icon
التغطية الحية

ضحايا دولة المخدرات الأسدية يطلبون المساعدة من أطباء بريطانيين

2023.05.31 | 19:07 دمشق

ضحايا دولة المخدرات الأسدية يطلبون المساعدة من أطباء بريطانيين
الأسد وتجارة الكبتاغون
The Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

قبل ثلاث سنوات، لاحظ رامز علي، وهو طبيب متخصص بمعالجة الإدمان من برمنغهام، شيئاً غريباً تماماً وهو رسائل كثيرة ترده من مرضى، ومعظمهم من فئة الشباب السعوديين والكويتيين من الطبقة المتوسطة الراقية، يشتكون فيها من الاكتئاب والقلق والأرق.

سافر هؤلاء إلى لندن، أو أرسلهم أهلهم إلى هناك بهدف الدراسة، ولكن لدى جميعهم سر دفين، ألا وهو إدمانهم على الكبتاغون، الذي ينتجه نظام بشار الأسد بكميات كبيرة، ويبيعه لعموم أنحاء الشرق الأوسط ضمن تجارة صارت تدر عليه مليارات الدولارات، لكنها حولت سوريا إلى دولة مخدرات.

الجائحة الخفية

على الرغم من مصادرة كميات هائلة من الحبوب التي خبئت في كل شيء بدءاً من الرمان وصولاً إلى عبوات الحليب، واكتشفت في موانئ مختلفة، بدءاً من صقلية وحتى دبي، وعلى الرغم من الغارات الجوية التي استهدفت مصانع إنتاج الكبتاغون وإطلاق القوات الأردنية النار على المهربين، ماتزال تجارة الكبتاغون تتوسع بشكل مخيف.

Sophia Khalique is collaborating with a drugs specialist to set up a clinic for Captagon addicts

صوفيا خالق تتعاون مع متخصص في مجال المخدرات على تأسيس عيادة لمدمني الكبتاغون

قبل عام 2011، بالكاد كنا نسمع بالكبتاغون على المستوى الدولي، ولكن بعد مرور 12 عاماً على الحرب، أصبحت قيمة هذه التجارة بالممنوعات، والتي تقدر بنحو عشرة مليارات، تفوق قيمة أي صادرات قانونية قادمة من سوريا بأشواط.

تحول الكبتاغون أيضاً إلى ورقة ضغط مهمة بيد الأسد في سعيه لإنهاء حالة العزلة التي فرضت عليه بعد تربعه على عرش الخراب في بلده ومقتل ونزوح الملايين من أبناء شعبه.

في دول الخليج، راج الكبتاغون بين العمال المهاجرين الذين يحاولون أن يبقوا يقظين طوال فترة وردياتهم التي تمتد لعشرين ساعة، إلى جانب رواجه بين فئة أولاد الأثرياء في الحفلات التي يقيمونها بمجمعاتهم السكنية.

وهؤلاء هم الذين يأتون إلى المملكة المتحدة ليشتكوا من الأرق ويطلبون وصفات طبية تشتمل على مهدئات. ما يعني بأن المشكلة صعبة للغاية، وهذا ما دفع علياً المتخصص بمعالجة الإدمان للتعاون مع صوفيا خالق المتخصصة بالطب العام، على إطلاق خدمة جديدة في لندن لمعالجة المرضى المدمنين على الكبتاغون القادمين من الشرق الأوسط.

نظراً لوجود أعداد كبيرة من المرضى الذين يراجعون علياً والذي يقدر بأن هنالك مريض واحد من بين كل ثلاثة مرضى يحالون إليه يعاني من الإدمان على المخدرات، لذا من المرجح أن تكون أعداد المتعاطين في أوطانهم أعلى بكثير من هذه النسبة، ما يعني أن الأمر تحول إلى جائحة خفية على حد تعبيره.

في دول تحرم تناول الكحول مثل السعودية والكويت، أصبح الكبتاغون طريقة رخيصة وسهلة لتحسين المزاج، إذ يتراوح سعر حبوب الكبتاغون ما بين دولار واحد و15 دولاراً، وذلك بحسب المكان الذي تباع فيه.

إلا أن بعض المتعاطين لا يصدقون أنهم يتعاطون المخدرات أصلاً، أو لا يدركون مدى تأثيره المخدر وإدمانهم عليه. كما يعتبر بين أوساط المسلمين المتدينين الذين لا يشربون الكحول ولا يدخنون الحشيش بمنزلة دواء، أو علاج يساعد على تحسين الأداء، وليس مادة مخدرة.

 من عيادة تتمتع بتهوية جيدة، تحدثنا خالق عما يجري فتقول: "لم يرد في القرآن نص يحرم تناول حبوب لتحسين الأداء، وثمة اعتماد جسدي كبير على هذه المخدرات لدرجة أنها تكاد تخرج عن السيطرة".

كانت حبوب الكبتاغون في بداياتها على الأقل تحسن التركيز وتثبط الشهية، وتمنح الطاقة والثقة، ولذلك تعرفت إليها طالبات المدرسة اللواتي يدرسن للامتحانات، وسائقو الشاحنات المنهكون، والأسر التي هدها الجوع في سوريا ولبنان، وطلاب الجامعة الموسرون.

وعنها يحدثنا عامل مهاجر من نيبال عمل في دولة الإمارات ثم عاد إلى بلده بعد مرضه، فيقول: "هذه الأقراص زهيدة الثمن جداً، وتمنح المرء كثيرا من الطاقة، إذ بوسعك عندما تتناولها أن تعمل لوقت طويل دون أن تتعب".

ولكن بعد فترة من الزمن، يمكن أن يتسبب تعاطي هذا المخدر بكثرة بظهور حالات الأرق والقلق وتقلب المزاج بما أن الجسم يبدأ بالمعاناة مع أعراض الانسحاب، فالمرضى حسبما ذكرت خالق وعلي يطلبون المساعدة في أغلب الأحيان، لكنهم لا يرغبون بأن يعلم أهلهم بأمر تعاطيهم للمخدرات.

وعن ذلك يقول علي: "معظمهم ذكور من الطبقة الوسطى ويتمتعون بأداء عال، أما أهلهم فلا يعرفون شيئاً عن مشكلاتهم، وهذا أصعب ما في الأمر، كونهم يتوجهون للعلاج من الأرق أو القلق عند الأطباء أو الصيادلة بمفردهم، وعندما تبحث عن أصل المشكلة، تكتشف بأنهم يتعاطون هذا المخدر، ويخبرونك بأن كثيرين غيرهم يتعاطونه".

أما الدكتورة نيرمين الحوطي، وهي باحثة كويتية أجرت أبحاثاً كثيرة حول هذه المشكلة، فتخبرنا بأن البلاد بحاجة لمزيد من الوعي في التعامل مع حالات الإدمان على الكبتاغون، وتضيف: "لا توجد مشاف على مستوى عال لمعالجة الإدمان، وعندما نتحدث عن دور الأسرة، نكتشف بأن الغالبية ينظرون إلى الإدمان على أنه عيب ومن الخطأ غفرانه لأنه فضيحة ووصمة عار".

نظام الأسد والكبتاغون

كان أول من اخترع الكبتاغون، وهذا هو الاسم التجاري للحبوب التي تصنع من مركب الفينيثيلين الكيماوي الذي ينتمي إلى فئة المنشطات، علماء من ألمانيا الغربية في ستينيات القرن الماضي، وذلك لمعالجة اضطراب ضعف الانتباه، ثم حرمته معظم الدول في عام 1986، بعدما تم تصنيفه كعقار مخدر، فيوقف بذلك إنتاجه.

بعد ذلك يخبرنا محللون وثقوا تجارة الكبتاغون بأن الكميات المخزنة منه قد تم تهريبها خارج مراكز التصنيع في أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط على يد تجار أتراك ومن دول البلقان. وسرعان ما اقتنص حزب الله تلك الفرصة التجارية، فبدأ بالإشراف على عمليات إنتاج وبيع هذه المادة على نطاق ضيق نسبياً، إذ ركز جهوده في وادي البقاع اللبناني.

وهكذا أصبحت تجارة الكبتاغون بحاجة لديكتاتور يائس ومستعد لفعل أي شيء حتى يبقى في منصبه، حتى تتحول إلى صناعة تدر مليارات الدولارات كما تفعل اليوم. إذ في عام 2011، شن الأسد حملة قمع دموية طالت المتظاهرين السلميين، ما دفع البلاد نحو الحرب، ودمر الاقتصاد، وتحولت المدن إلى خرائب وأطلال، ففرضت عليه عقوبات غربية طالته هو والدائرة المقربة منه والتي تدير البلد كما تدار أي دولة مافيوية.

كان الأسد بحاجة للمال وبسرعة، وهذا ما حصل عليه عبر الكبتاغون، إذ سرعان ما أقام وكلاء النظام معامل واستولوا على مشاريع تجارية بهدف تحويلها إلى مصانع لإنتاج المنشطات، ففي عام 2020، تحدثنا إلى سوري يمتلك مصنعاً تواصل معه النظام وأخبره بنبرة آمرة لا تقبل أي جدل، بأن مصانعه أصبحت الآن تستخدم لإنتاج الكبتاغون. وخلال الحرب على تنظيم الدولة في العراق وسوريا، راجت تلك الحبوب بين صفوف المقاتلين من كل الأطراف، وذلك لأنها تساعد المرء على السهر والبقاء يقظاً لفترات طويلة، كما تجعل منه شخصاً عدوانياً خلال المعارك الضارية التي قامت هناك.

The illicit trade in Captagon has grown to be worth about $10 billion

شحنة مصادرة من الكبتاغون مخبأة في حبات الرمان

يخبرنا المحللون اليوم بأن الأقراص التي تباع على أنها كبتاغون اليوم نادراً ما تحتوي على مادة الفينيثيلين، لأنها على الأغلب مصنوعة من خليط من الأمفيتامينات والكافيين والمواد الكيماوية بينها مادة الكينين القلوية، وهذا ما يسهل إنتاجها. كما تصنع هذه الحبوب في مصانع تتراوح عملياتها ما بين عمليات تصنيع كبرى إلى عمليات إنتاج محلية وخاصة تتم في البيوت والشقق.

وهكذا، وعبر التعامل مع حلفاء مثل حزب الله وغيره من الفصائل المسلحة، صار النظام وأعوانه، وعلى رأسهم ماهر الأسد، شقيق بشار، والذي يترأس الفرقة المدرعة الرابعة، يديرون تجارة تدر المليارات تقوم على صناعة وتوزيع الأمفيتامينات في مختلف بقاع العالم، على الرغم من أن هذا المخدر لم يسجل حضوراً في شوارع المملكة المتحدة.

بيد أن الكبتاغون لم يدر على الأسد الأموال فحسب، والتي تقدر من خلال حجم التجارة بمليارات الدولارت وتصل إلى 58 مليار دولار بالسنة، بل أيضاً منحته نفوذاً سياسياً.

إذ تخبرنا كارولين روز من معهد نيولاينز للاستراتيجيات والسياسات بواشنطن، والتي تترأس مشروعاً بحثياً خاصاً بتجارة الكبتاغون بأن: "الكبتاغون أحد البدائل الأساسية التي تدر دخلاً على النظام السوري والعناصر الفاعلة المتحالفة معه"، وتضيف بأن هذه التجارة كانت: "مصدراً مهماً لاستمرار سيطرة النظام على الأراضي التي استرجعها، لكنه أصبح أيضاً بمنزلة نفوذ سياسي وأداة لإثبات المصداقية في المجتمعات المحلية، أي أن الكبتاغون لا يساعدهم على ملء جيوبهم فحسب، بل أيضاً في السيطرة على المنطقة وبسط نفوذهم عليها".

من الصعب المغالاة بحجم إنتاج الكبتاغون، ولكن خلال العام الفائت فقط، صودر ما لا يقل عن 370 مليون قرص كبتاغون في مختلف أنحاء المنطقة، بحسب ما أورده معهد نيولاينز، وقد تم العثور على تلك الحبوب في كثير من الدول، بعدما خبئت في حبات برتقال بلاستيكية مزيفة، تم خلطها مع حبات برتقال حقيقية، وبين ألواح خشبية، وعلب البيض، وأكياس القهوة.

تنطلق معظم شحنات الكبتاغون من ميناء اللاذقية بسوريا والذي يقع تحت سيطرة النظام. إذ في عام 2020، عثر حرس الحدود الإيطالي على 14 طناً من حبوب الكبتاغون في نابولي خبئت داخل أنابيب ورقية وعلبة تروس تعود لناقلة بترول قادمة من اللاذقية، وتبلغ قيمة هذه الشحنة في السوق حسب تقديرهم مليار يورو، وهذا ما دفع الكولونيل دومينيكو نابوليتانو من حرس الحدود ليقول: "إنها أكبر كمية من هذا المخدر يتم احتجازها حتى الآن، ليس فقط في أوروبا، بل في العالم بأسره".

تعبت دول الشرق الأوسط كثيراً وهي تحاول التصدي لهذه التجارة ومنعها، إذ على الرغم من مصادرة كميات كبيرة منه، ماتزال تلك الحبوب تتسرب إليها، سواء براً من الأردن أو العراق إلى دول الخليج، أو بحراً عبر طرق أخرى.

وحول ذلك يعلق الباحث كرم الشعار وهو عضو رفيع في معهد نيولاينز فيقول: "معظم الأدلة تشير إلى أن معظم الإنتاج يتم في مناطق النظام، لكن لا يمكن الاعتماد على ما صودر من تلك المادة لمعرفة مستوى الإنتاج، لأنك لن تعرف إن كانت الكمية التي تم إنتاجها في كل منطقة قد صودرت كلها أم لا، ما يعني أن المقياس هنا غير دقيق، ولكن بوسعنا القول بكل ثقة بأن نظام الأسد هو من يرعى هذه الصناعة".

خلال هذا الشهر، شن الأردن غارات جوية على الجنوب السوري، بعد تشديد عنيف على تجار المخدرات ومهربيها خلال السنوات الماضية، ما أدى لمقتل ملك تجارة الكبتاغون وأحد أشهر تجار السلاح في المنطقة مع زوجته وأولاده الستة. كما أعلنت دول أخرى بدءاً من السعودية وحتى العراق عن اتخاذها لإجراءات تهدف إلى التصدي لهذه التجارة، بعدما أتعبها حجم الإنتاج الكبير من هذه المادة.

كما أطلقت دول غربية رداً كاسحاً على نهر المخدرات الذي وصلها، وذلك خلال سعيها لتجويع نظام الأسد وحرمانه من موارده المالية، إذ خلال العام الفائت، وقع الرئيس الأميركي جو بايدن على مشروع قانون يحتم على المؤسسات الأميركية استهداف تجارة الكبتاغون.

وفي شهر آذار الماضي، أعلنت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عن فرضهما لعقوبات على عدد من الشخصيات السورية واللبنانية بينها رجال أعمال وقادة ميليشيات والعديد من أقارب الأسد، وذلك لتورطهم الكبير بتصنيع الكبتاغون وبيعه.

إذ صدر بيان عن مكتب الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة حول هذا الأمر جاء فيه: "يقوم نظام الأسد وحزب الله وغيره من الميليشيات المدعومة إيرانياً بتسهيل أمور صناعة الكبتاغون، وبذلك فإنهم يزيدون من حالة عدم الاستقرار في المنطقة ويخلقون أزمة إدمان متصاعدة في عموم الشرق الأوسط".

ومن جانبه، أعلن الاتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات مماثلة، إلا أن الأسد الذي يأبى الركوع تحت ضغط إجراءات مكافحة الإتجار بالمخدرات أو الغارات الجوية أو العقوبات، صار يستغل قدرته على إغراق الشرق الأوسط بمنشطات رخيصة كورقة ضغط في محاولته لكسر العزلة المحيطة به، إذ خلال هذا الشهر، ظهر في القمة العربية التي عقدت بجدة، إلى جانب رؤساء وملوك دعموا الثوار الذين حاولوا إسقاطه على مدار سنين طويلة.

وحول ذلك تعلق لينا الخطيب، مديرة معهد الشرق الأوسط بلندن، فتقول: "ستتحول مشكلة الكبتاغون إلى أداة للتفاوض بيد الأسد الذي سيستغلها عند تعامله مع الدول العربية التي تمد يدها له وذلك في سعيه لعقد صفقات مالية في المنطقة، ولهذا أتوقع من نظام الأسد أن يحاول خفض كمية الكبتاغون المخصص للتصدير إلى دول الخليج مقابل حصوله على تعويضات مالية".

إلا أن الأسد ينكر أمام الملأ أي علاقة تربطه بالكبتاغون، بل يدعي العكس تماماً، وذلك عندما زعم وهو يتكلف الابتسام بأنه أمر بشن عمليات لمكافحة المخدرات بهدف القضاء على تلك التجارة.

تعلق الخطيب على ذلك بقولها: "أسهم الأسد بخلق مشكلة الكبتاغون، والآن حول هذه المشكلة إلى أداة يستعين بها ليقدم نفسه على أنه الحل للتخلص من المشكلة نفسها".

المصدر: The Times