icon
التغطية الحية

عن تنميط حياة الكاتب

2022.02.28 | 09:16 دمشق

hyat_alkatb-_tlfzywn_swrya22.jpg
(تشارلز ديكنز)
حسين الضاهر
+A
حجم الخط
-A

حتى يومنا هذا، تحيط حياة الكاتب هالة من الإعجاب والفضول الكبيرين لدى المتابعين والقراء، فهي تبدو لبعضهم براقةً، جاذبةً نحو عوالم الصعلكة والتحرر من الواقع والتمرّد عليه أيضًا.

كيف يعيش الكاتب؟ ما طقوس الكتابة لديه؟ هل يحبّ ويكره مثل سائر البشر؟ وغيرها من الأسئلة، في حين راحت تُختلق إجابات قد تكون في بعض الأحيان غير منطقية، وبعيدة عن الحقيقة، مما كوّن لدى الناس صورة مسبقة ونمطية عن حياة الكاتب.

حياة الكاتب السرية

كثير من الناس لا يعرفون أن "حياة الكاتب هي الشيء الأقل روعة في العالم. الكاتب يحتاج إلى كثير من الوحدة حين يتأمل ويختبر رؤاه؛ فيعيش كالأحياء الأموات في هذه اللحظات. وحيدًا ومنقطعًا عن العالم. على الرغم من أن الأديب إنسان يعيش في المجتمع يؤثر ويتأثر، وإن لم يكتب مفرداته أولاً ويقنع الناس بأحقية هذه المفردات في الكتابة، إن لم يفعل ذلك فلن يستطيع الوصول إلى القراء عن طريق عالم وهمي، أو مجرد خيال أي إنسان قادر على ابتكاره، لكن حالة الكتابة واندفاع الأفكار تجعلك تفقد كل حالات التواصل؛ فقد تبقى في ثوب النوم طوال النهار، وتؤذي عينيك مسمرًا أمام الشاشة وأنت تتناول البيتزا الباردة، وتتحدث إلى شخصيات خيالية ستفقدك صوابك في نهاية المطاف. تمضي لياليك وأنت تعصر أفكارك لتكتب جملة لن يلحظها ثلاثة أرباع قرّائك القلائل. هذه هي خلاصة أن تكون كاتبًا".

من خلال السطور السابقة يعرّف "غيوم ميسو"؛ حياة الكاتب، والتي أوردها في روايته "حياة الكاتب السرية"، على أنها؛ انقطاع عن العالم، حياة تغشاها العزلة بالإضافة إلى الإرهاق الفكري والجسدي. في حين لم تقتصر هذه الرؤية فقط عند "ميسو"، فبنظرة عامة إلى ما طُرح عن تجارب إبداعية وفنية، عربية وغربية، نجد أنّ الصورة السابقة للنمط المعيشي للكاتب قد تم ترسيخها بشكل كبير وعلى مستوى يصل إلى حد التأطير. ففي اختراق للطبقة القارئة أو المثقفة نجد حضور هذه الصورة في أعمال درامية وفنية، قد وضعت الكاتب وحياته ضمن القالب المذكور سابقًا، بل وتجاوزته في بعض الأحيان لتشطح في تعويم النمطية. وفي هذا الشأن تنقسم الأمثلة إلى قسمين:

1- السيرة المنقولة لحياة الكاتب:

وهي الأعمال التي تناولت سيرة حياة الكاتب بشكل مباشر، وعلى سبيل المثال مسلسل "في حضرة الغياب" الذي لاقى استهجان كثير من النقاد والمطلعين على حياة الشاعر "محمود درويش" فقد أظهره المسلسل غارقًا في الصعلكة والملذات، بعيدًا كل البعد عن النهج والقضايا التي حملها "درويش" على عاتقه طوال مسيرة حياته، كذلك الأمر في مسلسل "نزار قباني" الذي وصل إلى حد رفع عائلة الأخير دعاوى قضائية على الشركة المنتجة للعمل، بسبب التشويه والتزييف الذي طُرح، حيث أظهر العمل "قباني" مستغرقًا في علاقات عاطفية بشكل مبالغ فيه، متجاهلًا جوانب اجتماعية وسياسية من حياة الشاعر.

2- الكاتب المصنّع:

أما في هذا الجانب؛ فقد صوّر فيلم (the fault in our stars) الكاتب على أنه؛ شخص نرجسي مأزوم نفسيًا إلى حد الجنون، لا يصحو من سكره، ويتعالى على قرائه الذين وضعوه في مخيلتهم في مقام الأيقونة ليصطدموا بحقيقة أنه مجرد إنسان يعاني من عقد وفقدان وحرمان مثله مثل أي شخص آخر.

ومن الأمثلة البارزة أيضاً، شخصية "عروة" في مسلسل الندم للكاتب "حسن سامي يوسف"، الذي صوّر "عروة" (الكاتب) على أنه شخص انعزالي، يقضي معظم يومه بثياب النوم، يشرب القهوة والسجائر بكثرة، شخص غير قادر على الانخراط حتى ضمن الدائرة الاجتماعية القريبة منه.

بمجرد التغلغل داخل الوسط الكتابي الأدبي نرى أنّ الهالة المحيطة بالكتّاب ما هي إلا سراب يغشى حياةً عادية. فالكاتب في الحقيقة شخص عادي يمارس دوره في المجتمع

وشخصية "محمود" في مسلسل غداً نلتقي للكاتب "إياد أبو الشامات"، والذي جسّد هو الآخر شخصية الكاتب النمطية، فهو معقّد ومنعزل في غرفته طوال الوقت.

وربما يعود سبب عزلة الكاتب في الأمثلة السابقة؛ إلى غياب القيم الاجتماعية الملائمة، فيقوم الكاتب وبحركة دفاعية بتفعيل قيمه وقوانينه الشخصية من خلال العزلة، فيشكّل عالمًا مصغّرًا وخاصًا به ليواصل العيش. وتعدّ هذه الأمثلة عن الأعمال الفنية والأدبية جزءًا من كثير من الأمثلة التي ترسخت في الأذهان، والتي تشكل ذاكرة جمعية وصورة نمطية عن حياة الكاتب.

الكاتب الإنسان

بمجرد التغلغل داخل الوسط الكتابي الأدبي، نرى أنّ الهالة المحيطة بهذا الموضوع ما هي إلا سراب يغشى حياةً عادية. فالكاتب في الحقيقة -التي تعّرفنا إليها من خلال السير الذاتية- شخص عادي يمارس دوره في المجتمع كأي شخص آخر. ربما يمتلك شيئًا من الخصوصية من جانب القلق والطموح اللذين يرافقانه في حياته. ومع ذلك، يبقى مجبرًا على التوفيق بين عالمين أو حياتين يعيشهما، حياة الإنسان العادي الذي يمارس دوره الطبيعي، وحياة الكاتب.

فلا يسعنا سوى أن نقف بإجلال أمام كاتب بقامة عمر أبو ريشة والذي يعدّ من كبار شعراء وأدباء العصر الحديث وله مكانة مرموقة في ديوان الشعر العربي وهو الإنسان الشاعر الأديب الدبلوماسي الذي حمل في عقله وقلبه الحب والعاطفة للوطن وللإنسان وللتاريخ السوري والعربي وعبّر في أعماله وشعره بأرقى وأبدع الصور والكلمات والمعاني.

 وها هو عبد السلام العجيلي أيضاً، الطبيب والنائب والوزير والأديب السوري، والذي تعدّ كتاباته في المجال الأدبي من ضمن الأغنى في تاريخ الأدب العربي، يقول عن الكتابة باختزال: "إنني لا أنظر إلى الكتابة الأدبية كعمل بل كنوع من أنواع السلوك".

كثيرة هي العوامل التي ساهمت في تشكيل هذه الصورة، وتحتاج لبحث أطول وأعمق لمجرد المرور عليها. لكن يبقى السؤال الأبرز: لماذا يحاول الكاتب الحفاظ على هذه الصورة، مع العلم أنها غير قابلة للتعميم إلى هذا الحد؟