icon
التغطية الحية

عبد الرحيم عطون.. مهندس تحولات "تحرير الشام" يخلع ثوب الجهاد وينظر لمرحلة جديدة

2021.09.19 | 06:14 دمشق

242008816_394540725394907_5652444092573646119_n.jpg
الشرعي العام في هيئة تحرير الشام الشيخ عبد الرحيم عطون (صفحة حكومة الإنقاذ على فيسبوك)
حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

نظمت مديرية الثقافة التابعة لحكومة الإنقاذ في إدلب منتصف شهر أيلول الجاري ندوة فكرية بعنوان "الجهاد والمقاومة في العالم الإسلامي-طالبان نموذجاً" للشرعي العام في هيئة تحرير الشام الشيخ عبد الرحيم عطون، وحضر الندوة رئيس "الإنقاذ" علي كده ورئيس جامعة إدلب المكلف بتسيير أعمال وزارة التعليم العالي أحمد أبو حجر وعدد من مسؤولي "الإنقاذ" وطيف واسع من عناصر هيئة تحرير الشام وقادتها والمقربين منهم.

كان ظهور الشيخ عطون في هذا التوقيت متوقعاً بعد وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، والذي أثار جدلاً واسعاً بين عموم الجهاديين في إدلب بما فيهم عناصر وقادة تحرير الشام الذين بالغوا بالاحتفاء بإنجازات الحركة باعتبارها نموذجاً ملهماً.

وهنا بدا عطون مستثمراً جيداً للحدث من ناحية شرح نقاط الاختلاف والتطابق مع طالبان أفغانستان، والترويج لخصوصية التموضع الجغرافي لتحرير الشام باعتبارها نموذجاً أيضاً، ويبدو أنه رسم في ندوته ملامح مرحلة جديدة من تحولات تحرير الشام البراغماتية التي كان مهندسها منذ بدأت قبل ثلاثة أعوام تقريباً.

 

نائب الزعيم يخلع زيه الجهادي

ظهر الشيخ عطون في الندوة الفكرية التي رعتها الإنقاذ بزي جديد بعد أن خلع زيه التقليدي الذي اعتاد الظهور به خلال السنوات الماضية، استبدل الشيخ عطون ثوبه العربي والذي غالباً ما كان بألوان داكنة ببنطال وقميص فاتح، وبدا حاسر الرأس من دون الغطاء التقليدي الذي كان يضعه، وكان شعر لحيته أقل كثافة ومهذباً.

زي الشيخ عطون الجديد كان أول استثمار مفترض للحدث الذي جاء ليحاضر فيه، ويبدو أنه يريد من خلال الزي التأكيد على خصوصية النموذج المزعوم لتحرير الشام مقارنة بطالبان، والإشارة في الوقت ذاته إلى بداية مرحلة جديدة من التحولات، والتي من المفترض أن تهتم بشكل أكبر بتفاصيل المجتمع المحلي على اعتبار أن تحرير الشام "النموذج، وحركة مقاومة محلية، وهي ابنة بيئتها وطموحاتها هي طموحات مجموعة من الناس" في منطقة جغرافية محدودة من هذا العالم.

وفي الغالب سيكون تغيير عطون لزيه بداية لمرحلة يمنع فيها أي مظهر جهادي بين عناصر وقادة تحرير الشام.

الجهاديون المناهضون لتحرير الشام وجهوا لعطون انتقادات لاذعة بسبب ظهوره بالزي الجديد، وقال أبو عبد الله الشامي زعيم جبهة أنصار الدين في تلغرام: "التمسح بالتجارب الناجحة لا يصنع نجاحاً ولا يحقق نصراً، والفرق واضح بين المعتبر المستفيد وبين المتمسح المحروم من الاستفادة والغارق في ظلمات منهج التبرير والتلون".

وقال آخرون "عطون كالحية التي تستبدل جلدها بحسب الظروف، ولكن هؤلاء يستبدلون دينهم بحسب مراحل التكسب الدنيوي".

وأوضح الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم لموقع تلفزيون سوريا أن "عطون لم يكن فقط شرعياً عاماً لتحرير الشام إنما كان مهندساً فعلياً لمجموعة التحولات البراغماتية التي انتهجتها منذ سنوات، والمفتي العام لدى التنظيم الذي قضى على العديد من الفصائل اعتماداً على فتاوى عطون الذي يحاول اليوم الاستثمار في الحدث الطالباني ليروج لتنظيمه باعتباره نموذجاً له مميزاته وهويته وواقعه الجيوسياسي الخاص".

وأضاف سالم: "وعلى هذا الأساس يحاول عطون شرح رؤية تحرير الشام للمرحلة القادمة، وبدا عطون حريصاً في تناول أدق تفاصيل المرحلة المفترضة، بما في ذلك العمل على مشابهة المجتمع المحلي بزيه التقليدي، وإن تم هذا سيكون بمنزلة الانفصال الكلي عن شكل ومضمون الجهادية التي نشأت وترعرعت في كنفها تحرير الشام".

يحمّل المنشقون عن تحرير الشام الشيخ عطون مسؤولية معظم التحولات التي طرأت على التنظيم وتوجهه الجهادي، وكان آخر أعماله إيقاف عمل مركز فلاح الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهو النسخة المعدلة لجهاز الحسبة الذي تشتهر به عموم التنظيمات الجهادية.

وفي هذا السياق يقول أبو حمزة الكردي في تلغرام: "عندما كان يعترض أحد الإخوة الدعويين على انتشار المعاصي والتبرج بالطرقات أو يذكر حادثة حصلت معه أو مع أحد المجاهدين ضمن قطاعه، فكان يأتيه الرد من عطون بأسلوب لوم وسخرية وتأنيب للأخ المتكلم مع ضحكة صفراء مملوءة بالخبث، والجواب من عطون يكون على عدة نغمات حفظناها، وأنت ليه عم تطلع على البنت إلي عاملة حواجبها أو إلي تدخن أركيلة بالشارع، هناك أولويات أهم من ذلك".

ويضيف الكردي: "من بين ردود عطون أيضا، نحن ما لنا علاقة بالناس ما بدنا نكرهن بالدين والجهاد مو شغلتنا نحتسب عليهم، في أخوة قائمين بالموضوع وهي شغلتهم ما بدنا نصير متل الدواعش كل مين هب ودب شال سلاح بدو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فنخسر الحاضنة الشعبية".

الهيئة وثالوث المقاومة

تمحورت محاضرة الشيخ عطون حول المقارنة بين حركات المقاومة الإسلامية المحلية، والتي حددها بثلاث حركات، هي حركة طالبان أفغانستان وحركة حماس الفلسطينية، واعتبر جماعته تحرير الشام الضلع الثالث في ثالوث المقاومة، وهو أول تصريح علني وواضح يحدد البعد الجغرافي للتنظيم، وشملت المقارنة بين التنظيمات الثلاثة في النواحي الجغرافية والعسكرية والجيوسياسية والبنى الاجتماعية المحلية ومدى الاستحواذ على التمثيلين السياسي والعسكري لدى كل تنظيم.

وتناول عطون بشكل واسع نموذج تحرير الشام المزعوم، وذراعه المدنية ممثلة بحكومة الإنقاذ، باعتبارها من أنجح التجارب المناهضة لنظام الأسد والتي تعتمد على نظرية الهدم والبناء وفق عطون، أي المقاومة على المدى الطويل للسلطة، وفي الوقت ذاته العمل على بناء هيكل إداري للدولة القادمة.

واعترف عطون بتشتت التمثيلين العسكري والسياسي للمعارضة السورية، وبأن الإنقاذ لا تمثل سوى شريحة صغيرة من المجتمع السوري المعارض، وركز على انتقال الثورة من حالتها الأولى وفيها كان توسع السيطرة على الساحة السورية في تصاعد، إلى حالة المقاومة التي أتت بعد العام 2015، أي بعد تدخل روسيا بشكل علني إلى جانب نظام الأسد، وبالتالي باتت "مقاومة الاحتلال" العنوان البارز بحسب ما جاي في كلام عطون.

استرسل عطون كثيراً في التاريخ السوري في الفترة ما بعد العام 1950، وتحدث عن أهم المحطات التي عاشتها سوريا خلال هذه الفترة، وركز على ما سماها ثورة الثمانين، التي خاضها الإخوان المسلمون ضد نظام الأسد، ويلمح حديث عطون عن تلك الفترة إلى التقارب الحالي بين تحرير الشام والتيارات الإسلامية التقليدية المعارضة لنظام الأسد، وفي الوقت ذاته الابتعاد أكثر عن التيارات الجهادية العالمية. وهو تحول يمكن رصده بوضوح في الوقت الحالي.

باحثون سوريون: تحرير الشام ليست طالبان

ويرى الباحث في مركز جسور للدراسات محمد السكري أن "تحرير الشام تأمل في أن تتعامل الولايات المتحدة الأميركية معها بذات الطريقة التي تعاملت فيها مع طالبان أفغانستان، وذلك من خلال الإشادة بالدور الذي قامت به الحركة".

وتابع الباحث حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "أعتقد أن هذه الرغبات تندرج ضمن إطار الآمال ليس إلا، فتجربة تحرير الشام تعتبر قاصرة للغاية بالمقارنة مع تجربة طالبان التي تمتد لعقود، والنموذج السوري مختلف عن الأفغاني وله حسابات مختلفة بالنسبة للإدارة الأميركية، ويبدو أن عطون خرج ليفصل في نقاط الاختلاف والتطابق والترويج لنموذج جماعته الذي يزعم ظهوره مؤخراً".

وأضاف السكري: "طالبان قبل أن تتوصل لحل شامل مرت بمنعطفات سابقة في إطار علاقتها مع الولايات المتحدة من خلال دعم واشنطن لها عسكرياً ومالياً وسياسياً ضد روسيا على سبيل المثال، كما أن نشأة تحرير الشام مختلفة جذرياً عن طالبان.. لم تنشأ طالبان كحركة جهادية تسعى لدولة إسلامية إقليمية، بل كانت حركة مقاومة محلية، لذا تدرك تحرير الشام ما هو مطلوب منها لكي تصل إلى مستوى تجربة طالبان، وربما باتت مقتنعة أنه يجب عليها مواصلة تحولاتها وصولاً إلى حالة الطلاق الكامل مع الجهادية شكلاً ومضموناً، والعمل على إبراز نموذجها الخاص على أمل أن تحوز على قبول دولي ومحلي".

وأشار السكري إلى أنه "يبدو من خلال خطاب عبد الرحيم عطوان أنّ هناك خلطا في المصطلحات الجهادية والوطنية رغم التمويه بالانفتاح على النماذج الأخرى، فشكوك الولايات المتحدة الأميركية بارتباطات تحرير الشام المستمرة بالقاعدة قائمة وما زالت تشكل هاجس لها، في حين تعمل تحرير الشام من خلال اعتماد بعض المظاهر المدنية البروتوكولية على تصدير نفسها كنموذج قابل للتفاوض والتعامل معه، ولكنه يبقى غير كاف ومقنع في الآونة الحالية".

الباحث في مركز الحوار السوري أحمد قربي يرى أن "هناك فارقا كبيرا بين نموذج طالبان أفغانستان والنموذج المزعوم لتحرير الشام، ليس فقط من الناحية التنظيمية والأيديولوجية وغيرها من الفروقات في النواحي السياسية والعسكرية والجغرافية، بل في الأداء السلطوي، فتحرير الشام متهمة بالفساد والتسلط والاستبداد والتغلب والتضييق على الناس في مناطق سيطرتها، وليس لديها شعبية في الأوساط التي تحكمها كما تزعم، وفي حال ضعفت أو اختفت قبضتها الأمنية سيكون أمر زوالها حتميا، لذلك قد نشهد بالفعل تحولات شكلية بشر بها عطون من خلال ظهوره بزي مختلف، ومشابه للزي التقليدي الشعبي، هدفها كما يبدو في المقام الأول خلق حاضنة شعبية حقيقية، وفي الغالب لن تنجح".

عطون نائب الزعيم

في أيلول من العام 2020 دعا عطون، الملقب بأبو عبد الله الشامي، إلى تطبيع العلاقات مع الدول الغربية، وتحدث عطون في لقائه مع صحيفة “LETEMPS” السويسرية الناطقة بالفرنسية عن ضرورة تطبيع العلاقات بين السوريين في مناطق سيطرة جماعته في إدلب والدول الأجنبية.

وقال للصحيفة: "نحن نحاول حالياً تنظيف صورتنا، والهدف ليس تجميل الواقع إنما عرضه كما هو".

واعتبر أن السكان في إدلب لا يعيشون كما كان يعيش سكان محافظة الرقة شمال شرقي سوريا خلال سيطرة "تنظيم الدولة" عليها، وأكد أن جماعته تريد "الخروج من القائمة السوداء وعندها فقط ستتمكن المنطقة من التعافي".

ويعتبر عطون الذراع الأيمن لزعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني، وهو من قرية طعوم في ريف إدلب، والشرعي العام لتحرير الشام وعضو مجلس الشورى فيها، وهو شقيق محمد خير عطون الملقب بأبو الخير طعوم، أحد أبرز مؤسسي حركة أحرار الشام الإسلامية.

 

photo_2021-09-17_14-57-52.jpg
محمد خير عطون

 

وظهر عطون على يسار الجولاني في الإعلان عن فك الارتباط بتنظيم القاعدة وتأسيس جبهة فتح الشام في العام 2016.

 

عطون 2.jpg
عبد الرحيم عطون على اليمين في بيان فك الارتباط عن القاعدة

 

كما ظهر في التسجيل المرئي الذي نشرته جبهة النصرة سابقا للتعريف ببعض قياداتها بعنوان "ورثة المجد"، وتحدث فيه عن ثورات الربيع العربي.

 

عبدالرحيم عطون 2.jpg
عطون في إصدار "ورثة المجد"

 

وعرف عطون بالمباهلة التي وقعت بينه كممثل للنصرة، وبين أبو محمد العدناني أحد قادة "تنظيم الدولة" البارزين.

وتتهم الفصائل المعارضة السورية عطون باعتباره شرعياً عاماً لتحرير الشام بإصدار الفتاوى التي اعتمدت عليها قيادة التنظيم لمهاجمة الفصائل، وقتل عناصرها، وسرقة سلاحها، ووقوفه خلف إنهاء العديد من الفصائل وتشريد مقاتليها، بينها حركة حزم وجيش المجاهدين وحركة نور الدين الزنكي وغيرها الكثير من التشكيلات التي نشأت في الفترة ما بعد العام 2012 في الشمال السوري.