علي دوبا.. من القصر إلى القبر

2023.06.26 | 06:02 دمشق

آخر تحديث: 26.06.2023 | 06:02 دمشق

علي دوبا.. من القصر إلى القبر
+A
حجم الخط
-A

أخيراً طوى الموت صفحة سوداء، من صفحات واحدٍ من عتاة جلادي الشعب السوري، العماد "علي دوبا" الذي كان مجرد ذكر اسمه كفيلا بجعل العرق يتصبب من رؤوس كبار ضباط الجيش السوري. لم يكن موته حتى خبراً رئيسياً يذكر في إعلام النظام السوري إلا بشكلٍ عابر، مع أنه حكم البلاد زهاء ثلاثين سنة، كانت له خلالها اليد الطولى في إمضاء رغبات سيده الأبدي حافظ الأسد.

وبالرغم من تعدد فروع الأمن التي يحكم من خلالها حافظ الأسد قبضته على البلاد، إلا أن الأمن العسكري الذي كان يترأسه "علي دوبا" كان حاكماً على جميع تلك الفروع، وكان صاحب الكلمة العليا في أي أمر يرى ضرورة أو منفعة التدخل فيه، ويكفي أن يشير ضابط من أركان الأمن العسكري في أي مدينة سورية، إلى مسألة يرغب في تناولها، أو البت في أمرها، حتى تتراجع جميع الفروع عن هذه المساحة التي أضحت عليهم محرمة.

كل هذا كان يجري تحت سمع حافظ الأسد وبصره، وكان أشبه بالتفاهم الصامت الذي يمنح علي دوبا هذه الامتيازات، طالما يوظف جميع هذا لخدمة القصر الرئاسي وحماية سيده

لم يكن هناك أحد من أزلام نظام حافظ الأسد ينافس "علي دوبا" في ولائه المطلق لسيده، الأمر الذي أبقاه طيلة حكم الأسد الأب متسيدا على أقرانه، ولم يترك هذا القائد الأمني باباً من أبواب الفساد إلا وكانت له حصة الأسد منها، فتجارة المخدرات وزراعتها في البقاع اللبناني في أواسط الثمانينات، حيث كانت تدر الملايين من الدولارات، كانت هذه التجارة المحرمة حكراً على ثلاث شخصيات استثماريه (العماد علي دوبا- اللواء محمد الخولي- العماد مصطفى طلاس)، كما كان له وصول متميز لعائدات النفط السوري فقد كان شقيقه رئيساً للمؤسسة العامة للنفط، مدة أحد عشر عاما، وكان شريكا لرامي مخلوف ومفلح الزعبي في تهريب نفط العراق، ومعلوم كم الملايين الهائلة التي انهالت على من أدار هذه الملفات في النظام السوري، ويكاد يحتكر شبكات الاتجار بالرقيق الأبيض وشبكات الدعارة في سوريا، الأمر الذي يعزز سطوته ويرفد إمبراطوريته المالية بموارد يصعب إحصاؤها، الأمر الذي سمح له ببناء دولة داخل الدولة، فلم تكن تعقد صفقة كبرى أو يمنح امتياز لشركة عالمية، أو يمر مشروع حيوي بميزانية تتجاوز المليارات في سوريا إلا ويكون للعماد علي دوبا حصة الأسد منها. كل هذا كان يجري تحت سمع حافظ الأسد وبصره، وكان أشبه بالتفاهم الصامت الذي يمنح علي دوبا هذه الامتيازات، طالما يوظف جميع هذا لخدمة القصر الرئاسي وحماية سيده.

من المعروف عن علي دوبا أنه لا يظهر في الإعلام وفي الصحافة أبداً باستثناء حالات نادرة أذكر إحداها، حين سرت الشائعات عام 1988 أنه أقيل من منصبه، وكانت الشائعات قوية لدرجة كبيرة، فكان الرد عاجلا خلال أيام قليلة، حين ظهرت في الصحف الرسمية صورة للقائد حافظ الأسد وهو يستقبل أحد الرؤساء وفي زاوية الصورة يظهر "علي دوبا" محدقاً بشكل ملحوظ يوحي كأنه يقول انظروا هذا أنا هنا، مازلت ملاصقاً للرئيس.

لم تكن الحظوة التي نالها "علي دوبا" من رئيسه حافظ الأسد "الذي لم يكن يثق بأحد إلا ما ندر" لولا أنه أثبت المرة إثر المرة ولاءه المطلق لحافظ الأسد، وبالتأكيد فإن حافظ الأسد أخضع خلال سنوات حكمه العديد من قادته لاختبارات قاسية، ليكشف عن مدى ولائهم له، فكان علي دوبا ناجحاً بامتياز في هذه الاختبارات، وقد كان شديد الحرص والذكاء في ضبط إيقاع تمدده وبناء سلطته ونفوذه، بحيث لا يثير ريبة رئيسه وولي نعمته، ولا يقترب من الخطوط الحمراء التي تشي بأي مطمح آخر له، سوى الولاء لآل الأسد، وتكديس الثروات، وخير دليل على ذلك وقوفه مع حافظ الأسد حين انقلب عليه شقيقه رفعت وكانت له اليد الطولى في استقرار الأسد في حكمه، ودوره الوحشي في قمع الخارجين على الأسد سنة 1980، كما كان مهندساً للوجود العسكري والأمني السوري في لبنان، ورئيساً لجميع الضباط السوريين الذين حكموا لبنان وعاثوا فيه فسادا تحت إشرافه.

لم تشفع لعلي دوبا ثلاثون سنة من الولاء والخدمة المتفانية لرئيسه حافظ الأسد، فالأخير كان يرتب البيت لوريثه بشار، الأمر الذي اقتضى تصفية القادة الذين سيشكلون خطرا عليه

لكن مع اقتراب عهد الوريث بشار، الذي لم يكن يشبه أباه في حنكته ودهائه وقوة شخصيته، وملائمته لكرسي الحكم، باتت شخصية قوية ومتمرسة كعلي دوبا، شخصية تمسك بمفاتيح الكثير من الملفات المهمة، ومتمددة بنفوذها في الأجهزة السورية لدرجة يصعب تخيلها، باتت هذه الشخصية تشكل تهديدا حقيقيا للغر الجديد الذي لم يبلغ الخامسة والثلاثين بعد، لم تشفع لعلي دوبا ثلاثون سنة من الولاء والخدمة المتفانية لرئيسه حافظ الأسد، فالأخير كان يرتب البيت لوريثه بشار، الأمر الذي اقتضى تصفية القادة الذين سيشكلون خطرا عليه، وكان في مقدمتهم علي دوبا الذي أقيل قبل موت حافظ الأسد بأشهر قليلة.

تم تجميده ومن ثم إقالته وتركه في بيته إلى أن انتهى به المطاف على كرسي متحرك، وقد شوهد في انتخابات 2021 يدلي بصوته مؤيدا لبشار الأسد بطريقة مهينة تجلب السخرية، وبقي حتى نهاية حياته متربعا على ثروة جمعها خلال ثلاثين سنة من ممارسة الفساد والإرهاب وتصفية الخصوم.