على هامش التمديد للقوات التركية في سوريا والعراق

2023.10.22 | 07:39 دمشق

آخر تحديث: 22.10.2023 | 07:38 دمشق

على هامش التمديد للقوات التركية في سوريا والعراق
+A
حجم الخط
-A

قدمت الرئاسة التركية، مذكرة إلى البرلمان، لتمديد الصلاحية الممنوحة لرئيس الجمهورية بشأن إرسال قوات لتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا والعراق ولمدة عامين آخرين اعتبارا من 30 تشرين الأول الحالي. وتوقفت المذكرة المذيلة بتوقيع الرئيس رجب طيب أردوغان، عند "المخاطر والتهديدات للأمن القومي التي تحملها التطورات والصراع المستمر في المناطق المتاخمة للحدود البرية الجنوبية لتركيا".

بعد أسبوعين على طلب الرئاسة وللمرة السابعة على التوالي وافق البرلمان التركي على المذكرة تماما كما حدث منذ العام 1950 وحتى اليوم ولعشرات المرات، لناحية إرسال قوات عسكرية إلى خارج البلاد واستقبال قوات أجنبية فوق الأراضي التركية لأسباب ودوافع كثيرة ومتنوعة.

المشهد السياسي والحزبي لا يتغير كثيرا تحت سقف البرلمان خلال عمليات التصويت على مذكرات من هذا النوع. تستجيب الأغلبية البرلمانية لطلب السلطة السياسية في الحكم، مقابل رفض أحزاب المعارضة دعم خطوة من هذا النوع. مفاجأة هذه المرة التي صوّت 375 نائباً لصالحها مقابل رفض 164 من أصل 600 نائب مجموع أعضاء البرلمان، كانت من خلال وقوف أحزاب الجيد والمستقبل والسعادة والدواء المحسوبة على المعارضة إلى جانب تحالف الجمهور في الحكم. بينما بقي حزب الشعب الجمهوري واليسار الأخضر في الجانب الآخر خلال التصويت، تحت ذريعة وجود عبارة تشير إلى إمكانية وجود قوات أجنبية داخل الأراضي التركية في نص المذكرة، أو أنها ستساهم في زيادة حالة التوتر الإقليمي وتدهور علاقات تركيا مع جيرانها.

لا يمكن تجاهل حقيقة أساسية بالنسبة لتركيا عند نقاش أسباب التحرك العسكري باتجاه الخارج، وهي حماية مصالح أنقرة وتفعيل دورها الإقليمي ورفع مستوى علاقاتها مع الدول التي تقصدها، وسط لعبة المتغيرات والتوازنات القائمة. ما يبرر الانتشار العسكري التركي خارج الحدود والذي يصل اليوم إلى الوجود في 13 دولة هو 4 حالات قانونية على الشكل التالي:

التدخل العسكري المباشر في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة والحق المشروع في الدفاع عن النفس في مواجهة التهديدات الحدودية التي تستهدف أراضيها من قبل مجموعات إرهابية

- الدور الضامن لتركيا في قبرص بناء على اتفاقيات لندن وزوريخ في العام 1959 والذي دفعها للتدخل العسكري المباشر عام 1974 استجابة لطلب القبارصة الأتراك.

- المشاركة الأطلسية في مهام عسكرية وسلمية بينها أفغانستان وهي تتم في إطار عمليات عسكرية وقتالية أو دور لوجستي كما فعلت الوحدات التركية هناك لسنوات طويلة.

- اتفاقيات عسكرية وأمنية ثنائية مكنت أنقرة من إنشاء قواعد عسكرية لها بطلب من الدول المضيفة بهدف التنسيق والمشاركة في مهام التدريب والتجهيز والتسليح كما حدث مع قطر والصومال.

- التدخل العسكري المباشر في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة والحق المشروع في الدفاع عن النفس في مواجهة التهديدات الحدودية التي تستهدف أراضيها من قبل مجموعات إرهابية توجد هناك كما هو الحال اليوم في سوريا والعراق.

البداية كانت ربما مع ولادة النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية وإرسال تركيا لقواتها إلى كوريا في مطلع الخمسينيات والتي كانت حافزا لفتح الطريق أمام عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي. بعد ذلك تحركت القوات التركية باتجاه جزيرة قبرص قبل نصف قرن استجابة لدعوة القبارصة الأتراك وحقوقها كدول ضامنة في اتفاقيات الجزيرة مع اليونان وإنكلترا. ثم الوجود في إطار مهام سلمية بطلب من الأمم المتحدة في أكثر من بقعة جغرافية شملت آسيا وإفريقيا وأوروبا.

حققت تركيا قفزة نوعية في مجال التصنيع الحربي خلال السنوات الخمس الأخيرة، وخاصة بتكنولوجيا الطائرات المسيرة التي أثبتت تفوقها في عدد من العمليات العسكرية خارج أراضيها. لكن عوامل أخرى عديدة بينها المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016 وولادة النظام الرئاسي والصعود الاقتصادي التركي كانت كلها تحسب عند الحديث عن أسباب الانتشار العسكري الإقليمي التركي.

لا يمكن هنا إغفال حقيقة أن التمدد السياسي والاقتصادي التركي في المنطقة، واكبه الانتشار العسكري في إطار اتفاقيات ثنائية أمنية مع كثير من الدول. ثم جاء التدخل العسكري المباشر في دولتي الجوار سوريا والعراق بعد الأزمات السياسية والأمنية التي واجهها كلا البلدين وحمل معه مخاطر التنظيمات الإرهابية التي استغلت حالة الفراغ الأمني للتمدد والانتشار في المناطق الحدودية للبلدان الثلاث، وهي من جملة الأسباب الأخرى التي دفعت أنقرة نحو التموضع العسكري الإقليمي الجديد.

تغير الوضع أكثر بالنسبة لتركيا عندما شعرت أن الهدف الاستراتيجي لبعض العواصم التي تمول هذه العناصر هو ربط شمالي العراق بشمال شرقي سوريا سياسيا وعسكريا

تزايدت أسباب الوجود العسكري التركي في سوريا والعراق بعدما كانت مرتبطة بالدور الوظيفي لناحية مواجهة أخطار المجموعات الإرهابية التي تستهدفها من داخل أراضي الدولتين، بعدما توسعت رقعة انتشار هذه المجموعات وحصولها على دعم عواصم خارجية تلعب ورقتها ضد تركيا. تغير الوضع أكثر بالنسبة لتركيا عندما شعرت أن الهدف الاستراتيجي لبعض العواصم التي تمول هذه العناصر هو ربط شمالي العراق بشمال شرقي سوريا سياسيا وعسكريا في إطار خطة تمهد لكيان كردي مستقل في منطقة الحدود المشتركة. لذلك لم يعد كافيا ربط مذكرات التمديد بمسألة محاربة المجموعات التي تصنفها أنقرة بالإرهابية والموجودة على حدودها في البلدين مثل "حزب العمال الكردستاني" و"قوات سوريا الديمقراطية" وعناصر داعش.

التطورات الميدانية والأمنية والسياسية في البلدين وطريقة تعاملهما مع المطالب التركية حيال هذه المجموعات وتجاهل تمددها وتمركزها في مناطق جغرافية أوسع وحصولها على دعم بعض العواصم وأجهزة الاستخبارات الغربية، هو بين ما يقلق أنقرة اليوم ويدفعها للتمسك بخيار الرد الاستباقي العسكري في التعامل مع هذا الملف.

حقيقة أخرى ينبغي قبولها بعد الآن وهي أن نظرة أنقرة حيال ما يجري على الحدود السورية وتمييزه عن الوضع في شمالي العراق بدأ يتراجع لصالح استراتيجية تركية موحدة في التعامل مع الحالتين ووضعهما في سلة أمنية وسياسية وعسكرية واحدة.

تحولت ساحات سوريا والعراق إلى أهم مراكز التباعد والمواجهة التركية الأميركية من خلال تمسك واشنطن بحماية مصالحها عبر شركاء محليين لها في البلدين. وهذا ما يتصدر أيضا أسباب تشدد تركيا وتمسكها بخططها العسكرية على حدودها المشتركة لقطع الطريق على مخطط الربط الكردي الانفصالي على خط السليمانية – القامشلي.

تردد القيادات السياسية التركية أنها لن تسمح بتموضع التنظيمات الإرهابية على حدودها عبر الاستفادة من الوضع السياسي المتزعزع في العراق وسوريا. لكن ما يقلق أنقرة هو تمسك البعض بمخطط إعادة رسم الحدود السياسية للمنطقة، بهدف تفتيت دولها وإضعافها وتأسيس دويلات جديدة تسود بينها الصراعات والخلافات والانقسامات، التحرك العسكري الأميركي خلال أيام باتجاه سواحل شرقي المتوسط لحماية إسرائيل من مفاجآت عسكرية محتملة، لا يمكن فصله عن أسباب تمسك أنقرة بالتمديد لعمل قواتها في سوريا والعراق، والانعطافة التي قادت إلى توسيع رقعة انتشارها الإقليمي والبحث عن فرص إضافية لتمددها العسكري وإنشاء قواعد عسكرية خارج حدودها.