ضرب "الحيوان" هدفه روسيا

2018.04.14 | 12:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

"خلّف هذا الهجوم الشرير والدنيء الأمهاتِ والآباء والرضع والأطفال [الذين] ينتفضون ألماً ويلهثون محاولين التنفس. ليست هذه تصرفات رجل، بل جرائم وحش. اسأل إيران وروسيا: ما نوع الدول التي تريد أن ترتبط بالقتل الجماعي للرجال والنساء والأطفال الأبرياء؟ يمكن الحكم على دول العالم من خلال الأصدقاء الذين تبقيهم. لا يمكن لأي دولة أن تنجح على المدى الطويل من خلال تشجيع الدول المارقة والطغاة الوحشيين والديكتاتوريين القتلة." (خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فجر 14 نيسان/أبريل 2018)

هكذا بدأ ترامب خطابه الخاص بالضربة العسكرية فجر اليوم، فيما كان النظام قد تخفى أو اختفى، وبالكاد صار يمكن العثور على دليل أن رأس النظام موجود في سوريا مع بدء تغريدات ترامب الغاضبة والساخرة معاً، ومع تزايد الشكوك حول تكرار ترامب لمقايضة أوباما التي انتقدها وسخر منها دوماً، وخلال أسبوع من وقوع مجزرة الكيمياوي في الغوطة كانت أعصاب العالم مشدودة، لكن النظام بالتأكيد عاش أياماً عصيبة، غادرت طائرات سورية إلى إيران حتى لا يطالها القصف، وأخليت المواقع العسكرية الرئيسية التي يتوقع أن تكون هدفاً للقصف، وأفرغ القصر الجمهور ي، وكثير من المقار الأمنية والعسكرية.

المغزى السياسي من الضربة، وهو حرمان روسيا من الاستفراد بالحل السياسي، هيبة بوتين في سوريا مُرِّغت في التراب بالفعل

 وأخيراً وقعت الضربة، 58 صاروخ توماهوك  أصابوا أهدافاً محددة، بينها مركز بحوث ومواقع عسكرية حول دمشق وفي حمص وكانت نتائجها محدودة على مستوى الأضرار العسكرية، أي على مستوى أضعاف ما تبقى من القدرات العسكرية، وكان بالإمكان القيام بعملية أوسع وأكثر تأثيراً، فلماذا إذاً تمت الضربة بهذا الشكل؟ 

بالطبع الهدف الثابت في هذه الضربة هو تحقيق الردع في استخدام الكيماوي، فالضربة استهدفت "قدرات الأسلحة الكيميائية" على حد تعبير الرئيس ترامب، هذا الهدف تحقق بمجرد الضرب، أياً يكن حجم الضربة، مجرد وجود عقاب لا يمكن لأحد أن يحول دونه لا روسيا ولا غيرها يكفي للردع، لكن أهدفاً أخرى لا تقل أهمية أيضاً تحققت.

هذه هي المرة الأولى التي تشترك فيها قوى غربية غير الولايات المتحدة في ضرب النظام منذ آذار /مارس 2011، هذا تطور مهم وهو يعني فتح الطريق أمام انضمام مزيد من القوى الدولية للقيام بعمليات ضد النظام عندما يقتضي الأمر، وقد أعلن حلف شمال الأطلس  (الناتو) دعمه للضربات في سوريا ضد نظام الأسد، كما أبدت دول عربية عدة استعدادها للمشاركة في مثل هذه الضربات إن كانت ستستهدف مواقعاً إيرانية، وسيبقى وجود البوارج البحرية الأمريكية وحلفائها في البحر المتوسط والقواعد العسكرية في الشرق الأوسط مصدر تهديد مستمر للنظام، فرنسا أكدت على الفور أنها مستعدة لضربات أخرى، فباريس صرحت "الضربات الفرنسية في سوريا انتهت، لكن جيشنا مستعد للتحرك إذا طلب منه الأمر". أي أن العصا ستبقى مرفوعة.

ثبَّتت هذه العملية العسكرية أمراً مهماً هو انعدام شرعية نظام الأسد، هذا  التثبيت لا يقل أهمية بالنسبة للسوريين عن استهداف قدرات النظام العسكرية، لأنه في النهاية يريد حصد أي مكاسب عسكرية عبر تحويلها إلى مكاسب سياسية، الرئيس ترمب قال في خطابه حول الضربة العسكرية إنَّ دولة الأسد هي من "الدول المارقة والطغاة الوحشيين والديكتاتوريين القتلة"، وجر النظام إلى مفاوضات جنيف تحت هذا التأكيد هو إنهاء لآمال حسم عسكري يشكل قاعدة الحل السياسي الذي سيكون وقتها على شكل صك استسلام لا أكثر.

الأمر الثالث وهو الأهم هو المغزى السياسي من الضربة، وهو حرمان روسيا من الاستفراد بالحل السياسي، هيبة بوتين في سوريا مُرِّغت في التراب بالفعل، فهو لم يكن قادراً على منع الولايات المتحدة من تنفيذ تهديدها، ولم يكن قادراً على استخدام أسلحته للرد على مصادر النيران، بل لم يجرؤ على استخدام الدفاعات الجوية حتى لا تصبح هدفاً، كما أنه لم تتلق روسيا هذا الكم الهائل من التهديدات وتحميل المسؤولية كما حصل خلال الأيام الفائتة.

الهدف السياسي هو روسيا أساساً، وهو منطقي فكل ما عداها هو تبع لهذا الهدف بما في ذلك إيران،

 "كان عليكم أن لا تكونوا شركاء لحيوان يقتل شعبه بالغاز ويستمتع بذلك" (تغريدة لترامب في 11 نيسان/ أبريل 2018) لأول مرة تشرك روسيا بالمسؤولية في استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، هذه أيضاً سابقة مهمة هدفها وضع روسيا أيضا تحت التهديد، ترامب قال بلغة واضحة: "وعد الرئيس بوتين وحكومته العالم في العام 2013 بأن يضمنوا التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية. ويمثل هجوم الأسد الأخير – والرد اليوم – النتيجة المباشرة لفشل روسيا في الوفاء بهذا الوعد. ينبغي أن تقرر روسيا ما إذا كانت ستستمر في هذا الطريق المظلم أم ستنضم إلى الأمم المتحضرة كقوة للاستقرار والسلام، نأمل أن نتشارك المواقف مع روسيا في يوم من الأيام وربما حتى مع إيران... ولكن ربما لن نتشارك معهما."، وهذا أمر لا يمكن صرفه سياسياً إلا بمنع روسيا من أن تستأثر بالحل السياسي في سوريا، هذه فرصة المعارضة لتستفيد من الضربة وترفض المشاركة في اللجنة الدستورية الروسية المولدة بعملية قيصيرية في سوتشي.

خلف روسيا بالطبع الظل الإيراني الطويل، وهو على الدوام كان هدفاً لجميع الدول المتأذية من الوجود الإيراني، وسيبقى كذلك، وكان يمكن لهذه الضربة الصاروخية أن تستهدف المراكز الإيرانية ومقار ميليشياتها الأساسية ومراكز عملياتها لإضعاف دور إيران في سوريا، لكنها لم تفعل، مما يعني أن الهدف السياسي هو روسيا أساساً، وهو منطقي فكل ما عداها هو تبع لهذا الهدف بما في ذلك إيران، تهديد ترمب بـ"صواريخ جميلة وجديدة وذكية" لم يتجه نحو إيران فهي أضعف من أن ترد، وإنما نحو روسيا إذا فكرت بالرد.

قد يكون من المبكر الحديث عن جميع نتائج الضربة ، لكن من المؤكد أن هذه الضربة أثبتت مرة أخرى أن الولايات المتحدة قادرة على تغيير كل قواعد اللعبة في سوريا في أي لحظة، لكنها غير راغبة في إحداث تغيير حقيقي جذري حتى الآن.

كلمات مفتاحية