيقي وتنفيذ تسوية سياسية شاملة، لن تتساهل الآن بالمغادرة في ظل مطامع صينية متجددة ومعلنة إزاء وجود ثقل نفوذ جديد لها في سوريا، قد يكون بمقابل ملء فراغ الانسحاب الأميركي إذا ما كانت واشنطن تفكر به في وقت سابق.

ستؤجل واشنطن أية مراجعة سياسية وأمنية لبحث مسألة سحب القوات العسكرية من سوريا، في ظل النشاط الحالي للصين الذي يستهدف تعزيز الحضور في سوريا من خلال مستويات مختلفة.

ستؤجل واشنطن أي مراجعة سياسية وأمنية لبحث مسألة سحب القوات العسكرية من سوريا، في ظل النشاط الحالي للصين الذي يستهدف تعزيز الحضور في سوريا من خلال مستويات مختلفة.

بالتوازي مع ذلك فإن واشنطن التي أرادت تفعيل مسار المفاوضات بشكل رئيسي للضغط على طهران في مسألة الملف النووي والصواريخ الباليستية، بموازاة تحجيم نفوذ طهران في عموم المنطقة وفي سوريا بمقام رئيسي، لن ترى بأن مغادرتها لللأراضي السورية في مثل هذا الوقت الذي تسعى فيه طهران لإعادة تفعيل مسارات حضورها الإقليمي بعد وصول دائرة حكم أكثر تشددا وقرباً من الحرس الثوري الإيراني الذي ينشط بشكل كبير على الأراضي السورية ويتسبب بتوترات عديدة مع حلفاء واشنطن في المنطقة بالانطلاق من سوريا، لا سيما إسرائيل.

إذاً فلو أكملت واشنطن اتفاقها مع بغداد، فإن الانسحاب النهائي من العراق سيعني أن الحضور الأميركي في سوريا على وجه التحديد سيكون ضابط الإيقاع للنفوذ الإيراني، بحيث يتم العمل على تحجيمه من هناك، بخاصة وأن ذلك النفوذ يعتبر أكبر العوائق أمام الانتقال والتسوية في سوريا والتوجه إلى مراحل متقدمة لما بعد تلك التسوية.

وقد تكون الرغبة الأميركية بتحجيم النفوذ الإيراني، أحد أبرز أسباب إعطاء الضوء الأخضر لدول عربية من أجل تفعيل علاقاتها الاقتصادية بالمقام الأول والسياسية بدرجة أقل مع دمشق في الفترة الحالية وخلال قادم الأيام.

كذلك في مسار آخر تعتبر واشنطن بأن مسألة بقائها هي ورقة ضرورية لموازنة حضور باقي القوى الأخرى الفاعلة في الملف السوري، لاسيما روسيا، ولايعني بدء خطوات أولية على طريق بناء التفاهمات مع موسكو، أن تدير واشنطن ظهرها للملف السوري وتمنحه كحزمة واحدة متكاملة بيد الجانب الروسي، لا تفكر واشنطن بإعطاء امتيازات جديدة للروس في المنطقة على حساب خسارتها أو انسحابها منها، لذا فإن قبول واشنطن برفع مستوى التفاهم مع روسيا لا يعني نية واشنطن المغادرة بقدر ما هو يندرج تحت إطار تخفيف الضغوط السياسية والأعباء المتراكمة منذ فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

انطلاقا من هذه المسارات الثلاثة تحدد واشنطن استمرار بقائها على الأراضي السورية، بمعزل عن الهدف الرئيسي الذي تحدث عنه عدة مسؤولين أميركيين خلال الأيام الماضية حول ضرورة الالتزام بمشروع مكافحة داعش ومخاطره الأمنية على المنطقة ككل.

إن دخلت واشنطن في مرحلة تقديم الإغراءات لموسكو ودمشق مقابل تخفيف سياسة الضغط عبر العقوبات، وتجلى ذلك في منح الاستثناءات والتسهيلات فيما يتعلق بمشروع الغاز العربي أو نقل الطاقة العربية إلى لبنان عبر سوريا، لا يعني بالضرورة وجود رغبة مؤكدة وملحة من قبل واشنطن بمغادرة سوريا، بعد مغادرتها أفغانستان مؤخراً، والعراق لاحقاً.