صحفيون ضحايا الدكتاتورية والانتقام السياسي.. نماذج من حول العالم

2021.12.01 | 06:02 دمشق

262803067_391466662773134_7031898215507679640_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

قد لا تبدو أزمة الآلاف من طالبي اللجوء العالقين بين حدود بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، وسط ظروف إنسانية صعبة للغاية، لغير المتابعين مرتبطة بملف حقوق الإنسان والحريات والانتهاكات بحق الصحفيين في بيلاروسيا، وقيام سلطاتها باعتقال صحفي معارض لنظام الحكم فيها قبل ستة أشهر.

بدأت القصة في مايو/ أيار من هذا العام، عندما أجبرت طائرة حربية بيلاروسية طائرة ركاب متجهة إلى ليتوانيا، على تغيير مسارها والهبوط في بيلاروسيا، بزعم وجود قنبلة.

قبل هبوط الطائرة المدنية في بيلاروسيا، ارتاب الصحفي البيلاروسي المعارض "رومان بروتاسيفيتش" الذي كان على متنها، وأخبر الركاب بأنه سيتعرض للاعتقال ويواجه الإعدام في بلده، بحسب ما رواه شهود لـ هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية BBC، وما جرى فعلاً بعد هبوط الطائرة، هو اعتقال "بروتاسيفيتش" واحتجازه في العاصمة "مينسك"، وظهر فيما بعد بمقطع فيديو يعترف فيها بتنظيم الاحتجاجات الشعبية الرافضة للانتخابات الأخيرة، فيما قال أنصاره إن اعترافاته أخذت بالإكراه.

 

اعتقال "بروتاسيفيتش" أشعل نار أزمة دبلوماسية جديدة، بين مينسك وبروكسل، وجاءت ردة فعل الاتحاد الأوروبي على شكل عقوبات اقتصادية استهدفت خمسة كيانات في بيلاروسيا، وقال بيان الاتحاد إن العقوبات تأتي "لتصاعد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بيلاروسيا، والقمع العنيف للمجتمع المدني والمعارضة الديمقراطية والصحفيين".

كان رد "لوكاشينكو"، بالتخطيط لافتعال أزمة اللجوء التي لا تزال مستمرة إلى الآن، بحسب اتهامات الأوروبيين.

ولأن القانون تحكمه السياسة عند الأنظمة الاستبدادية، فقد فرض الرئيس البيلاروسي "ألكسندر لوكاشينكو" غداة عملية الاعتقال، قانوناً جديداً يشدد القيود من خلاله على الأنشطة الإخبارية والإعلامية، ويحظر القانون تغطية التجمعات غير المصرح بها، كما أصبحت صلاحية إغلاق أي مؤسسة إعلامية من صلاحيات وزارة الإعلام، بعدما كان يتطلب قرار الإغلاق قرارا من المحكمة.

بعيداً، عما وصلت إليه تداعيات اعتقال الصحفي البيلاروسي، من أزمة إنسانية يتعرض لها الآلاف من طالبي اللجوء على الحدود بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، وتعبير بولندا عن مخاوفها من أن يصل التصعيد حد الصدام العسكري، تشكّل هذه الحادثة مثالاً حياً على سعي الأنظمة السلطوية للحد من تأثير وسائل الإعلام من خلال إيجاد وإحداث سند قانوني لها، إلا أنها لا تغير في واقع المعايير العالمية لقوانين الإعلام، والتي استقت بعضها من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948(١)، وأبرزها المادة رقم (19)، تنص على أنه "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية تلقي الأفكار ونقلها دونما أي حدود".

على خطى بوتين..

"من شابه أباه ما ظلم".. مقولة يمكن إسقاطها على من يوصف بـ "الابن المدلل" للرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" رئيس بيلاروسيا "ألكسندر لوكاشينكو" حيث شهدت شوارع العاصمة البيلاروسية "مينسك" العام الماضي احتجاجات رافضة لنتائج انتخابات أعادته رئيسا للبلاد للمرة السادسة.

وفي روسيا ليست حادثة الصحفي الروسي المعارض "ألكسندر نافالني" ببعيدة جداً، والذي تعرض العام الماضي في ألمانيا لمحاولة اغتيال باستخدام مادة "نوفيتشوك" المؤثرة على الأعصاب، من قبل عناصر المخابرات الروسية، وما إن عاد في بداية هذا العام إلى موسكو حتى اعتقل من مطار "شيريميتيفو"..

التجسس، تهديد الأمن القومي، إفشاء أسرار الدولة، وهن عزيمة الأمة، التخابر مع جهات خارجية.. تهم جاهزة في الصين وسوريا، لمن يغرد خارج السرب.

تستغل الدول الشمولية مفاهيم عدة كـ "الإرهاب وتهديد الأمن القومي.. إلى آخره"، لتبرير اعتقالها من يتجاوز خطوطها الحمراء من الصحفيين أو العاملين في الإعلام، وسط شكوك بأن هذه الاعتقالات تأتي مدفوعة برسائل سياسية.

في آب/ أغسطس من هذا العام، أعلنت أستراليا أن بكين تعتقل الصحفية الأسترالية (من أصول صينية) "تشنغ لي"، العاملة في التلفزيون الصيني الحكومي (CGTN) منذ شباط/ فبراير، بتهم إفشاء أسرار الدولة والتجسس، ما اضطر الخارجية الصينية لتأكيد ذلك في سبتمبر/ أيلول والتهمة وفق بيانها "تهديد الأمن القومي"، إلا أن توقيت الاعتقال تزامن مع التوتر الصيني الأسترالي وتبادل الاتهامات بين البلدين منذ منتصف حزيران/ يونيو من العام المنصرم، ما دفع بالظن إلى أن خطوة اعتقال الصحفية الأسترالية، جاءت بدوافع وغايات سياسية.

 

260489778_1038885220015391_4441314096404660291_n.jpg
الصحفية الأسترالية "تشنغ لي" - إنترنت

 

قبل أسبوع فقط، كشف الصحفي الصيني "غوان غوان" وهو اسم مستعار، عن أكثر من 18 معسكر اعتقال في الصين، يحتجز فيها الإيغور في إقليم "شينجيانغ"، ولم تكن هذه المعتقلات معروفة قبل أن يعرض الصحفي الصيني حياته للخطر ويقوم بتصويرها قبل عامين. 

 

 

يقول "غوان" المقيم في تايوان لوسائل الإعلام، إنه فعل ذلك بعد أن ضيقت سلطات بلاده الخناق على حركة الصحفيين الأجانب في الصين.

أما في سوريا، فلطالما أثارت تهمة "وهن عزيمة الأمة" و"النيل من هيبة الدولة" التي توجهها السلطات السورية للناشطين والصحفيين ومعارضي النظام، تندر الشارع على اعتبار أنها إحدى "الكليشيهات" الجاهزة لدى الأجهزة الأمنية لاعتقال من يغرد خارج السرب في مقالاته أو تغطياته الخبرية.

وفي مطلع هذا العام، أوقفت الداخلية السورية مستندة إلى قانون الجريمة المعلوماتية ثمانية أشخاص "بجرم التواصل مع مواقع إلكترونية مشبوهة لإحداث البلبلة وتشويه الرأي العام" بحسب بيان الداخلية، فيما واجه المقبوض عليهم، تهمة "وهن عزيمة الأمة" و"التخابر الخارجي".

وتفرض المادة 287 من قانون العقوبات(2)، أقرت في عام 2019، عقوبة بالحبس مدة 6 شهور على الأقل مع دفع غرامة مالية، على كل سوري "يذيع في الخارج وهو على بينة من الأمر أنباءً كاذبةً أو مبالغاً فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها المالية".

ويوثق تقرير(3) عن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" اعتقال أجهزة النظام السوري، أكثر من 1169 من الصحفيين كان من بينهم أجانب، ومقتل 709 من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، منذ عشر سنوات حتى منتصف هذا العام، وتشير الشبكة الحقوقية في التقرير نفسه، إلى غياب أي إعلام مستقل في سوريا، وتقول إن "النظام السوري قد شرعن قوانين تخالف أبسط مبادئ حقوق الإنسان وتهدف إلى قمع حرية الرأي والتعبير".

 

260661499_440236910807005_4658908715192374899_n.jpg
   مراسلون بلا حدود / 2020 تصنيف الحريات الصحفية (3)  

    

260374631_650772782618252_4635691871379547807_n.jpg
  موقع FREEDOM HOUSE لقياس الحريات (4)

 

تتنوع المخاطر التي تواجه الصحفيين في سوريا، ففي شمال غربي البلاد حيث تسيطر قوات المعارضة المتحالفة مع تركيا، لقي نهاية العام الماضي الصحفي حسين خطاب حتفه برصاص مجهولين، وبعد حوالي الشهرين نجا الصحفي بهاء الحلبي من محاولة اغتيال بالطريقة نفسها، وتضاف هذه الحوادث إلى أخرى مشابهة، وسط انعدام تام للقوانين التي من شأنها حماية الصحفي وصون حقوقه في التعبير عن رأيه وإعطائه الحرية والإحساس بالأمان في تغطيته الخبرية.

إذاً، ثمة إشارات دلالية أن الحديث عن حرية الصحافة وضرورة تهيئة مناخ آمن للعاملين في الصحافة، في ظل الأنظمة الدكتاتورية، أو مدى اتساق التغطيات الإعلامية في هذه البلدان للانتهاكات بحق الصحفيين مع المعايير العالمية، شيئ من الخيال، إذ تخضع وسائل الإعلام عند هذه الأنظمة لسيطرة مطلقة من قبل السلطة من خلال ملاحقة الصحفيين وإسكات من يحيد عن الخط المسموح به، لتبقى الرصاصة وأبواب الزنزانات بمواجهة مفتوحة مع أصحاب الرأي وأرباب القلم.


(1): https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - المادة ١٩

(2): http://www.undp-aciac.org/publications/ac/compendium/syria/criminalization-lawenforcement/sy-penal-code.pdf

page - 29

(3): https://sn4hr.org/arabic/2021/05/03/13518/

(4): https://rsf.org/ar/ranking?fbclid=IwAR1qo-YZHYhhX8t_fDkSY2AIkz3Q5D04gc-HkIBWt4CTPy3arO7KyOrkiLM

(5): https://cutt.ly/pT3XDl1