icon
التغطية الحية

سيناريوهات الفوز والخسارة.. تسديدة حرة لأردوغان أم هدف تسلل لكليتشدار أوغلو؟

2023.05.13 | 21:50 دمشق

أردوغان وكلتيشدار أوغلو
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

تحمل الانتخابات التركية الرئاسية سيناريوهات مفتوحة، لا يمكن التنبؤ بدقة بنتائجها وحيثياتها لتعقد المشهد التركي من جهة، والملفات المطروحة على قائمة الناخب من صعوبات اقتصادية ومعيشية، وبما يتصل بالإيديولوجيا والهوية، إلى جانب ملف اللاجئين السوريين.

توجد في تركيا كتلة انتخابية ثابتة، لا يغير الناخبون الثابتون رأيهم الانتخابي مهما حصل، ويؤيدون الحزب لأبعد حد ممكن، حالة تشبه الانتماء العقدي والإيديولوجي، وللدعاية الحزبية دور كبير في استمرار وزيادة أعداد الناخبين الثابتين.

كما أن لأعضاء الحزب أهمية كبرى في تحديد حجم القاعدة الحزبية، فمثلاً يبلغ عدد أعضاء حزب العدالة والتنمية 11,2 مليون عضو، في حين لا يتجاوز أعداد أعضاء حزب الشعب الجمهوري 1,3 مليون عضو، بحسب الأرقام الرسمية للمحكمة العليا التركية.

أما الناخبون المترددون والناخبون الجدد فهم المعيار الأساس في تغير ملامح الفوز أو الخسارة بانتخابات الرئاسة أو البرلمان أو البلديات.

مباراة انتخابية

في حي قاسم باشا القريب من شارع الاستقلال أشهر المناطق السياحية في البلاد، بني عام 2005 ملعب لنادي "قاسم باشا سبور" التركي، وحمل اسم رجب طيب أردوغان.

قبل بدء حياته السياسية، كان الرئيس التركي أردوغان لاعب كرة قدم شبه محترف في نادي قاسم باشا المعروف في الدوري التركي.

هذه المقدمة عن رجل يعرف التسديد بالكرة جيداً، وفاز في جميع المباريات الانتخابية التي خاضها منذ بدء حياته السياسية حتى الآن، ولكن الكرة قد تخذل اللاعب في أهم مراحل نجوميته وصعوده إلى المجد، وربما لا. يعود ذلك إلى مدى موهبته وتدريبه وضعف خصومه وتناغم فريقه والصوت الهادر للجمهور خلفه.

في المقابل لا نجد للمرشح البارز الثاني كمال كليتشدار أوغلو أي صلة وثيقة بكرة القدم، وهذا لا يقلل من أهمية حضوره في هذه المباراة الانتخابية الرئاسية، في ظل التفاف قسم كبير من الجمهور خلفه بعد ترشيحه من قبل الطاولة السداسية المعارضة.

يعتمد هذا التقرير على استطلاعات الرأي وأرقامها التي لا يمكن الجزم بمدى دقتها خصوصاً مع الوضع المعقد لهذه الانتخابات التي توصف بأنها مصيرية وقد تغير شكل البلاد الحالي، إلى جانب النظر في النسب النهائية لانتخابات الرئاسة في عامي 2014 و2018، والاستفتاء الدستوري في عام 2017.

أردوغان لاعباً في نادي قاسم باشا سبور

انتخابات 2014

في أول انتخابات رئاسية مباشرة عام 2014، خاض الرئيس التركي الانتخابات بدعم من حزب العدالة والتنمية منفرداً، في مقابل اجتماع المعارضة التركية الرئيسية (حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية) و11 حزباً آخر على مرشح واحد هو أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي، وترشيح حزب الشعوب الديمقراطي المرشح الكردي صلاح الدين ديميرطاش.

ومع ذلك حقق أردوغان فوزاً مريحاً من الجولة الأولى بنسبة 51.79 بالمئة من الأصوات، بالوقت الذي حقق إحسان أوغلو 38.44 بالمئة من الأصوات، وديميرطاش 9.76 بالمئة.

كان عدد الناخبين عام 2014، أكثر من 55 مليون ناخب داخل وخارج البلاد، شارك منهم 74.13 بالمئة فقط.

يُعزى الإقبال الأضعف تاريخياً في هذة الانتخابات (74.13 بالمئة)، إلى حقيقة أن الانتخابات جرت في الصيف بينما كان العديد من المواطنين في عطلة.

في تلك الانتخابات حصد أردوغان أعداداً كبيرة من أصوات المكون الكردي والقوميين، إلى جانب حيازته لمعظم أصوات المحافظين في عموم البلاد.

انتخابات 2014

استفتاء 2017

عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل الاستفتاء على الدستور والانتقال إلى النظام الرئاسي تحالفاً مع حزب الحركة القومية بقيادة دولت بهتشلي الذي كان أحد أبرز معارضيه، وحقق فوزاً مهماً بنسبة 51.41 بالمئة من حجم الأصوات.

عملت ماكينة المعارضة السياسية والإعلامية على مهاجمة التعديل الدستوري والانتقال إلى النظام الرئاسي، إلا أن التحالف الذي شكله الرئيس مع كتلة القوميين الوزانة ساهمت إلى كسب المعركة لصالحه، مع تغير واضح في خطاب حزب العدالة والتنمية الذي كان أقرب للتوجه الوسطي الذي يضم جميع التيارات والأعراق، منه للتوجه الذي تحمله الحركة القومية في أقصى اليمين، ما غير من نظرة عدد كبير من الناخبين الداعمين له ولا سيما في مدن المكون الكردي.

وفي 16 نيسان 2017، صوت الناخبون على مجموعة من 18 تعديلاً مقترحاً على دستور تركيا، شملت التعديلات الأخذ بالرئاسة التنفيذية التي تحل محل نظام الحكم البرلماني القائم، وإلغاء منصب رئيس الوزراء، ورفع عدد المقاعد في البرلمان من 550 إلى 600 مقعد وتغييرات في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين.

بلغ عدد من يحق لهم التصويت 55.3 مليون ناخب، شارك منهم 86 بالمئة تقريباً من مجموع الناخبين، بنسبة 51.41 بالمئة صوتوا بنعم، و48.58 بالمئة صوتوا بـ لا.

كان الاستفتاء نجاحاً جديداً لسجل أردوغان الانتخابي، وفي إدارته لاستفتاء شعبي عقد خلاله تحالفات مع قسم من أعتى خصومه، وإن تسبب ذلك في انقسام الحركة القومية على ذاتها وتأسيس حزب "الجيد" بقيادة ميرال أكشنر فيما بعد.

2017

انتخابات 2018 

كانت انتخابات 2018 الرئاسية والبرلمانية في يوم واحد بعد الموافقة على تعديلات الدستور والانتقال للنظام الرئاسي.

وترشح لتلك الانتخابات 6 مرشحين، مع فشل المعارضة في تقديم مرشح توافقي، في الوقت الذي بدأ تشكيل ما يعرف بالتحالفات الانتخابية.

وكان أول تحالف للمعارضة في تحالف الأمة الذي ضم أحزاب (الشعب والجيد والسعادة)، فيما كان تحالف الشعب أو الجمهور يضم (العدالة والتنمية والحركة القومية وحزب الاتحاد الكبير).

في انتخابات عام 2018 ضاعت أصوات المعارضة متفرقة بين المرشحين الخمسة أمام أردوغان ما أتاح له فوزاً سهلاً.

بالنظر إلى أرقام انتخابات 2018، حاز أردوغان على 52.6 بالمئة من أصوات الناخبين، فيما توزعت الأصوات الأخرى بين المرشحين الستة بفارق كبير جداً بينهم وبين أردوغان.

2018

استطلاعات الرأي

كانت استطلاعات الرأي منذ الإعلان النهائي عن المرشحين الأربعة، متفاوتة وتحمل حالة من التسييس الطبيعي لشركات قد تكون قريبة من الأحزاب السياسية، إلى جانب عدم دقتها.

من الصعب بمكان الجزم بأن أردوغان قد يفقد السلطة باعتباره لم يخسر أي انتخابات سابقة خاضها، (رغم التراجع النوعي الذي حصل في انتخابات البلدية عام 2019 مع خسارة إسطنبول وأنقرة وإزمير)، ومن الصعب التفاؤل المبالغ به بأن الرئيس سيفوز بأصوات مريحة كانتخابات 2014 و2018.

كما أن الحسم بأن مرشح المعارضة سيفوز بسهولة أمر بغاية السذاجة، لكثير من الأسباب والمعطيات، لدينا رئيس من الأقلية "العلوية"، مرشح حزب علماني صلب، لديه تاريخ أسود مع المحجبات والمحافظين عموماً، لم يحقق نجاحاً بأي انتخابات خلال العقدين الماضيين، وكتلته الثابتة من الطبقة المتوسطة فما فوق بمناطق الحزام الغربي لتركيا بشكل أساس.

وأدى انسحاب محرم إنجه بعد تهديده بنشر فضائح أخلاقية بحقه إلى تفجير قنبلة غيرت كثيرا من التوقعات، وخلط الأوراق وزادت من تعقيد المشهد، حيث يرى البعض أن هذا الانسحاب لصالح كمال كليتشدار أوغلو، فيما يرى آخرون أنه يصب في مصلحة أردوغان، كرد من قبل داعمي إنجه على الضغط على مرشحهم.

وهذه عينة من آخر استطلاعات الرأي التي نشرتها شركات متعددة خلال الأسبوع الجاري قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات.

السيناريو المرجح

في الانتخابات الحالية، يوجد العديد من التحديات الجديدة أمام المرشحين، بينها عدد المصوتين الجدد الذي يبلغ عددهم 5 ملايين شخص، وهؤلاء يشاع أنه يتم استقطابهم من قبل حزب الشعب الجمهوري خصوصاً في الجامعات، وكذلك الحال مع حزب البلد، باعتبار أن جزءاً كبيراً من هؤلاء ولدوا في ظل حكم العدالة والتنمية ورأوا إنجازته ويريدون أن يروا رئيساً جديداً للبلاد، ولم يعيشوا الماضي الاقتصادي السيء للبلاد.

عدم وجود رئيس من خلفية كردية، ما يعني أن أصوات المكون الكردي ستنقسم بين الرئيس أردوغان وكمال كليتشدار أوغلو باعتبار أن المرشح الثالث سنان أوغان ليس لديه أي قاعدة شعبية كردية باعتباره محسوباً على أقصى اليمين ولديه خطاب كراهية ضد من هم غير أتراك.

بالاعتماد على أرقام الانتخابات الماضية نجد أنه لا يوجد أي مرشح لديه كتلة ثابتة شبيهة بالتي يمتلكها أردوغان وحده، وإن فقد نسبة من شعبيته بسبب الأزمة الاقتصادية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.

السيناريو المرجح بالعودة إلى نسب وأرقام الانتخابات السابقة أن الانتخابات ستحسم من الجولة الأولى؛ خصوصاً أن إنجه انسحب من الاستحقاق، وأن أصوات مرشحيه ستذهب إلى المرشحين الثلاثة وليس لكليتشدار أوغلو منفرداً.

وفي نهاية جولاتهما الانتخابية اختتم كمال كليتشدار أوغلو حملته من ضريح كمال أتاتورك في رسالة إلى قاعدته الانتخابية أنا الابن الوفي للفكر الكمالي، أما أردوغان فقد اختتم حملته من جامع آيا صوفيا بإسطنبول الذي أدى فيه صلاة المغرب، مرسلاً رسالته الأخيرة لقاعدته الثابتة أنا الابن الوفي للمحافظين أنا الذي زرت "حسن أفندي" شيخ جماعة "إسماعيل آغا" وقبلت يديه.

ما هي النسب المتوقعة؟

في الغالب سيحصل أردوغان على تسديدته الحرة في المرمى، مسجلاً هدفه الأخير، وخاتماً رحلته السياسية بفوز جديد بين 50.4 و51 بالمئة، في الوقت الذي يتقارب معه كمال كليتشدار أوغلو بـ 43.5 و45.5 بالمئة، وما يتبقى من أصوات ستذهب إلى سنان أوغان ومحرم إنجه (رغم انسحاب الأخير).

وهناك سيناريو آخر، يمكن أن يأخذ الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية بنتائج متقاربة دون الـ 50 بالمئة لأحد المرشحين، مع صعوبة ذلك على الرئيس أردوغان، وهدف تسلل لكليتشدار أوغلو لن يُحسب وسيخوض فيه الطرفان حرباً نهائياً تحبس الأنفاس حتى 28 أيار 2023.

من ناحية أخرى ستكون البلاد برمتها أمام تحديات أمنية تخص نتائج الانتخابات، كتخوفات من أعمال عنف أو احتجاجات من قبل أنصار أحد الطرفين.

وسبق أن أعلن الرئيس أردوغان أنه سيحترم خيار الشعب وسيسلم السلطة لصاحب الأصوات الأعلى، محذراً من أن حزب الشعب الجمهوري لن يقبل بالنتيجة في حال فوزه.

ومن هنا يمكن أن تأخذ سيناريوهات الغضب من النتيجة أبعادها القصوى، وأهمية تقبل الأطراف لقرار الشعب مهما كان الفائز سيكون جوهرياً، ويضع التجربة الديمقراطية التركية كلها أمام امتحان صعب.