icon
التغطية الحية

عمر الشغري يروي تجربة اعتقاله في سجون النظام السوري لطلاب أميركيين

2022.09.22 | 14:40 دمشق

الناشط السوري عمر الشغري
الناشط السوري عمر الشغري
آركانساس ديموكراتيك غازيتي - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تحدث المعتقل السياسي السوري السابق، عمر الشغري، لطلاب في ثانوية ليكسايد بمنطقة هوت سبرينغز يوم الثلاثاء الماضي حول الألم والتعذيب الذي قاساه عندما كان معتقلا في سجون النظام السوري، وكيف غيّر كل ذلك حياته كلية.. للأفضل طبعاً.

يشغل الشغري حالياً، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، ومتحدث بالشأن العام، وطالب بكلية جورج تاون، منصب مدير ملف شؤون المعتقلين لدى فرقة العمل السورية للطوارئ، بيد أنه عندما كان فتى مراهقاً، أمضى أكثر من ثلاث سنوات في أحد السجون بسوريا، وذلك بعد اعتقاله على يد رجال ميليشيا مسلحة هو وأبناء خالته بسبب خروجهم للتظاهر ضد النظام. وفي السجن، تعرض الجميع لتعذيب جسدي ونفسي، وأجهز على ابني خالته بشير ورشيد في نهاية المطاف.

ولهذا بات من المعروف بأن الشغري هو أحد الناجين من المعتقلات السورية ممن عاشوا تجربة مريرة ونذروا حياتهم للحديث عن تلك التجربة وإخبار كل الناس عنها، إذ تم تهريبه من السجن في نهاية المطاف في عام 2015 عقب عملية إعدام وهمية.

تأسست فرقة العمل السورية للطوارئ التي تهدف لإنهاء الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين السوريين، وإقامة العدالة، على يد معاذ مصطفى وهو أحد خريجي هذه الثانوية، ويعمل اليوم مديراً تنفيذياً لهذه المنظمة، برفقة نتالي لاريسون، مديرة البرامج الإنسانية والتوعية.

وعن ذلك اللقاء يحدثنا الشغري فيقول: "أعتقد بأن شباب المرحلتين الإعدادية والثانوية الذين التقيت بهم اليوم لن يتشجعوا على القيام بشيء ما فحسب، بل بوسعهم أن يشجعوا معلميهم وذويهم وأصدقائهم وكل من في وسطهم على القيام بشيء حيال ما جرى.. ولهذا أستثمر فيهم لأنني كنت في سنهم عندما تغير كل شيء بالنسبة لي.. فقد تغيرت حياتي كثيراً عندما سجنت، وتعرضت للتعذيب والتجويع، ورأيت الناس وهم يموتون كل يوم، ولهذا لا أريد لهم أن يعيشوا ما عشته، ولكني أريد منهم أن يراعوا الوضع حتى يتمكنوا من الإسهام في تغيير حياة من عانوا، وكذلك من أجل المستقبل، أريد منهم أن يدركوا ما يحدث".

"مع الألم إما أن تموت أو تصبح أقوى"

يذكر أن الشغري الذي ألقى خطاباً أمام مجلس الشيوخ الأميركي، وقدم محاضرات لدى TEDx talks، والتقى بلجان دولية معنية بجرائم الحرب، طالب مجلس الأمن الدولي في كانون الأول الماضي باتخاذ إجراء ضد بشار الأسد والجرائم التي ارتكبها نظامه.

وقال إنه عاش الألم على مستويين: جسدي وعقلي، وأضاف: "مع الألم إما أن تموت أو تصبح أقوى عندما تشفى. فلقد أمضيت ثلاث سنوات في رعب تعرضت خلالها للتعذيب بصورة يومية، وكنت أرى أحبائي وهم يفارقون الحياة. وعلى الرغم من أن الألم الجسدي مريع، فإن جلدك يعتاد عليه، وكذلك عقلك يعتاد على الألم، وذلك عندما يمنعك من الإحساس به أو يخفف من وطأته عليه".

يخبرنا الشغري بأن معاناته العقلية أصبحت المجال الذي ركز عليه أولاً خلال فترة اعتقاله، بما أن السجانين كانوا يسعون لتحطيمهم نفسياً، إذ يقول: "لا يريدون لأي علاقة أن تقوم داخل الزنازين، ولهذا كانوا يجبرون المعتقلين على تعذيب بعضهم بعضاً، فقد أجبروا أشخاصاً يحبون بعضهم على قتل بعضهم حتى نفقد أي ثقة بالإنسانية، وعندما تفقد الثقة بالإنسانية، أو بأي إنسان آخر، تصبح ضعيفاً لأنك منعزل ووحيد، وهذا بالضبط ما كانوا يريدونه".

الشغري طالب في "جامعة الهمس"

وبما أنه يتابع دراسته اليوم ليحصل على إجازة في أدب الدراسات الليبرالية من كلية Continuing Studies بجامعة جورج تاون، يخبرنا الشغري بأنه سبق أن ارتاد جامعة من نوع آخر، ألا وهي "جامعة الهمس".

ويقول إن أول شيء اكتشف بأن عليه أن يتغلب عليه هو الألم الجسدي، وبعده يأتي العذاب النفسي الذي عانى منه، ولهذا يخبرنا بأن الطريقة الوحيدة لقهر كل ذلك تتمثل بالعيش ضمن البيئة التي تناسب الإنسان تماماً.

وحول ذلك يقول: "لقد كنت محظوظاً لأنني كنت محاطاً بأفضل السجناء في البلد، إذ بينهم أطباء ومهندسون وأطباء نفسيون ومعلمون... أي أشخاص من مختلف مجالات الحياة، يتمتع كل منهم بمعرفة تختلف عن الآخر، وقد استفدت من كل ذلك خلال فترة سجني. إذن فالفرق بين السنوات الثلاث التي أمضيتها في السجن، والتي كان من المفترض أن أمضيها في الثانوية، وارتياد المدرسة الثانوية العادية، هو أنني تعلمت شيئاً استفدت منه بشكل مباشر في حياتي، لأنك تتعلم في السجن أكثر مما تتعلمه في الثانوية... ولهذا كنت خلال فترة سجني أتعلم الأمور التي تفيدني بشكل مباشر، سواء من خلال طبيب يشرح لي عن شيء معين، أو من خلال طبيب نفسي أو مهندس أو أي أحد آخر... أي أننا أسسنا مجتمعاً مبينياً على هيكلية معينة، أي أوساطاً من الناس الذين يثقفون أنفسهم ويتعلمون بشكل ذاتي، وأصبح اسم ذلك "جامعة الهمس" لأنه لم يكن مسموحاً لنا أن نتحدث إلا همساً... إذ عندما كانوا يعذبونني ويقتلعون أظافري، كنت أستغرب من الأسئلة التي أطرحها على الطبيب عند عودتي إلى المهجع، لأن المرء يصبح شغوفاً بالعلم وعنده فضول للتعلم أكثر، إذ بعد أن تعتاد على الألم، وعلى الصدمات، تصبح فضولياً ومحباً للمعرفة، وذلك لأن تركيز مخك يصبح موجهاً نحو شيء مختلف تماماً، إذ بوسعك أن تجلس في صفك وتركز تفكيرك على الصبية التي تحبها، فلا تسمع ولا كلمة مما يقوله الأستاذ، وذلك لأنك تركز على شيء آخر، وهذا ما يحدث لك عندما يعذبونك، حيث تركز على شيء آخر مختلف كلياً حتى أنني في مرات عديدة لم ألاحظ بأن السجانين كانوا يضربونني، أو يعذبونني، لأن ذلك لا يحدث لمرة واحدة، بل يتكرر كل يوم على مدار سنين، ولهذا اعتدت على كل ذلك بعد مرور ستة أشهر".

يهدف الشغري الذي يترأس ملف شؤون المعتقلين لمساعدة من نجوا من تجارب مماثلة لتجربته، إلا أن كثيرين لم يحظوا بتلك الفرصة حسب قوله، ويضيف: "لقد خرج بعض السجناء من السجن فاقدين لذاكرتهم، فلم يتعرفوا على ذويهم وأهلهم وأصدقائهم، أي أنهم لم يعد بمقدورهم أن يعرفوا أي شيء... ولم يقف أحد بجانبهم ليساندهم، لأنهم يعيشون في سوريا، في منطقة حرب، وهؤلاء الأشخاص بحاجة للمساعدة والدعم".

المصدر: آركانساس ديموكراتيك غازيتي