icon
التغطية الحية

فلاديمير بوتين يدفع العالم لتخمين ما يمكن أن يحدث في أوكرانيا

2022.02.16 | 17:15 دمشق

2022-02-12t090552z_441967854_rc28is98sn5x_rtrmadp_3_ukraine-crisis-russia-belarus-drills.jpg
مناورات عسكرية روسية بالقرب من الحدود الأوكرانية ـ رويترز
إيكونوميست - ترجمة:ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لمن يراقبون التعزيزات الكبيرة للقوات العسكرية الروسية حول أوكرانيا، بدا هذا الأسبوع أشبه باللحظة التي سيطلق العنان فيها لتلك القوات حتى تقوم بمهاجمة أوكرانيا. فقد توقع بعض المسؤولين الأميركيين لحظة الغزو الذي سيشنه الرئيس فلاديمير بوتين، والتي حددوها بما قبل فجر يوم 16 شباط، ولكن خلال الأيام القليلة الماضية، دلت المؤشرات السياسية التي قدمها أتباعه على رغبة بالانسحاب عند شفير الغزو، أو على أنه لم يحسم أمره على أقل تقدير. فهل ستكون هنالك حرب أم مفاوضات؟ ما يزال الرئيس بوتين يدفع العالم لتخمين ما يمكن أن يحدث.

في صباح يوم 15 شباط، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن رغبتها بسحب بعض قواتها من الحدود الأوكرانية، وأعقب ذلك تصريحات أدلى بها سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا، الذي قال إنه ما يزال هنالك مجال للتفاوض مع الغرب، لا سيما بشأن ضبط الأسلحة، ويبدو أن ذلك بداية لخفض التصعيد الذي طالبت به الدول الغربية منذ أمد بعيد، إلا أن بعضهم يتمنى أن تكون روسيا قد غضت الطرف عن الغزو بعدما جوبهت بقرار موحد من قبل الدول الحلفاء في حلف شمال الأطلسي وشركائهم يتصل بفرض غرامات اقتصادية كبيرة على روسيا في حال قيامها بغزو أوكرانيا.

قرار مجلس الدوما

وقد تعززت تلك الفكرة على يد مجلس الدوما الروسي الذي صوت على مطالبة الرئيس ليقوم بالاعتراف بشكل رسمي بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين، وهما عبارة عن دويلتين أعلنتا عن استقلالهما عن أوكرانيا بدعم من روسيا في إقليم الدونباس الواقع جنوب شرقي أوكرانيا. إذ قام أكثر من 350 نائباً من بين 450 نائباً بالتصديق على ذلك الحراك الذي يموله الشيوعيون بشكل خالف كل التوقعات، وذلك التصديق يمكن أن يرقى إلى عملية أشبه بضم تلك المناطق التي انفصلت عن أوكرانيا. فبعضهم يرى أن ذلك يمثل طريقة الرئيس بوتين بإعلان النصر والتراجع، حيث يرى المروجون لروسيا بأن بوتين أفقد الغرب توازنه من جديد.

ولكن ما تزال غشاوة الدبلوماسية تخيم على الموقف، إذ خلال مؤتمر صحفي عقد بعد الظهر مع المستشار الألماني أولاف شولتس، أشار الرئيس بوتين إلى أنه لن يصدق على تصويت البرلمان، إذ على الأقل لم يحن الوقت بعد ليقوم بذلك. أما نواب البرلمان الروسي فقد أعربوا عن تفهمهم للرأي العام بحسب ما ذكر بوتين، وذلك لأن ما تمارسه أوكرانيا في الدونباس يمثل "إبادة جماعية"، بيد أن هذه الفكرة سخيفة. ولكن بالنسبة للوقت الحالي، أصبحت أفضل طريقة لحل المشكلة تتلخص بالتزام أوكرانيا بما يعرف باسم اتفاقيات مينسك التي وقعت بين عامي 2014-2015 لإنهاء الحرب شرقي إقليم الدونباس، وهذا ما عبر عنه بوتين بقوله: "إننا نثق كثيراً بأن شركاءنا سيمارسون النفوذ المناسب على حكومة كييف".

"تفاؤل حذر"

أما الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، فقد ذكر بأن استعداد روسيا الواضح للحوار "يعطي مبرراً للتفاؤل الحذر"، لكنه أعرب عن عدم وجود أي دليل حتى الآن حول حالة خفض التصعيد. في حين ذكرت مصادر غربية بأن روسيا ما تزال تزيد من تعزيزات جنودها بالرغم من التحرك الجلي لبعض القطعات العسكرية بعيداً عن المنطقة الحدودية. في حين علق الرئيس جو بايدن على ذلك بالقول إن الهجوم الروسي على أوكرانيا "ما يزال احتمالاً قائماً إلى حد كبير". في حين شكك دميترو كوليبا وزير الخارجية الأوكراني بذلك هو أيضاً وذلك عندما قال: "إننا لا نصدق ما نسمع، بل نصدق ما نراه".

ذكر محققون لدى مصدر مفتوح بأن الأدلة التي تثبت انسحاب روسيا تقتصر على قطعة عسكرية واحدة في منطقة القرم، إذ يقول روسلان ليفيف، وهو صحفي مستقل قام بتوثيق التعزيزات العسكرية منذ بدايتها: "إننا لا نفهم ما معنى تلك الحشود من الجنود التي أخذت تستعد للرحيل اليوم، ثم إن الإعلان عن الانسحاب لا بد أنه أثر بشكل كبير على القطعات العسكرية المتمركزة في المناطق القريبة من أوكرانيا، ولهذا لن تبتعد تلك القطعات كثيراً عن المنطقة مهما حدث".

والأهم من ذلك هو أنه كان بوسع روسيا الثبات على موقفها التهديدي على مدار أسابيع بل ربما لأشهر، بحسب ما ذكرته مصادر غربية، أورد أحدها ما يأتي: "لم يتخذ بوتين قراراً بهذا الشأن سواء بالالتزام بموقفه التهديدي من عدمه، لذا نعتقد بأنه ترك كل الخيارات مفتوحة أمامه اليوم، ولا نعتقد بأنه قد قرر أن يقوم بشيء معين، ولكن أيضاً لا نعتقد بأنه قد قرر عدم القيام بأي شيء".

فقد يحاول بوتين اللعب على فكرة "المجزرة" التي ارتكبتها أوكرانيا بحق الناطقين بالروسية في إقليم الدونباس، وبموجب اتفاقيات مينسك، التي تم التفاوض عليها على مرحلتين خلال شهر أيلول 2014 وشباط 2015، يتعين على أوكرانيا أن تقوم مجدداً باستيعاب المناطق التي انفصلت عنها بحكم "وضع خاص". أما البنود الأخرى في تلك الاتفاقية فتشمل سحب الأسلحة الثقيلة واللامركزية وإجراء انتخابات حرة، وإصدار قرارات عفو شاملة، وإعادة السيطرة على الحدود الأوكرانية.

كانت تلك الاتفاقيات مسؤولة عن عقد سلام غير مكتمل منذ عام 2015، لكنها بقيت غامضة وبقي النزاع عليها قائماً، ولم تطبق بشكل كامل في يوم من الأيام. إذ بالسر، يرغب غالبية السكان في كييف بإنهاء تلك الاتفاقية التي يعتبرونها بمنزلة حصان طروادة بالنسبة لموسكو وذلك لتحتفظ بالسيطرة على أوكرانيا، سواء عبر زعزعة الاستقرار داخلياً، أو عبر اعتماد آلية دستورية لوقف تحول البلاد نحو المعسكر الغربي.

إن اعتراف روسيا بالدولتين اللتين انفصلتا عن أوكرانيا من الممكن أن يتسبب بعواقب كبيرة، كما أن هذا الاعتراف يمكن أن يمهد الطريق لجعل الوجود العسكري لروسيا رسمياً في شرقي أوكرانيا. وبالمقابل، يمكن أن تتم الاستعانة بذلك الاعتراف لدفع الانفصاليين للمطالبة بكامل منطقتي دونيتسك ولوهانسك، والتي تشمل المدن الخاضعة للسيطرة الأوكرانية مثل ماريوبول إلى جانب ميناء رئيسي ومركز صناعي مهم.

ولكن انتهاك السيادة الأوكرانية ينسف اتفاقيات مينسك، الأمر الذي قد يعطي مبرراً لأوكرانيا للاستخفاف بما اعتبرته اتفاقية مجحفة فرضت بالسلاح عليها، وهذا ما يفسر سبب تردد بوتين تجاه القيام بأي عمل بموجب مناشدة وجهها إليه مجلس الدوما.

تلاعب إعلامي روسي

حالياً، ما يزال الإعلام الرسمي الروسي يتلاعب بفكرة نشر شكوك بشكل متواصل حيال أوكرانيا، إذ ترى مارغريتا سيمونيا، مديرة شبكة روسيا اليوم التي يمولها الكرملين، وهي شخصية مولعة بالقتال، أن رئيسها قد أظهر للغرب بأنه لن يجبر على الالتزام بجدول زمني مفروض عليه، ولهذا تعمد فرض الحوار بالنسبة للأمن الروسي في خطوة لم يكن أحد على استعداد للقيام بها، وتضيف: "لقد انسحبنا بعدما جعلنا الناس يرون ما نريد أن يرونه، وفي تلك الأثناء تدمر اقتصاد كييف، وقد تبدو تلك المسألة تافهة، إلا أنها مرضية".

في الحقيقة، أصابت التعزيزات الروسية والتوقعات بشأن الغزو الروسي الوشيك الاقتصاد الأوكراني في مقتل، إذ توقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حاجة حكومته إلى صرف ما يصل إلى 5 مليارات دولار حتى يستقر اقتصاد البلاد. ففي 13 شباط، اضطرت الحكومة إلى دفع ما يقرب من 600 مليون دولار كتأمين للرحلات الجوية عقب رفض كبرى شركات التأمين تحمل نفقات الطيران الذي يدخل الأجواء الأوكرانية بشكل كامل. كما أثارت أنباء إخلاء السفارات الغربية، وعلى رأسها البعثة الدبلوماسية الأميركية التي انتقلت إلى ليفيف غربي أوكرانيا، حالة من التوتر بين السكان، بالرغم من عدم انتشار الذعر بينهم على نطاق واسع.

"واقعية مفرطة"

بيد أن الأوكرانيين ما يزالون يعيشون حياتهم بواقعية مفرطة، بحسب وصف المحلل السياسي فولوديمير فيسينكو، وذلك لأنهم عالقون في منطقة ما بين الحقيقة والزيف، ولهذا تذكرنا ردود فعلهم بالوضع في كييف عقب كارثة تشرنوبل في عام 1986، إذ يقول ذلك المحلل: "في ذلك الوقت واصل الأوكرانيون لعب كرة القدم في الخارج وكأن شيئاً لم يحدث، في حين حبس آخرون أنفسهم داخل بيوتهم، وأخذوا يلمعون ويعيدون تنظيف كل شيء بشكل جنوني".

 المصدر: إيكونوميست