عميان السياسة يا سوريا ينتقدون المبصرين

2024.02.21 | 07:09 دمشق

آخر تحديث: 21.02.2024 | 07:09 دمشق

عميان السياسة يا سوريا ينتقدون المبصرين
+A
حجم الخط
-A

تقول إحدى شخصيات رواية العمى لساراماغو:"لايمكنكم أن تعرفوا، ماذا يعني حين يكون للمرء عينان في عالم يكون فيه الآخرون عمياناً".

نعم هذا ما حدث في كارثتنا السورية المستمرة منذ 13 عاماً، كَثُرَ العميان، من دول ومنظمات وأفراد عن مشاهدة أحوالنا. سرقت الأميرة أسماء الأسد وبعلها المساعدات السورية وسيطروا "بغاية النهب" على ملف المساعدات الأممي، وكان العميان من بعض الدول يدّعون أنهم لا يرون وليس لديهم علم بما يحدث. 

آلاف المعتقلين قتلهم النظام وعصاباته الإجرامية في السجون، آلاف المفقودين مازال أهاليهم ينتظرون خبراً عن أبنائهم. وملف قيصر صار قانوناً، وأكاد أجزم أنه لا توجد أسرة سورية لم تتأذ من هذا النظام، والمؤسف أن العميان من الموالين مازالوا يرددون نغمة "كنا عايشين". وانتشرت منذ مدة موجة غايتها مدح "الدولةّ السورية" وتبرئة النظام مما يحدث، مع أنهم يعرفون ويتعامون عن سبب مأساتهم الكبرى منذ عام 1970 وحتى الآن.

الأعمى الأول قائد قصر المهاجرين زوج الأميرة السعيدة، فمازال يصدر المراسيم الجمهورية الخاصة ببيع ما تبقى من سوريا، أرضاً وعقارات وقطاع عام للإيرانيين

العميان من البشر والدول مازالت لا ترى قصداً أو عن غير قصد معاناة السوريين المتواصلة، فراتب الموظف السوري من الفئة الأولى حالياً لا يكفي لشراء الخبز الحاف "المدعوم". أما الأعمى الأول قائد قصر المهاجرين زوج الأميرة السعيدة، فمازال يصدر المراسيم الجمهورية الخاصة ببيع ما تبقى من سوريا، أرضاً وعقارات وقطاع عام للإيرانيين الذين يسيطرون على أهم المفاصل الحكومية والرسمية ويحتلّون سوريا علانية وكلما اقترب بلد عربي خطوة من النظام قفز عبد اللهيان إلى دمشق ليقطع الطريق على هؤلاء متصرفاً وكأنّ سوريا محافظة إيرانية.

يتجاهل العميان الخطر الإيراني المرعب على المنطقة والإقليم، وذات يوم مضى في بدايات الثورة السورية، صرّح وزير الإعلام الأردني السابق صالح القلاب مخاطباً دول الخليج قائلاً:ّ "إذا تركتم السوريين وحدهم في ساحة المواجهة فسوف تجدون المحتل الإيراني يصل حتى غرف نومكم".

قائد العمى النووي في موسكو والذي قتل المعارض نافالني منذ أيام في السجن السيبيري، يعتقد أنه سيكون أقوى مع حليف مثل بشار الأسد، بينما يغرق حالياً في الرمال الأوكرانية.

الاتحاد الأوروبي الذي استقبل موجات الهجرة المليونية من سوريا وبقية دول الشرق الأوسط وخاصة تلك التي تحكمها إيران عبر الميليشيات التابعة لها، وأنظمة شمولية، أقول الاتحاد الأوروبي مازال يتعامل مع المأساة السورية وكأنها فقط ملفاً إنسانياً بينما المطلوب من سياسييه أن يساهموا في إنجاح الحلّ السياسي السوري. ومن مصلحة أوروبا والعالم الغربي إيجاد حلّ سريع للمأساة السورية فربما تتناقص نسبياً موجات الهجرة نحوه.

منذ أيام وبعد أن أقرّ مجلس النواب الأميركي قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد، وهو أهم خطوة سياسية تقوم بها واشنطن الآن للدفع بالحلّ السياسي نحو الأمام، وقد شكّلت جهود مئات السوريين في منظمة "التحالف الأميركي من أجل سوريا" الرافعة الحقيقية لهذا القانون التي أوصلته إلى مجلس النواب. أقول في هذه اللحظات انطلق الجيش الإلكتروني التابع لجهاز الاستخبارات السوري وجيش آخر تابع للجولاني ومشتقاته على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ومعهم آلاف العميان السوريين لمهاجمة القانون، ولبث وإرسال الاكتئاب واليأس العام من سياسة الولايات المتحدة الأميركية وقراراتها.

العميان الذين تربّوا في مدارس الأحزاب اليسارية وجدوا في قانون مناهضة التطبيع خطوة يائسة وإمبريالية واستعمارية وليبرالية شريرة ولها غايات تآمرية كونية، إلى آخر هذه الصفات العمياء التي تعشش فقط في رؤوسهم.

العميان من الموالين البعثيين، مازالوا يعتقدون أن بشار الأسد يمكن أن يتّم إصلاحه وترقيع نظامه المهترئ، ويصدّقون دعاية حزب البعث وأمينه العام ونكتة الانتخابات الحزبية والإصلاح الداخلي. وتناسوا أن شُعَب حزب البعث العربي الاشتراكي وفروعه كانت ومازالت مقار لكتبة التقارير الأمنية، وأماكن لأشخاص مرعوبين ومريضين يرون في مظلات حزب البعث النازية أماكن حماية لرعاية طوحاتهم المرضية في التسلق نحو منصب إداري حتى ولو كان مدير مدرسة أو رئيس قسم في مؤسسة خدمية حكومية.

في آذار من عام 2011 عندما نزل آلاف السوريين إلى الشوارع مرددين: حرية، حرية، حرية، سوريا بدها حرية، تناوب على قتلهم وقمعهم عميان إيديولوجيون، جهلة، خائفون، وهؤلاء العميان الآن يصرخون من ألم الجوع في الداخل السوري المحتل.

العميان يا ساراماغو مازالوا يقودون عمياناً، ولديهم قاموس أعمى مفرداته تنّم عن غباء سياسي صارخ. فبعضهم ينظر عبر منظار الإسلام السياسي ويرون في الجولاني وأمثاله قادة تاريخيين.

الأعمى الحقيقي هو من يعتقد أن لبشار الأسد وعائلته لهم مستقبل سياسي في حكم سوريا

بعض النخب السياسية السورية العمياء والتي تكره الغرب بسبب عقد نقصها الفردية، مازالت تستخدم مفاهيم سياسية عمياء وتعتقد أن استعداء الدول لاسيما تلك التي تضمّ لاجئين سوريين هو الطريق لمعالجة هذه الملفات المعقدة، والنتجة غالباً تكون خيبات متتالية وضحايا سوريين آخرين يُرحلون قسرياً إلى سوريا الأسد. وإذا خاطبهم أحد ما بالعقل وبلغة سياسية قائلاً: "بأن السياسة تتطلب منّا فهم درجة ونوعية المأساة التي يعيشها السوريون وإمكانيات خدمتهم عن طريق السياسة". ردّوا عليه بلغة خشبية عدائية وعنصرية وخوّنوه على طريقة تخوين جماعة المقاومة التابعين لإيران.

الأعمى الحقيقي هو من يعتقد أن لبشار الأسد وعائلته لهم مستقبل سياسي في حكم سوريا، وأعمى من يعتقد أن السوريين قاصرين بالسياسة وليسوا قادرين على لعب دور أساسي في مستقبل بلدهم السياسي.

والمبصر في السياسة هو من يتفاءل بجهود الرائعين من السوريين الذين تمكنوا من الدفع بأهم قانون لمناهضة التطبيع مع نظام الأسد وإقراره في مجلس النواب الأميركي ونأمل قريباً توقيعه من مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس الأميركي جون بايدن ليصبح ساري المفعول.