عن الثورة السورية في ذكراها

2024.03.18 | 16:42 دمشق

7825875
+A
حجم الخط
-A

في كل عام وفي مثل هذا الشهر تكثر الدعوات بين السوريين لأجل إجراء مراجعة وتقييم لمسار عمل قوى الثورة سواء كانت المدنية أو العسكرية منها، هذه الدعوات لا تأتي نتيجة لرغبة حقيقية أو لأن الظروف مواتية لعمل مثل هذه المراجعات التقييمية بل لأنه صار واجبا أن تطرح هذه القضية في كل عام في ذكرى انطلاقة الثورة من دون النظر للظروف والمآلات ودون التبصر جيداً بما وصلنا إليه وما هي التوقعات للسنوات القليلة المقبلة؛ أي أنها دعوات لمجرد الدعوة وصارت مثلها مثل أي كليشيه جاهزة تتكرر في كل عام. من الأفضل والأجدى بدلا من تضييع الوقت وتشتيت الجهود في عمليات مراجعة لن تكون مفيدة بسبب الظروف الراهنة وواقعنا الميداني والسياسي أن نقوم بعمل قراءة لمستقبل قوى الثورة في السنوات المقبلة لأنه من الواضح أن لا تغيير كبير سيحصل في توزيع مناطق النفوذ والسيطرة الحالية، على العكس تماما فكل المؤشرات تدل على أن مناطق النفوذ هذه تتجه للاستقرار أي ستصبح بما يشبه أقاليم أو كانتونات تحكم بقوى محلية ولكل إقليم دولة داعمة.

هذا المعطى يفرض علينا جميعا كقوى ثورة ومعارضة أن نعمل معا بعيدا عن كل الحساسيات السابقة وأن نضع خلافات الماضي خلف ظهورنا لنجد آلية تتيح لنا تقديم نموذج حكم مفيد ومنتج في مناطق وجودنا لأجل خدمة ملايين المدنيين فيها وهذا أولاً، وثانيا لأجل تقديم نموذج لبقية المناطق والاقتصاد هو أهم عامل يصنع الفارق حاليا، لأن الاقتصاد وحده من سيكون بوابة للتنسيق والتعاون وثم التكامل بين مختلف المناطق من شمالي سوريا إلي جنوبها ومن شرقها إلى غربها. وقبل الشروع في العمل لأجل تنمية مناطق سيطرة المعارضة وجعلها بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار هناك عدة خطوات يجب أن تخطوها المعارضة مع الشريك التركي. لأن الواقع الحالي في شمالي وشرقي حلب وبعد أكثر من سبع سنوات على استقراره النسبي واقع مرير من الناحية الخدمية والأمنية، الواقع الفصائلي الذي تدار به المنطقة طارد للاستقرار والاستثمار لأنه يخلق فوضى أمنية، والواقع الخدمي ليس بأفضل حال منه لأن إعطاء سلطة للمجالس المحلية على حساب سلطة الحكومة المؤقتة حول المنطقة إلى ما يشبه إقطاعيات تدار من قبل المجالس المحلية والتي بات فيها كل مجلس يتصرف كأنه دولة صغيرة معزولة عن جيرانها ولها حدود وسيارات تحمل لوحاتها اسم المجلس ومعبر مع تركيا يفرض الإتاوة المرتفعة على كل سوري يريد زيارة قريته ومدينته وحتى هذه الإتاوة تختلف من معبر لآخر تبعا لمزاج المجلس المحلي!

كلام كثير قيل وسيقال في واقع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وكل المشكلات التي تعوق التمنية فيها معروفة وواضحة وكتب فيها عشرات المقالات والدراسات وعقدت الندوات المعلنة منها والمغلقة، لكن حتى اليوم لا أفق بحدوث تغيير جدي ومفيد وكل الإجراءات التي حصلت أخيرا والتي جري تضخيم بعضها من قبل الجهات الرسمية للمعارضة غير كافية ولن ينتج عنها شيء لأنها ببساطة واختصار لا تعالج جذر المشكلة وهي ليست أكثر من مسكنات وكما هو معلوم فإن المسكنات لا تعالج لكنها تؤجل موت المريض وحتى لا يموت المريض هو بحاجة لعمل جراحي ليدخل مرحلة التعافي.

الخطوة الأولى المطلوب العمل عليها مع الجهات الرسمية التركية لأجل حصول تغيير جذري بكل الطريقة التي تدار بها مناطقنا حالياً هي قرار واضح يبدأ بفرض جهة مدنية واحدة تدير عموم الشمال

إذا الخطوة الأولى المطلوب العمل عليها مع الجهات الرسمية التركية لأجل حصول تغيير جذري بكل الطريقة التي تدار بها مناطقنا حالياً هي قرار واضح يبدأ بفرض جهة مدنية واحدة تدير عموم الشمال وجهة قضائية واحدة وجهة أمنية واحدة ودون ذلك لن يحدث أي تغيير وسنبقى ندور بحلقة مفرغة أي لن تكون كل هذه الجهود التي بذلت مؤخرا سوى جعجعة مزعجة، أما بخصوص مؤسسات المعارضة وآلية عملها فهذه بحاجة أيضا إلى تغيير خصوصا مع انسداد أفق أي حل سياسي نتيجة المتغيرات الميدانية والسياسية وها هو بيدرسن يستعد لمغادرة منصبه دون تحقيق أي تقدم يذكر وقبل يومين زار دمشق في محاولة أخيرة لإحياء العملية الدستورية لكنه واجه رفضا روسيا قاطعا لعقد اجتماعات الدستورية في جنيف، وروسيا كانت قد التقت المعارضة في أنقرة قبل عدة أيام وأبلغ السفير الروسي وفد المعارضة بأنهم يقترحون أن تكون بغداد مكاناً للاجتماع لكن المعارضة رفضت ليعاد لاحقا طرح أن تعقد في الرياض، وقد تكون الرياض مكانا يحوز على قبول جميع الأطراف وربما تعقد فيها الجلسة القادمة نهاية نيسان المقبل لكن لا شيء مأمول منها لأن النظام وداعميه يتعمدون شراء الوقت دون تقديم أي تنازل ولا حتى مطلب صغير من مطالب المعارضة، حدث هذا ويحدث منذ أول جلسة في جنيف قبل عشر سنوات. تغيير مطلوب من كل مؤسسات المعارضة لأنه يجب عدم القبول بعد اليوم بوجود ترهل وضعف بهذه المؤسسات ولهذا الضعف والترهل أسباب أسردها لاحقاً.

أما الثورة السورية العظيمة فهي بلا شك أعظم ما أنجزه السوريون منذ نشأة هذا الكيان القلق قبل مئة عام وهي تضاهي بكل تأكيد الاستقلال عن المستعمر الفرنسي، لأن الاستقلال عن المستعمر كان له عدة ظروف وعوامل دولية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط إمبراطوريات وصعود أخرى. لا أقلل هنا من تضحيات أجدادنا الذين قارعوا الاستعمار بكل شجاعة وقدموا التضحيات الجمة لكنه الواقع الذي عايشناه منذ 2011 وحتى اليوم، والذي يقول إن الخلاص من المستعمر الداخلي له أثمان أكثر من المستعمر الأجنبي.

الثورة التي جعلتنا نسمع أصواتنا لأول مرة ونرى وجوهنا كما لو أننا نراها أول مرة ستبقى حاضرة في نفوسنا وفي الأجيال الحالية التي تشكل وعيها مع بداية الثورة، هذه الأجيال التي حملت باكرا لواء الثورة وسنكمل معها وبها هذا الطريق الطويل حتى آخره.. حتى مطلع الفجر.