icon
التغطية الحية

فاينانشال تايمز: العودة الضالة للتعامل مع بشار الأسد

2023.05.18 | 13:14 دمشق

الأسد في اجتماع مع سفير السعودية إلى الأردن خلال هذا الأسبوع
الأسد في اجتماع مع سفير السعودية إلى الأردن خلال هذا الأسبوع
Financial Times - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عند استضافة السعودية للقمة العربية يوم الجمعة القادم، سيكون هنالك مقعد مخصص لبشار الأسد، ذلك المستبد الذي عذب وسجن وقصف وسمم بالغاز وحاصر الشعب الذي يفترض أنه جاء لخدمته. وفي حال حضور الأسد لتلك القمة، كما هو متوقع، فستكون تلك المرة الأولى التي يتم الترحيب به في محفل سنوي يضم قادة المنطقة منذ أن عُلقت عضوية سوريا في الجامعة العربية قبل 12 عاماً، كما سيكون يوماً حزيناً على الدبلوماسية العربية، لأنه سيوجه رسالة مخيفة لضحايا جرائم النظام مفادها بأنه بوسع الأسد أن يبقى في مكانه بعد أن أفلت من العقاب.

في عام 2011، قررت الدول الأعضاء في الجامعة العربية معاقبة الأسد على قمعه العنيف للانتفاضة الشعبية التي كانت سلمية وقتها ولعدم التزامه بمبادرة السلام العربية، وعندما تسببت محاولة النظام الوحشية في سحق المظاهرات السلمية بقيام حرب في سوريا، أخذت دول الخليج الغنية تدعم المعارضة في حربها للإطاحة بالأسد. ولكن بعد مرور 12 عاماً، ومقتل ما لا يقل عن 300 ألف سوري، ونزوح 12 مليون نسمة من بيوتهم، قررت غالبية الدول العربية إعادة الأسد إلى الجامعة العربية!

بيد أن الجامعة العربية كيان غير مؤثر البتة، ومع ذلك فإن قرارها القاضي بإعادة سوريا والذي اتخذه وزراء الخارجية العرب خلال هذا الشهر، يقدم لمجرم حرب انتصاراً دبلوماسياً لا مبرر له أو حاجة، ولابد لشركائه في الجريمة، اي إيران وروسيا، أن يستفيدوا من هذا الانتصار.

تسارعت وتيرة العودة للتعامل مع الأسد عقب تقلبات سريعة في الدبلوماسية التي ترأسها السعودية، فقد أتى ذلك عقب اتفاق تم بوساطة صينية دفع بالمملكة العربية السعودية للموافقة على إحياء علاقاتها الدبلوماسية مع منافستها التاريخية إيران، ولهذا يرى من يدفعون باتجاه العودة للتعامل مع الأسد بأن تلك الخطوة ما هي إلا مقاربة قائمة على واقعية سياسية تعترف بأن الأسد لا يمكنه أن يحقق أي شيء آخر بعدما استعاد السيطرة على معظم أجزاء بلده بدعم عسكري من موسكو وطهران، ولهذا يتعين على الدول العربية معالجة المشكلات التي وصلت إلى حدودها.

ومن بين ذلك مشكلة اللاجئين، ومشكلة الاتجار غير المشروع بالكبتاغون الذي أصبح شريان الحياة الاقتصادية بالنسبة لدمشق، ومصدر قلق كبير بالنسبة لبعض الدول وعلى رأسها الأردن والسعودية، ولكن إعادة سوريا إلى الجامعة العربية تعتبر مكافأة للأسد قبل تقديمه لأي تنازل يمكن أن يخفف معاناة السوريين.

وهذا ما يجعلنا نسخر مما اقترحته الدول العربية في السابق عبر نهج خطوة بخطوة ومقاربة العصا والجزرة بالنسبة للتعامل مع نظام الأسد، فقد ضغطت دولة الإمارات التي أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018، من أجل التطبيع، ومضت أبعد من ذلك عندما دعت الأسد لحضور قمة التغير المناخي COP28 في دبي لهذا العام. وبالرغم من كل ذلك، لا توجد أية مؤشرات تدل على أن الأسد قد قرر تغيير سلوكه "البلطجي"، كما أنه لم يبد أي ندم أو أسف على ما ارتكبه من جرائم.

تبددت منذ أمد بعيد الآمال بإرساء حالة استقرار سياسي بوجود معارضة ضعيفة في سوريا، إذ في الوقت الذي لم تعد فيه الولايات المتحدة وأوروبا توليان كبير اهتمام بسوريا، تحولت روسيا وإيران وتركيا لأهم العناصر الفاعلة الأجنبية في البلد على مدار السنين. وتبين بأن فكرة عودة ستة ملايين لاجئ سوري إلى بلدهم زرافات في حال أخذت دول الخليج وغيرها من الدول تغدق الأموال على سوريا لإعادة إعمار المدن التي دمرتها قوات الأسد لم تكن إلا محض خيال، وذلك لأن أغلب اللاجئين يخشون على حياتهم حال عودتهم، كما أن الآلاف من السوريين مايزالون رهن الاعتقال العشوائي أو الإخفاء القسري.

ثم إن النظام حول الإغاثة الإنسانية إلى سلاح بما أن أي دعم مالي يمكن أن يصل إلى سوريا لابد وأن يُجيّر لصالح جهود الأسد في تدعيم سيطرته على البلد، كما أن معظم تلك المساعدات تصل إلى جيوب حاشيته وأعوانه.

وهنا لابد أن تبقى الجهود الأميركية والأوروبية موحدة فيما يتعلق بفرض عقوبات على النظام، مع استخدام كل منهما لنفوذه مع الشركاء العرب وذلك لمنعهم من الانجراف في عملية تطبيع كامل. وذلك لأن الملايين من السوريين يعانون الأمرّين في هذا البلد الذي دمرته الحرب وتعرض اقتصاده للانهيار، ولكن لا توجد حلول بسيطة للتخفيف من معاناتهم طالما بقي الأسد في السلطة، إلا أن مكافأة نظام مسؤول عن هذه المحنة بالمجان ليس هو الحل بكل تأكيد.

 

المصدر: Financial Times