icon
التغطية الحية

عشرة اختراعات قديمة مازلنا نستخدمها حتى اليوم

2022.12.07 | 14:02 دمشق

خرائط قديمة
خرائط قديمة
World Atlas - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

سواء أكان المنبه على هاتفك أم نظام تحديد المواقع في سيارتك، هنالك الكثير من الأجهزة التي تساعدنا على أن نعيش حياتنا بشكل مريح، إذ بعدما تحولت إلى جزء من حياتنا اليومية، أصبحت بعض الاختراعات التقنية المتقدمة تبدو نتاجاً للتطورات التي شهدها عصرنا هذا، بيد أن الغريب في الأمر هو أن الحقيقة ليست كذلك، وذلك لأن أغلب الأجهزة والتقنيات التي نستخدمها اليوم تعود أصولها لآلاف السنين، أما الفضل لظهورها فيرجع إلى الحضارات القديمة العبقرية. لذلك، سنبحث في هذه المقالة في تلك الابتكارات القديمة التي مانزال نستخدمها حتى اليوم.

الإسمنت

A construction worker pouring a wet concret at road construction site

 

اللبنة الأساسية لمعظم الأبنية الموجودة في المدن اليوم، فقد أصبح الإسمنت مادة أساسية للبنى التحتية التي نستخدمها، سواء أكان ذلك لتشكيل أساس لناطحات سحاب أم لفتح طريق، يستخدم الإسمنت في مختلف بقاع العالم لتشييد أبنية متينة وراسخة، ومن المتعارف عليه أن هذا الابتكار العظيم الذي يدخل في تخطيط المدن موجود منذ قرون طويلة، ولكن إن تعقبنا بداياته فسنجد بأنها تعود لعام 6500  قبل الميلاد، إذ تشير الآثار في منطقة سوريا والأردن إلى وجود أرضيات إسمنتية في هياكل البيوت بل هنالك صهاريج تحت الأرض مصنوعة من تلك المادة. ويقال إنه في عام 600 قبل الميلاد، صار الرومان يستخدمون تلك المادة على نطاق واسع، حيث كان الإسمنت يصنع عبر خلط الرماد البركاني مع الجير المخفف وماء البحر، حتى يتشكل معجون يعرف باسم بوزولانا ويستخدم لملء التجاويف في الأشكال الخشبية بهدف تكوين هيكل يشبه الهياكل المبنية من الطوب. وقد استخدم الرومان الطوب في أبنيتهم كثيراً والآثار التي نراها اليوم خير شاهد على ذلك.

والغريب في الأمر أن مادة الإسمنت، بخلاف بقية الأمور الموجودة ضمن هذه القائمة، قد قطعت رحلة طويلة مع التقانة بعد تراجع استخدام تلك المادة عقب انهيار الإمبراطورية الرومانية. ويعود السبب في ذلك إلى أنه حتى القرن الثامن عشر، نسي العالم التقانة التي تعمل على تطوير وإنتاج مادة الإسمنت على ما يبدو. ولذلك لم يعد الإسمنت لسابق مجده إلا بعد اختراع مادة الإسمنت الحديثة.

الورق

News - Folded newspapers in front of black wall

 

بما أن المعرفة تتجاوز حدود الزمن، لذا فإن نقل المعرفة يعتبر من أهم الأمور. وقد سأل أحدهم قديماً: كيف يمكننا أن ننقل معارفنا عبر الأجيال؟ طوال قرون خلت، سمح اختراع الورق قديماً للقصص والأخبار والكتب والكثير من الأعمال المكتوبة بأن توثق وتحفظ حتى تطلع عليها الأجيال القادمة، وهذه المادة الرقيقة كانت تنتج في أغلب الأحيان من ألياف طبيعية، حيث اخترع الورق قبل أكثر من ألفي سنة أي تقريباً في عام 100 للميلاد، على يد أحد الأعيان من البلاط الإمبراطوري في الصين، واسمه تساي لون.

Cotton paper handmade ancient technique

أوراق القطن المصنوعة يدوياً حسب الطريقة القديمة

على الرغم من أن آثار الورق تعود لزمن أبعد، إلا أن الفضل يعود لتساي لون الذي اخترع من جديد العملية التي سمحت بظهور الورق وانتشاره بسرعة. إذ عبر إدخال عدد من المواد على تلك العملية، مثل نشارة الخشب، والخرق البالية، وغيرها، أصبحت تلك الأوراق هي القاعدة بالنسبة للطبقة الملكية وطبقة النبلاء في الصين، ثم انتشرت تلك الأوراق بالتدريج في مختلف بقاع العالم. إذ حتى اليوم، يعتمد الورق الذي نستخدمه على العملية الأساسية نفسها التي استخدمت قبل 2200 عام، ما يعكس خلودها وصلاحيتها لكل زمان ومكان.

البوصلة

Antique pirate compass

قبل بضعة قرون، كان التحقق من البوصلة لمعرفة ما إذا كان المرء قد توجه شمالاً أم جنوباً، شرقاً أم غرباً، هو السبيل الوحيد ليكتشف المرء طريقه عبر المسافات الطويلة. وحتى اليوم، مايزال الكثير من عشاق السفر والترحال والبراري يحملون بوصلاتهم ليكتشفوا طريقهم بطريقة موثوقة في مختلف أنحاء العالم. ولكن هل كنت تعرف بأن البوصلة لم تكن تستخدم في البداية لتحديد الاتجاهات؟

اخترعت البوصلة خلال الفترة الواقعة ما بين القرن الثاني قبل الميلاد والأول للميلاد، وكانت تستخدم في البداية لمعرفة الطالع، وللعثور على الأحجار الكريمة، ولأغراض الكهانة والعرافة وذلك خلال فترة حكم سلالة هان.

وبعد مرور بضع سنين أدرك الناس أن بوسعهم استخدام البوصلة كأداة لتحديد الاتجاهات، إلا أن الغريب في الأمر هو أن المسألة استغرقت وقتاً طويلاً حتى اقتنع بها الناس، كما أن عملية تحديد الاتجاهات لم تكن سهلة مع البوصلة القديمة المصنوعة من حجر مغناطيس وحيد مثبت على حبل، ولهذا بعدما اخترعت البوصلة في عام 200 قبل الميلاد تقريباً، شهد القرن الحادي عشر انتشاراً مؤكداً وواسعاً للتطبيقات العسكرية الصينية التي تعتمد على البوصلة في تحديد الاتجاهات.

الخريطة

Drawing a map using a beam compass

وبالحديث عن البوصلة، ما هو الشيء الذي يصاحبها والذي كان يستخدم من قبل كل رحالة وقبطان وعسكري خلال الألفية الماضية؟ إنها الخريطة! ظهر علم رسم الخرائط القائم على إعداد الخرائط واستخدامها منذ أمد بعيد، بل إن ظهوره سبق ظهور البوصلة. وتعود أصول هذا العلم لمدينة بابل القديمة التي صنعت فيها أول خريطة للعالم في عام 610 قبل الميلاد، على يد الفيلسوف الإغريقي أنيكسيماندر، حيث اعتبر ظهور الخارطة حدثاً رائداً في تاريخ العالم، وتظهر تلك الخريطة التي ظهرت على شكل لوح نهر النيل الذي يجري نحو مصبه في الجنوب وبحر قزوين الذي يغطي القسم الشرقي إلى جانب الكثير من الأمور العجيبة فيما اعتبر خطوة كبيرة في ذلك الزمان. وبما أن معظم تلك الأمور تبين أنها غير صحيحة لاحقاً، إلا أن هذه الخريطة هي من عبد الطريق أمام عملية رسم خريطة تشمل العالم بكامله.

أقراص النعنع

Breath mints box

لا أحد يود أن يتحدث إلى شخص تصدر منه رائحة فم كريهة، إذ قد يفضل البعض ألا يتحدث إلى هؤلاء الأشخاص بتاتاً، وهذا ما أحس به المصريون القدماء في مجتمعهم، ولهذا صنفوا رائحة الفم الكريهة بين المحرمات، وحتى يحلوا تلك المشكلة، اخترعوا أقراص النعنع التي تعطر الأنفاس في الفترة التي سبقت ظهور المسيح، حيث كانت تلك الأقراص تصنع يدوياً عبر مزج أوراق المر بالقرفة والعسل واللبان ثم غليها سوية، لتتحول إلى حبات من النعنع التي كانت تفعل فعلها بسرعة وتخلص المصريين من أي مشكلة تتصل بروائح الأنفاس غير المستحبة.

الناعورة

Roman water mill in Hama, Syria

هي اختراع ميكانيكي عظيم تعود أصوله للقرن الرابع قبل الميلاد، وثمة آثار تشير إلى ظهور الناعورة قبل ذلك بزمن طويل، إذ تعود إحدى الشواهد على ذلك للعالم الإغريقي فيلون البيزنطي الذي وصف النواعير في كتابه علم ميكانيكا الهواء الذي ظهر في عام 250 قبل الميلاد. وثمة من يقول بأن ظهور الناعورة مرتبط باسم المهندس الروماني فيتروفيوس الذي قدم وصفاً تقنياً كاملاً لتلك الآلة الميكانيكية.

والنواعير الرومانية التي تعتمد على التصميم الأساسي للنواعير كانت تستخدم لمعالجة الحبوب، حيث كانت تقوم على ناعورة تعتمد على الدفع من الأسفل مربوطة بعدة تروس تعمل على استكمال تلك الحركة، وهكذا تبقى الجوانب الميكانيكية بكاملها مخفية تحت طاحونة الحبوب وذلك حتى يتم إنجاز العملية بصورة سهلة. ومع مرور الوقت، تطورت النواعير كثيراً، وأصبحت تعتمد اليوم على تصاميم أعلى كفاءة وجودة وديمومة.

المنبه

hand adjusting or changing the time on clock.

كثيرون يستخدمونه يومياً، بحيث أصبح من الأمور الأساسية في حياتهم، إذ سواء أكنت تستخدم المنبه لإيقاظك في الصباح أم ليذكرك بموعد مهم، فإنه وفر عليك الوقوع في مشكلات كثيرة على مدار السنين، وهذا ما حدث للكثير من الناس قبل أكثر من ألفي سنة، إذ اخترع أول منبه في بلاد الإغريق القديمة على يد الفيلسوف الإغريقي أفلاطون في عام 400 قبل الميلاد.

يقال بأن أول منبه ما كان إلا نسخة ترويجية من اختراع الساعة أو القيثارة المائية التي تدل على موعد الاجتماعات والمحاضرات، ويعود الفضل في ذلك الاختراع للمهندس الهيلينستي كتـيـســـبـيـوس في عام 250 قبل الميلاد، إذ سبق منبهه عصره بوجود قرص ومؤشر يدل على الزمن مربوط إلى نظام يعمل إلى إسقاط حبة حصى صغيرة فوق ناقوس في أوقات معينة بهدف إصدار تنبيه. وإضافة لذلك، كان بوسع المرء أن يحدد وقت التنبيه الذي يريده، وبعد مرور ألفي عام أو يزيدون، وعلى الرغم من صغر حجمه وزيادة فعاليته، ما تزال فكرة المنبه الأساسية على حالها حتى اليوم.

أنابيب الصرف الصحي

Close up of hand repairing pipes with wrench

ما هو أسوأ من محاولة شطف المرحاض وسماع ذلك الصوت المريع الذي يدل على أن الماء لا يتدفق؟ تخيل عدم وجود منظومة أنابيب مغطاة بالأصل! هذا بالفعل ما حاول المصريون القدماء معالجته عبر اختراع أول منظومة معروفة لأنابيب الصرف الصحي في عام 2000 قبل الميلاد، وذلك لأنهم كانوا يهتمون كثيراً بالنظافة، وهذا ما دفعهم لاختراع منظومات صرف صحي معقدة تحت الأرض ربطوها بالمراحيض والقبور في ذلك الزمان.

وهذا ما أدى لظهور تطورات كثيرة مثل حوض الاستحمام والمراحيض التي تجري فيها المياه بغرض التنظيف والكثير غيرها. صنع المصريون تلك النظم التي تدور حول نهر النيل من أنابيب مصنوعة من الفخار أو النحاس، بحيث تنقل مياه المجاري إلى نهر النيل بما يساعد على بقاء المدن نظيفة، وهذا بالمجمل ليس ببعيد عن نمط أنظمة الصرف الصحي التي نستخدمها اليوم.

التدفئة المركزية

central heating unit

أتحب أن تنعم بالدفء في بيتك مهما كان وضع الطقس في الخارج؟ إذن، صار من واجبك أن تشكر الإغريق القدماء على نظام التدفئة المركزية الرائع الذي يبقي بيتك دافئاً، لأن هؤلاء المهندسين والمخترعين البارعين قد طوروا نظام تدفئة مركزية في معبد إفسوس قبل الميلاد، حيث استعانت تلك المنظومة بقنوات متصلة بنيران يتم إشعالها تحت الأرض لتوجه الهواء الحار نحو المعبد فتبقيه دافئاً مهما كان وضع الطقس في الخارج.

بعد مرور قرون على ذلك، اشتهر الرومان أيضاً باستخدام المزيد من نظم التدفئة الأوسع التي باتت تعرف باسم الهيبوكوست والتي يتم تشغيلها بواسطة أفران تحت الأرض. ولكن، وبصرف النظر عن ذلك، تشير المواقع الأثرية إلى وجود هياكل مشابهة للتدفئة في كوريا (تعود لعام 5000 قبل الميلاد) ولهذا لا يمكننا أن نحدد بالضبط من كان أول من اخترع نظام التدفئة المركزية، ولكن بصرف النظر عمن هو، فإنه أصبح بوسعنا على الأقل أن نستمتع بالدفء داخل البيوت.

حوض المياه الساخنة

Wooden outdoor hot tub

قليلة هي الأمور التي تتفوق على الاسترخاء داخل حوض استحمام مياهه دافئة في يوم شتوي بارد، إلا أن تلك الاختراعات الممتعة التي تبعث على الاسترخاء قد ظهرت قبل وقت أبعد مما تتخيل. إذ كما اخترع المصريون القدماء أقراص النعنع ليعالجوا مشكلة رائحة الفم الكريهة، كذلك اخترعوا حوض المياه الساخنة للحفاظ على النظافة بما أنهم كانوا يستحمون عدة مرات باليوم الواحد، وتعود أوائل تلك الأحواض إلى نحو 2000 قبل الميلاد، حيث كانت تضاف ليها زيوت وأزهار لتعبق بروائح عطرية لها مفعول علاجي، فيما يشبه بالضبط ما نفعله في يومنا هذا.

بعد مرور 500 عام تقريباً على ذلك، خرج الإغريق القدماء بأرقام تاريخية أشد تعقيداً تظهر كيف طوروا برك سباحة حول الينابيع البركانية لينعموا بمياه دافئة بلا حدود وغنية بالمواد المعدنية، حيث كانوا يستخدمون تلك الأحواض للتسلية وللنظافة الشخصية، وهكذا تعاقب الرومان واليابانيون وكثر غيرهم على استخدام تلك الأحواض حتى تطورت وأصبحت تشتمل على كل المميزات التي نجدها اليوم.

 

بوجود الكثير من الأجهزة والتقنيات العصرية التي تعود أصولها لسالف الزمان، بات من المدهش أن نبحث بكيفية تطورها عبر المجتمعات، إذ ينسب الفضل للمصريين والرومان والإغريق على وجه الخصوص في أفكارهم المبتكرة وعقولهم المبدعة عندما يتصل الأمر بالأنشطة الهندسية التي يجب أن نشكرهم عليها كونهم توصلوا من خلالها إلى اختراع الكثير من الأشياء التي مازلنا نستخدمها حتى اليوم. لذا، عندما تتناول قرص نعنع في المرة المقبلة أو تقوم بتشغيل التدفئة المركزية في بيتك، لابد لك أن تتذكر هؤلاء الرواد الذين طوروا تلك التقنيات وأهدوها للبشرية.

المصدر: World Atlas