icon
التغطية الحية

فون أوبنهايم.. التاريخ السري لجاسوس ألماني اكتشف موقعاً أثرياً مهماً في سوريا

2021.11.26 | 19:11 دمشق

2934181-876732792.jpg
الجاسوس الألماني ماكس فون أوبينهايم وقد انطلق في رحلته من دمشق إلى البصرة
+A
حجم الخط
-A

في ربيع عام 1893، انطلق الدبلوماسي وعالم الآثار الألماني ماكس فون أوبينهايم في رحلة استكشافية من دمشق إلى البصرة، فمر خلال هذه الرحلة بالبادية السورية، ثم توجه نحو الجنوب إلى بلاد الرافدين ومنها إلى الخليج العربي، أي إنه قطع أكثر من 1200 كم.

إلا أنه طوال تلك الرحلة كان يسجل كل ما يراه بشكل دقيق للغاية، كما كان يلتقط الصور، ويحدد المواقع على الخريطة في كل مكان يصل إليه، ناهيك عن جمع مواد حول البدو، وهكذا استطاع أن يرسم شكل حياة الأشخاص الذين التقى بهم، وأن يتحدث عن كل ذلك فيما بعد ليقول: "خلال هذه الرحلة الاستكشافية، أصبحت أعشق الحياة الجامحة التي لا تقيدها أية ضوابط والتي يعيشها أبناء البادية".

تحول ما كتبه أوبينهايم حول تلك الرحلة إلى كتاب بعنوان: "رحلات في حوران والبادية السورية والعراق". ويعتبر هذا الكتاب بمثابة وثيقة تاريخية مهمة، ظهرت الطبعة الأولى منه ما بين عامي 1899 و 1900 على يد إرنست فوهسين، وبقي هذا الكتاب مرجعاً مهماً لدراسة تلك المنطقة طوال 120 عاماً من الزمان.

وعن هذا الكتاب يقول دنكان ماكوشان الذي يعمل في فهرسة الكتب لدى تاجر الكتب النادرة بيتر هارينغتون: "إن كلاً من المحتوى الشامل والمفصل لهذا الكتاب بالإضافة إلى ندرته يجعلان منه عملاً مهماً يستحق أن يبحث عنه المرء... إذ تلك كتب تم إنتاجها بأناقة، ولهذا لم توفر شيئاً بالنسبة لعملية النشر لأعراض تجارية".

 

 

إذ بالإضافة إلى خريطتين كبيرتين قابلتين للطي ومعبرتين كثيراً قام برسمهما رسام الخرائط الألماني ريتشارد كيبيرت، يحتوي هذا الكتاب على مجموعة من الصور المذهلة، التقط ثلثها المصور الألماني الشهير هيرمان بورخاردت، بالرغم من أنه لم يرد ذكره كمصور لتلك الصور. إذ كثيراً ما كان أوبينهايم يلتقط الصور بنفسه خلال أدائه لعمله، لكنه كان يسافر أيضاً مع فريق من المحترفين، بينهم روبرت باول وهو مخرج سينمائي بريطاني من جيل الرواد، والمصور الفوتوغرافي الألماني فالديمار تيتزينتالير.

هذا وقد حمل بيتر هارينغتون في مطلع هذ الشهر نسختين من جزأي هذا الكتاب لتعرضا في معرض الشارقة الدولي للكتاب، هذا الكتاب الذي طبع في وقت كان فيه الناشرون يختبرون أساليب عديدة للتجليد وإضافة الصور وتزيين الكتب، وعن ذلك يقول ماكوشان:

"قد تأتي نتائج تلك الإبداعات مذهلة، كما هي حال هذه المجموعة، فقد بقي الكتاب موجوداً بعدما تعرض لظروف قاسية. إلا أن تعرض الكتاب لكثير من تلك التحسينات يعني أن الكتاب قد يبلى بسهولة، لأن القَطع المخطط والمزخرف يمكن أن يتلف، كما أن وجود طبقات عديدة للتجليد تضعفه، مما يجعل الكتاب رخواً ومخلخلاً.. تلك هي حال الكتب المرجعية المهمة ومنها هذا الكتاب الذي بقي مستخدماً لمدة طويلة من الزمن. إذ يمكن أن تتخلخل الخرائط المفصلة الرائعة، وأن تصبح قابلة للنزع، وبذلك يمكن أن تبسط لتجري دراستها عن قرب، أو يمكن للبعض أن يستعيرها من دون أن يقوم بإعادتها، بيد أنه من النادر في أي حال من الأحوال أن تجد نسخة كاملة ومتينة وجذابة كما هي حال النسخة الموجودة بين أيدينا اليوم".

وبالرغم من قيمة كتابه، فإن أوبينهايم يعتبر شخصية مثيرة للجدل، فقد خضع في البداية للتدريب حتى يصبح محامياً، ثم شغل عدة مناصب قنصلية ودبلوماسية، وأصبح بعد ذلك عالم آثار. وهنا يمكن القول إن أعظم إنجاز له على مستوى الآثار يتمثل باكتشافه موقع تل حلف وبدء أعمال الحفريات فيه بشمال شرق سوريا الذي يعود للعصر الحجري الحديث.

ولكن تكمن خلف تلك الشخصية العامة "شخصية غامضة إلى حد ما" لكونها أخذت تتنقل في أرجاء المنطقة على اعتبار أن صاحبها كان "مغامراً لديه طموح إمبريالي ألماني".

ويصف لنا ماكوشان أوبينهايم فيقول إنه استخدم: "علم الآثار وعلم أصل الإنسان كستارٍ ليحاول تقويض الهيبة البريطانية، تماماً مثلما فعل لورانس العرب لتحطيم الهيبة الألمانية، بل أكثر". وبالنتيجة، أصبح أوبينهايم معروفاً بين أوساط المخابرات البريطانية باسم: "جاسوس القيصر".

ويتابع ماكوشان وصفه لأوبينهايم فيقول: "يعتبره الحلفاء في الحرب العالمية الأولى بمثابة المحرض والمدبر والمنظم الأساسي لعملية الجهاد، والتي كان الغرض منها زعزعة استقرار المنطقة، واستنزاف القوات البريطانية والفرنسية. ولقد عرفنا ذلك لأن المخابرات البريطانية في المنطقة كانت تشك بنشاطاته بشكل كبير". ولقد تعرف ماكوشان إلى أوبينهايم للمرة الأولى من خلال أعمال الكاتب والمؤرخ البريطاني بيتر هوبكيك.

في عام 1899، انطلق أوبينهايم في رحلة جديدة، متوجهاً هذه المرة من القاهرة إلى حلب ثم إلى دمشق وبعدها إلى شمالي بلاد الرافدين. كانت هذه الرحلة في ظاهرها عملية استكشافية لتحديد الطرق المناسبة لمدّ سكة حديدية تربط بين برلين وبغداد، والتي كان مصرف دويتشه أكبر ممول لها. أما السبب الخفي لتلك الرحلة فكان نشر دعاية مناهضة للبريطانيين، وتقويض هيبة بريطانيا. وخلال تلك الرحلة اكتشف هذا الجاسوس موقع تل حلف.

وبالعودة إلى كتابه يقول ماكوشان: "إن كتاب أوبينهايم أحيا الأهمية الجيوسياسية لتلك المنطقة ووسع فهمنا لها خلال فترة أوائل القرن العشرين، ولقد أنجز ذلك من خلال بحثه الدؤوب، وعملياته الاستقصائية الدقيقة، وتعاطفه الواضح مع شعوب المنطقة، خاصة مع البدو".

المصدر: عرب نيوز