تواصل تركيا حشد قواتها العسكرية داخل الأراضي السورية، حيث وصلت قوات تركية وفصائل سورية معارضة إلى الأطراف الغربية الشمالية لمدينة منبج بريف حلب الشمالي الشرقي، استعداداً لعمل عسكري محتمل في المدينة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إضافة لسعي تركيا إلى طرد قسد من "شرقي الفرات" وإقامة منطقة آمنة لم تعرف بعد مساحتها وعمقها وآلية تنفيذها، بحسب صحيفة العربي الجديد.
في المقابل عززت "قسد" قواتها في مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا، وجاءت التعزيزات من مناطق عين عيسى ومحافظة الرقة وعين العرب (كوباني) مزودة بأسلحة ثقيلة.
وأوضحت المصادر أنّ تعزيزات "قسد" شملت ذخائر وأسلحة ثقيلة وعربات مدرعة، بالإضافة إلى رشاشات ثقيلة ومتوسطة، وقد وصلت إلى قرية المنبطح قرب مدينة تل أبيض شمالي الرقة، آتية من القاعدة العسكرية في بلدة عين عيسى.
كما أرسلت "قسد" الإثنين الماضي تعزيزات إلى منطقتي فويلان وزعزوع، تضم نحو 70 عنصراً من المشاة وآليات مزودة برشاشات متوسطة.
وتضيف الصحيفة أن "قسد" استقدمت خلال الأيام القليلة الماضية تعزيزات عسكرية من الرقة وريف دير الزور إلى خطوط التماس في مدينة رأس العين بريف الحسكة الشمالي.
تفاهمات أم عملية عسكرية؟
تتزامن التعزيزات العسكرية شرقي الفرات مع مباحثات تركية أميركية حول إنشاء منطقة آمنة وطرد قسد بعد نزع السلاح الثقيل منها كما تطلب أنقرة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أمس الجمعة أن بلاده مصممة على تدمير "الممر الإرهابي" شرق الفرات في سوريا، مهما كانت نتيجة المحادثات مع الولايات المتحدة حول إنشاء منطقة آمنة.
وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بحث مع الممثل الأميركي الخاص لشؤون سوريا، جيمس جيفري، مسألة المنطقة الآمنة، وأعرب عن انزعاج أنقرة التي نفذ صبرها من لقاءات مسؤولين أميركيين مع قياديي قسد.
ونشرت صفحة السفارة الأميركية في سوريا، بياناً حول نتائج اجتماعات "جيفري" مع مسؤولين أتراك في أنقرة، والتي ناقشت اقتراحات مفصلة "لتعزيز أمن تركيا على طول الحدود التركية في شمال شرق سوريا"، كما أفضت إلى اتفاق بين الطرفين حول ضرورة التقدم السريع والملموس بشأن خريطة طريق منبج.
أكار بحث أيضا ومسؤولين عسكريين مع وفد عسكري أميركي احتمالية شن عمل عسكري ضد أهداف "شرقي الفرات" شمالي سوريا، بعد يوم من تحذير أنقرة من أنها ستتحرك إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع واشنطن بشأن المنطقة الآمنة.
ويبدو التشنج في الموقف التركي مرتبطا بموقف واشنطن من صفقة صواريخ إس 400 الروسية، وإلغاء صفقة طائرات إف 35 التي تشارك تركيا في صناعتها، وإمكانية فرض واشنطن عقوبات على أنقرة.
يجري ذلك في وقت أعربت فيه موسكو عن قلقها من " التهديدات التركية بشن عملية شرق الفرات، رغم محاولة واشنطن تخفيف حدتها بزيارة لشخصية عسكرية إلى عين العرب وأخرى لشخصية دبلوماسية إلى أنقرة".
من جانبه اعتبر نظام الأسد المباحثات الأميركية–التركية حول إنشاء منطقة آمنة بـ"الاعتداء الصارخ على سيادة ووحدة سوريا، وانتهاكاً فاضحاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".
ورغم مخاوف النظام وروسيا من اللقاءات في أنقرة، لم تتضح بعد نتيجة هذه اللقاءات مع الأميركيين، هل ستسفر عن ضوء أخضر لعملية عسكرية تركية أم عن تفاهم يقضي بانسحاب قسد من شرقي الفرات؟
منطقة صراع!
يرى مراقبون أن تشكيل تركيا لمنطقة آمنة بشكل منفرد سيجعلها مسرحًا للنزاعات العرقية بين مكونات المنطقة المدعومة من أطراف عدة، إضافة للخلاف بين الجماعات العربية المدعومة من تركيا و"وحدات حماية الشعب" المدعومة أميركيا. ويلفت المراقبون أن ذلك قد يوفر بيئة ملائمة لعودة "تنظيم الدولة".
وفي حال فشلت المباحثات بين أنقرة وواشنطن فبإمكان تركيا استخدام الفصائل العسكرية الموالية لها لمواجهة قسد في المناطق الحدودية على غرار مدينة تل أبيض، حيث كشفت مصادر عسكرية أن تركيا طلبت من الجيش الوطني السوري الاستعداد لعملية عسكرية محتملة للسيطرة على مدينة منبج وإعادة النازحين إليها ليتولوا إدارتها.
ويبدو أن المواجهة العسكرية مع الجيش الوطني السوري ستكون مناسبة لـ قسد، فهي غير قادرة على مواجهة قوات عسكرية تقليدية مثل الجيش التركي، فهي لم تكن لـ تستطع طرد تنظيم الدولة من عين العرب "كوباني" والسيطرة على الرقة ودير الزور ومنبج لولا الدعم الجوي من التحالف الدولي.
ونقلت قناة روسيا اليوم عن الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في "حزب الاتحاد الديمقراطي"، صالح مسلّم تعليقه على لقاءات أنقرة حيث اعتبرها "تهديدات ليست جديدة"، وأكد أن "الطرف الكردي" يعتمد على التحالف الدولي، الذي لن يسمح حسب اعتقاده، بعملية عسكرية على غرار عملية "غصن الزيتون" التي انتهت بسيطرة فصائل المعارضة بدعم تركي على عفرين.
وفي حال فشل رهان قسد على دعم التحالف الدولي، يبقى من خيارات قسد للمواجهة هي التوصل لاتفاق مع نظام الأسد وروسيا لحماية مناطق سيطرتها، حيث ما يزال النظام يمتلك جيوبا في القامشلي والحسكة، إلا أن تجارب قسد توضح أن روسيا والنظام حليفان متقلبان لا يؤمن جانبهما.