icon
التغطية الحية

على هامش تجارة المخدرات في دمشق.. "الفكاكة" مصدر تمويل لضباط النظام

2024.05.21 | 08:09 دمشق

آخر تحديث: 21.05.2024 | 10:30 دمشق

مبنى فرع "الأمن الجنائي" في العاصمة دمشق (وزارة داخلية النظام)
مبنى فرع "الأمن الجنائي" في العاصمة دمشق (وزارة داخلية النظام)
دمشق - حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

أوجد ضباط النظام في الأفرع الأمنية سبيلاً جديداً لمورد مالي ضخم على هامش تجارة المخدرات في دمشق، التي يرعاها النظام أيضاً وفق تقارير منظمات دولية.

ويستفيد الضباط من هذه التجارة عبر اعتقال الموزعين الصغار "ديلر" والمتعاطين، وطلب مبلغ مالي للإفراج عن الأشخاص أو إزالة أسمائهم من النشرة الشرطية.

ثمن "الفكة" جاهز دائماً

يعرف مصطلح "الفكاكة" أو "الفكة" بين تجار الحشيش والمواد الممنوعة والمهربة في مناطق سيطرة النظام بكونه المبلغ الذي يدفع عادةً للخلاص من العقوبة قبل وصول الأمر إلى القضاء أو حتى بعد وصوله. وتتراوح قيمة المبلغ من مئات الآلاف السورية إلى آلاف الدولارات.

استطاع موقع تلفزيون سوريا الوصول إلى أحد عناصر النظام التابعين لفرع أمن الدولة، والذي يعمل في بيع الحشيش والكبتاغون وتوزيعهما داخل دمشق مرتدياً الزي العسكري. وبالحصول على بعض المعلومات منه بحجة أننا ننوي شراء "معجونة" الحشيش منه، تبين أنه يستفيد من صفته الأمنية وارتداء الزي العسكري حتى لا يتعرض للملاحقة.

ننقل كلام (أبو العلا) حرفياً: "مين بدّو يوقفني وأنا لابس عسكري ومعي هوية أمنية؟ بعدين حتى لو عرفوا القصة بتنحل بشوية مصاري... كل حدا يشتغل هالشغلة بيكون حاسب حسابه بمبلغ محرز لحالات الطوارئ".

خمسة أسماء لنطلق سراحك

تتبع أقسام الشرطة التابعة للنظام السوري طريقة التعذيب بعد اعتقال أحد المتورطين في التعاطي أو التجارة حتى يعترف بخمسة أسماء من المتورطين معه، وعادةً ما يتم إيهامه بأنهم سيفرجون عنه حال إقراره بالأسماء.

وتأتي هذه الخطوة بحجة الوصول إلى أكبر عدد من المتورطين في الأمر وتفكيك شبكات الإتجار بالحشيش والمواد المخدرة، لكن الأمر، وفق مصدر خاص من داخل قسم التضامن في دمشق، يكون بهدف اعتقال أكبر عدد لتخييرهم بين القضاء أو الدفع للضابط المسؤول، وبالتالي تحصيل أكبر عدد ممكن من مبالغ "الفكة".

يقول المساعد (الذي اشترط عدم ذكر اسمه): "عندما نمسك بأحد المتورطين بعد الملاحقة أو بعد وصول إخبارية عنه، نطلب منه 5 أسماء من المتعاطين أو التجار وبعد التحقيق واعترافه بالأسماء وإحضار المتورطين الآخرين، يتسلّم الرائد الأمر وتبدأ المفاوضات لتحصيل أكبر مبلغ ممكن حتى لا يتمّ فتح ضبط نظامي على الدفتر وتحويلهم إلى المحكمة، وقد تكون الفكة أجهزة إلكترونية أو حتى ذهباً بدلاً من دفع المال".

توريط من لا ذنب لهم

دفعت الطريقة التي تتبعها أقسام الشرطة بتعذيب المعتقلين بتهمة الحشيش والمخدرات للإدلاء بخمسة أسماء، موزعي الحشيش ومروجيه إلى تحضير 5 أسماء مسبقاً إلى جانب تأمينهم ثمن "الفكة".

ويتبع المعتقلون عادةً حيلة إعطاء أسماء أشخاص مسافرين إلى خارج البلد، أو حتى إعطاء أسماء أشخاص لا علاقة لهم ولا ذنب لهم وذلك لغايات "كيدية" أو انتقامية.

وقد استطاع موقع تلفزيون سوريا تقصي حقيقة الأمر عن طريق أحد المحامين في دمشق (معروف – اسم مستعار)، فقد أوضح لنا أنَّ إحدى القضايا التي تمت استشارته بها هي قضية شاب ينحدر من قرية الصنمين التابعة لمحافظة درعا. تبين بعد عملية "دق الفيش" أو "التفييش" أن عليه إذاعة بحث بتهمة المخدرات رغم كونه مسافراً إلى مصر منذ أكثر من 8 سنوات.

ماذا يتعاطى السوريون في مناطق النظام؟

استطعنا الوصول إلى بعض الأسماء المتداولة للحبوب المسببة للإدمان والمنتشرة في مناطق سيطرة النظام. فإلى جانب انتشار الحشيش والكبتاغون، تنتشر بعض المواد الصيدلانية، مثل: الترامادول والبيوغالين (الإنديترو) والزولام والريسبيريدون... وغيرها. وهي مواد بعضها من مسكنات الآلام القوية وبعضها الآخر من فئة الأدوية النفسية ذات المفعول القوي والتي تستخدم لعلاج الأمراض العقلية أو الاضطرابات النفسية والذهانية.

في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أوضح الصيدلاني (محمد نور الدين) الذي يعمل في مجال الصناعات الدوائية والكيميائية، بأن هذه المواد ذات أسعار رخيصة أو عادية، وعادةً ما تُطلب وصفة طبية في كل مرة يتم شراؤها؛ إذ ترفق الوصفة باسم المريض ورقمه الوطني وتاريخ الوصفة.

ميليشيات المخدرات

لم يعد خافياً على العالم أجمع مسؤولية ميليشيات النظام والميليشيات الإيرانية والعراقية عن إغراق سوريا والدول المجاورة لها بالمخدرات على اختلاف أشكالها وأصنافها، وعلى رأسها "الكبتاغون". وهو ما أكدته عدة تقارير صحفية وأشارت إليه تحقيقات المنظمات الدولية.

يتابع المحامي (معروف – اسم مستعار) حديثه عن الأمر لموقع تلفزيون سوريا، موضحاً أنه إذا ما تمّ إلقاء القبض على بعض المتورطين بتجارة الحشيش والمخدرات والمرتبطين بالميليشيات المقاتلة في سوريا، فإنّ الأمر يُحلّ دون الحاجة إلى دفع المال حتى.

الأطفال: موزعون بمقابل زهيد

يستغل بعض تجار الحشيش الأطفال من فاقدي الرعاية والمتسولين في توصيل الحشيش للزبائن بمقابل زهيد؛ وذلك لكونهم "غير مشكوك" بهم، وحتى لا يتورط التجار نفسهم عند البيع للزبائن غير الموثوقين.

يُشار إلى أن العقوبات المرتبطة بتهم المخدرات في القانون السوري تتراوح بين الإعدام والأشغال الشاقة والسجن المؤبد والسجن المؤقت ودفع الغرامات، وذلك حسب التهمة. 

وقد خففت محاكم الجنايات في عام 2018 عقوبة مهربي المخدرات من الإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة؛ الأمر الذي أثار استنكاراً واسعاً، واعتُبر تساهلاً قضائياً ولا سيما بعد ثبوت تورط عناصر ميليشيات النظام في تهريب وتجارة المخدرات. وعلى الرغم من شدة العقوبات القانونية، إلا أنَّ معطيات الواقع في دولة تحكمها "شريعة الغاب"، تؤكد أن حاشية النظام وحليفه الإيراني خارج حسابات القضاء وفوق القانون وتشريعاته.