عدمية التطبيع مع نظام الأسد

2022.08.15 | 06:45 دمشق

عدمية التطبيع مع نظام الأسد
+A
حجم الخط
-A

صدمت تصريحات وزير الخارجية التركي حول المصالحة مع نظام الأسد، كثيراً من السوريين الذين فوجئوا بتوقيت وبطريقة صياغة العبارات التي أطلقها الوزير في محض إعادة العلاقات مع نظام الأسد، فالموقف التركي وعلى مدى عقد من الزمان كان أصلب موقف إقليمي ودولي في دعم الثورة السورية ضد بشار الأسد وأصبحت تركيا مقرا للمعارضة السورية السياسية منها والعسكرية وبالتالي انقلاب الموقف التركي يعني انقلابا كاملا على المعارضة السورية التي كان لديها آمال وتوقعات عريضة من تركيا، فمثل هذا الموقف يشعرها بالخذلان وبالتخلي الذي اعتادت المعارضة السورية عليه من بعض الدول الغربية ودول الخليج العربي، لكنها كانت تستقوي دوما بالموقف التركي الذي كان رافعة للمعارضة السورية على مدى طويل ومنذ بدء الثورة السورية عام 2011.

يعتقد البعض ومنهم وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أن تركيا تعرضت لضغوط كبيرة من الرئيس الروسي بوتين وخاصة عندما زار الرئيس التركي أردوغان سوتشي واجتمع مع الرئيس الروسي بوتين هناك، حيث تعرض لضغوط قوية من بوتين من أجل إعادة المصالحة مع نظام الأسد وإعطاء روسيا لتركيا خيارا وحيدا إذا ما قررت التخلص من قسد على حدودها وهو التعاون مع الأسد بغية التخلص من قوات سوريا الديمقراطية أو النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني PKK.

ما النتائج التي يمكن أن تحصل عليها بالتطبيع مع نظام الأسد؟ فقد سبقتها عدد من الدول العربية وعلى رأسها الإمارات وكانت الحصيلة دوما صفرا

إلى الآن لم يصدر تعليق من الرئيس التركي على تصريحات وزير خارجيته، قد يعتقد كثيرون أن هذا الملف يشكل أولوية قصوى وحصرية للرئيس أردوغان على حساب وزراء حكومته، لكن بنفس الوقت يدركون أن وزير الخارجية جاويش أوغلو لن يقوم بهذه التصريحات بدون مراجعة رئيسه والموافقة عليها من قبله خاصة والكل يعرف حساسية هذا الملف داخل تركيا وخارجها.

المهم في النهاية أن موقفا تركيا جذريا بدأ بالتخلق فيما يتعلق بإعادة العلاقات مع نظام الأسد، لكن ما النتائج التي يمكن أن تحصل عليها بالتطبيع مع نظام الأسد؟ فقد سبقتها عدد من الدول العربية وعلى رأسها الإمارات وكانت الحصيلة دوما صفرا.

فقد فتحت الإمارات سفارتها في دمشق في نهاية 2018، وقامت الأردن بإعادة سفيرها إلى دمشق. وفي أكتوبر الماضي وعقب زيارة قام بها العاهل الأردني الملك عبد الله إلى واشنطن أجرى الملك اتصالا هاتفيا ببشار الأسد وهو الأول من نوعه منذ نحو عشر سنوات.

وبعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق دعا وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وقام هو بنفسه بزيارة دمشق ولقاء الأسد. وقال إن بلاده التي ستستضيف الاجتماع المقبل للجامعة، ترحب بعودة الأسد لمقعد الجامعة.

تسعى الدول العربية هذه إلى إعادة الأسد بالرغم من غياب أي نقاش حول تطبيق القرارات الدولية وفشل حكومة الأسد في الالتزام بأي من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالانتقال السياسي في سوريا وعدم طرح فكرة المساءلة والمحاسبة وبحث نظامٍ قتلَ حرفيا مئات الألوف من السوريين عبر البراميل المتفجرة والغازات الكيماوية والقصف العشوائي والتعذيب والحصار والجوع وغيرها من وسائل الإبادة الجماعية التي استخدمها الأسد بحق السوريين.

ورغم أن الحجة التي يرددها بعضهم بأن إعادة الأسد إلى الحضن العربي يبعده عن إيران يدرك الجميع أن ذلك مستحيل عمليا وسياسيا حيث تسيطر الميليشيات الإيرانية على كثير من المواقع العسكرية وتحتكر كثيرا من القطاعات الاقتصادية والخدمية.

كما أن الأسد يختار إيران في أية مفاضلة لا سيما أنها دعمته في أسوأ ظروف النظام في حين وقفت الدول العربية ضد الأسد وطردته من الجامعة.

وهذا ما ينقلنا إلى الموقف الأميركي السلبي في إعادة تأهيل الأسد، فقد استطاعت الولايات المتحدة وعبر قانون قيصر منع إعادة إعمار ما دمره الأسد في سوريا، أي أن هذا القانون منع إعطاء الأسد عوائد جرائم الحرب التي ارتكبها ضد شعبه.

لكن يبدو أن سلبية إدارة بايدن في التعامل مع الملف السوري والتعامل معه فقط من زاوية المساعدات الإنسانية شجع هذه الدول العربية على التطبيع مع نظام الأسد، رغم أن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، قد أوضح أن سياسة واشنطن في سوريا تهدف إلى مواصلة المساعدات الإنسانية، والتصدي لتنظيم (داعش) وإبقاء الضغوط على نظام الأسد ودعم اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية.

وأضاف "ما لم نفعله، وما لا نعتزم فعله، هو إظهار أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات أو إعادة الاعتبار للأسد، أو إلغاء أي عقوبة ضد سوريا أو تغيير موقفنا من معارضة إعادة البناء في سوريا، إلا في حال حدوث تقدم غير قابل للإلغاء باتجاه الحل السياسي".

لكن إدارة بايدن قررت عدم تنشيط دبلوماسيتها لمنع هذا التطبيع بين بعض الدول العربية ونظام الأسد، كما فعلت إدارة ترامب في السابق حيث أرسلت مبعوثيها إلى المنطقة محذرة إياهم من خطر العقوبات في حال اتخاذ أية خطوات تقارب مع نظام الأسد. وقد استغلت بعض الدول رغبة واشنطن في مساعدة الدول العربية المتضررة من الأزمة السورية مثل الأردن ولبنان للإعلان عن بعض خطوات التطبيع مع الأسد وأعلنت إدارة بايدن أنها لن تستخدم العقوبات المفروضة على التعامل الاقتصادي مع سوريا وفقا "لقانون قيصر" لمعاقبة مصر والأردن في سعيهما لإيصال إمدادات الطاقة من مصر عبر سوريا إلى لبنان.

يجب على إدارة بايدن إفشال محاولات التطبيع مع نظام الأسد كما أفشلت محاولات روسيا والصين في إعادة إعمار سوريا على حساب الشعب السوري، عبر منع نظام الأسد من تأمين الأموال اللازمة لمشاريع إعادة الإعمار التي ستكون مشمولة بقانون قيصر.

لا بد من التذكير دوما أنّ سد باب العدالة الانتقالية في المجتمع سيفتح الباب المقابل له وهو سياسة الانتقام الفردي بل والانتقامات الجماعية

إنّ حجم الجرائم التي حصلت في سوريا تحتم القول أنّه لا يمكن تحقيق السلام من دون العدالة لذلك فإنّ منظومة العدالة الانتقالية هي أداة رئيسية ولا غنى عنها لشق الطريق نحو المصالحة. وببساطة لا بد من التذكير دوما أنّ سد باب العدالة الانتقالية في المجتمع سيفتح الباب المقابل له وهو سياسة الانتقام الفردي بل والانتقامات الجماعية والتي أضحت أحد سمات الحرب في سوريا اليوم بسبب غياب آليات تطبيق العدالة بين السوريين. 

فالعمل بمبدأ العدالة الانتقالية خلال الفترة الانتقالية من خلال عملية محاسبة رؤوس النظام الملطخة أيديهم بالدماء وأيضا عملية بناء وتقوية مؤسسات الدولة المختلفة وكذلك القيام بالتعويضات الضرورية كل ذلك ضروري من أجل تحقيق السلام المستدام.