غزة التي أرعبت الاحتلال وفضحت الغرب

2023.10.13 | 17:58 دمشق

غزة التي أرعبت الاحتلال وفضحت الغرب
+A
حجم الخط
-A

بدت لقطات الاقتحام وكأنها مشاهد سينمائية من فيلم ما أو أنها مشاهد تصور مناورات تدريبية، للوهلة الأولى كان يصعب تصديق أنها مشاهد حقيقية لعملية اقتحام قامت بها فصائل فلسطينية داخل الأراضي المحتلة، كان كل شيء مباغتاً ومدهشاً وجميلاً، لكنها ولحسن الحظ كانت مشاهد تصور عملية حقيقية بالفعل حدثت يوم السبت 7/10/2023 هذا التاريخ الذي سيحفر طويلا في ذاكرة الاحتلال وذاكرة الفلسطينيين والعرب جميعاً.

في السنوات الأخيرة وبعد تراجع مخيف للدور العربي الفاعل في المنطقة والإقليم ظن الإسرائيليون وخلفهم داعموهم أن كل شيء يسير بحسب رغباتهم، وأن التطبيع الخليجي الذي بدأته الإمارات سينهي كل شيء ولن يتحدث أحد من العرب بعد اليوم عن الدولة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة، هوان وضعف عربي وصل لحد تصرف كوشنير المستشار السابق للرئيس الأميركي وكأن المنطقة مشاع له ولحكام الإمارات ويتعاملون معها كما لو أنها شركة ضخمة مفلسة وبحاجة إلى إدارة جديدة وهيكلة للديون، وصلت جرأة حكام الإمارات ومعهم كوشنير وطاقمه إلى اختراع دين جديد لإلباس المنطقة ثوبا جديداً من الذل والضعف عليه شعار جميل وبراق هو التسامح!

ردة فعل قادة دولة الاحتلال والذي جاء فاشياً وعنصرياً عبر التهديد بسحق المدنيين وتدمير قطاع غزة جاء نتيجة طبيعة هذا الكيان الذي قالت عنه منظمات حقوقية دولية إنه كيان فصل عنصري

هذه العملية المنظمة والمباغتة والضخمة أربكت دولة الاحتلال بشكل غير مسبوق، فلأول مرة تتعرض إسرائيل لمثل هذا الهجوم من الداخل، عملية كشفت زيف ادعاءات التفوق العسكري وادعاءات سطوة القبة الحديدية وكل الأسطورة الاستخبارية برمتها، خلال ساعات سيطر الخوف والذهول على كل الكيان شعبا وحكومة ومؤسسات وظهر عجزهم أمام سيل من القذائف والاقتحامات، وكان عدد القتلى الإسرائيليين كبيرا وتتقصد حكومة الاحتلال للتخفيف من غضب الرأي العام من خلال عدم ذكر العدد الحقيقي وهي تصدر إحصائية جديدة كل يوم وآخر. إحصائية بثت اليوم كانت 1300 قتيل فيما الرقم الحقيقي بحسب مصدر خاص داخل حماس يفوق 2500 قتيل إسرائيلي، وهناك المئات من الأسرى الإسرائيليين أيضا معظمهم من جنود ما يسمى غلاف غزة.

ردة فعل قادة دولة الاحتلال والذي جاء فاشياً وعنصرياً عبر التهديد بسحق المدنيين وتدمير قطاع غزة جاء نتيجة طبيعة هذا الكيان الذي قالت عنه منظمات حقوقية دولية إنه كيان فصل عنصري، وأيضا جاءت نتيجة حجم الضربة القاصمة التي تلقاها، لكن ما كان مفاجئا وغير متوقع هو ردة فعل الغرب برمته أي أمريكا ومعها أوروبا، إذ خرج بايدن بتصريحات صادمة وفيها معلومات خاطئة استخدمها للتحريض على المدنيين في غزة، حيث قال إنه شاهد أطفالاً إسرائيليين تقطع رؤوسهم من قبل الفلسطينيين، وقدم كل الدعم لحكومة نتنياهو في تبرير مسبق لكل الجرائم والانتهاكات التي حصلت وستحصل لاحقا نتيجة هذا السعار الذي أصاب الكيان الهش، أوروبا بدورها وكعادتها في الملفات الدولية تبعت أميركا بل إنها زاودت عليه بدعم الكيان بشكل غير مسبوق لدرجة خرج معها وزير الداخلية الفرنسي يهدد كل من يتعاطف مع الفلسطينيين بالسجن حتى لو أنه كتب منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي، يحصل هذا في فرنسا التي تعتبر رسومات شارلي إيبدو حرية رأي فيما كتابة منشور تضامني مع أطفال غزة جريمة تستدعي السجن لمدة خمس سنوات.

اللافت أكثر هو اعتبار ساسة وإعلاميين غربيين ما يحدث في فلسطين المحتلة بأنه حرب دينية تستدعي النفير العام وكأنهم يدعون للجهاد المقدس، واحد من هؤلاء كان السياسي الأميركي العتيق هنري كيسنجر حين قال إن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين خطر على الأوروبيين، وأضاف أن الأوروبيين أخطؤوا حين سمحوا لأشخاص من ديانات وثقافات مختلفة (يقصد المسلمين تحديدا دون أن يسميهم) بالقدوم إلى أوروبا لأنهم يشكلون خطراً عليها. بدورهم بعض الإعلاميين في المؤسسات الإعلامية الكبرى والعريقة تحولوا إلى محققين جنائيين حين استضافتهم لأي مسؤول فلسطيني دون أي اعتبار للمهنية والموضوعية ولا لدماء الأبرياء التي تسفك في غزة.

بعد هذا الدعم الغربي اللامحدود عسكريا وإعلاميا نحن أمام مذبحة كبري تحدث على الهواء مباشرة وبمباركة الجميع دون استثناء، فحين ترسل أميركا حاملتي طائرات للمنطقة لتقديم الدعم المعنوي واللوجستي لجيش الاحتلال، وحين يخرج الساسة في الغرب بمثل هذه التصريحات التي تبرر هذه المذبحة والتأصيل لها في انتهاك واضح لكل المواثيق الدولية ولكل القيم التي حارب الغرب لتصديرها للعالم بعد انتصاره في الحرب العالمية الثانية.. هذا يعني أننا أمام مواجهة طويلة لن تقتصر على ما يحدث في فلسطين المحتلة، فحكومة إسرائيل تريد تنفيذ نكبة جديدة عبر تهجير سكان غزة لمصر بسيناريو مشابه لما حصل أثناء اجتياح بيروت حين أُجبرت منظمة التحرير الفلسطينية على الخروج من لبنان بمساعدة نظام حافظ الأسد. صحيح أن سيناريو تهجير أهل غزة إلى مصر صعب المنال لأنه يواجه رفضا مصريا واضحا حتى اللحظة، وبطبيعة الحال لن يقبل الفلسطينيون هذا السيناريو، لكن الاحتلال في سعيه هذا سيواصل تدمير البنية التحتية للقطاع ودك البيوت فوق ساكنيها، أي إن عدد الضحايا قد يتضاعف كثيرا في حال لم يكن هناك تحرك للجم الاحتلال.

هناك حقائق باتت واضحة وجلية بعد هجوم السبت 7 تشرين الأول تتلخص بألا أمن لأي إسرائيلي بعد اليوم طالما أن الفلسطينيين غير آمنين

إسرائيل منذ زرعها في هذه المنطقة وهي تحظى بدعم كبير سواء من الغرب أو غيره ولا ننسى على سبيل المثال أن الاتحاد السوفييتي اعترف بهذا الكيان قبل الولايات المتحدة الأميركية، لكن هذا لا يعني أن الدول العربية ودول المنطقة لا تستطيع فعل شيء سوى التصريح وكأن زعماء هذه الدول ناشطون سياسيون! لا أحد يريد أن ترسل الدول جيوشها لأنها ستكون في مواجهة مباشرة مع أميركا لكن هناك الكثير من الأدوات والهوامش لدى الدول تستطيع استثمارها جيدا لوقف المذبحة لكنها بحاجة إلى شجاعة في اتخاذ القرار.

في هذه اللحظة التي ترتكب فيها طائرات الاحتلال مذبحة بحق المدنيين في غزة يصعب التكهن بمآلات الأمور لكن هناك حقائق باتت واضحة وجلية بعد هجوم السبت 7 من تشرين الأول تتلخص بألا أمن لأي إسرائيلي بعد اليوم طالما أن الفلسطينيين غير آمنين، وأن هذا الاستقرار الخداع وهم وأن كل الدعم الغربي مهما وصلت قوته لا يمكن له أن ينسي الفلسطينيين حقوقهم وأن ما حدث يوم السبت سيحفر الكثير من الخوف في نفوس الإسرائيليين وفي كل المدن المحتلة، وليس فقط في محيط غزة، وسيحفر أيضا الكثير من الأمل لدى الفلسطينيين ومعهم العرب بأن قضية فلسطين ستبقى حاضرة حتى يحصل الفلسطينيون على دولتهم.