في ظل الأزمة الاقتصادية، وحالة الإغلاق بسبب كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت في هذا الصيف، أصبح اللاجئون السوريون الذين يعيشون في لبنان يعبرون عن قلقهم ومخاوفهم التي ازدادت بسبب احتمال تحولهم إلى كبش فداء، أو إرغامهم على العودة إلى سوريا على يد السلطات التي تحاول أن تجعلهم سبباً لارتفاع معدلات البطالة وزيادة الخدمات الاجتماعية المرهقة.
إذ يأمل بعض اللاجئين أن يجدوا ملاذاً جديداً لهم في كندا، التي تعتبر الرائدة على مستوى العالم في مجال إعادة توطين اللاجئين، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى استعانتها ببرامج التمويل الخاصة لتشجيع المواطنين والمنظمات الخيرية على دعم عملية دمج اللاجئين بالمجتمعات الجديدة.
اقرأ أيضا:التنمر يدفع فتاة سورية لاجئة في كندا للانتحار
بيد أن الكنديين الراغبين بمد يد العون عبر ذلك التمويل لا بد أن يكتشفوا بأن معظم هذه البرامج تشترط أن يكون المتقدمون لها قد حصلوا بالأصل على وضع اللجوء، هكذا وبالخط العريض!
أما من لم يحصل على وضع اللجوء، فبوسعه أن يقدم طلب لجوء من خلال أحد برامج التمويل الخاصة في كندا، أي عبر Sponsorship Agreement Holders حيث حصلت تلك المنظمات على موافقة الحكومة الكندية للمساعدة في تمويل ورعاية اللاجئين القادمين من خارج البلاد.
والسوريون، كغيرهم من الذين يعيشون في دول لم توقع على ميثاق الأمم المتحدة فيما يتصل بوضع اللاجئين، نادراً ما يحصلون على وضع اللجوء بشكل رسمي في لبنان.
خطر التسبب بالإيذاء
لهذا يتم التعامل مع هؤلاء على أنهم حصلوا على وضع بين نازحين يسعون للحصول على حماية دولية، ولاجئين ظاهرياً، حيث يتم الإعتراف بهم نظراً للظروف التي تشهدها بلادهم والتي من المعروف أنها قد تقوم بإيذاء من هربوا منها.
اقرأ أيضا: طائرة طوافة تحمل أسرة سورية لاجئة إلى جزيرة نائية بكندا (صور)
وفي دولة أصبح فيها عدد اللاجئين مقابل كل مواطن أكبر من أي دولة أخرى، قلت الدوافع التي تحفز السلطات اللبنانية على منح السوريين ما هو أكثر من ذلك، بل عمدت تلك السلطات إلى تجنب فكرة دمج السوريين بشكل دائم في المجتمع اللبناني على أمل أن يقيم السوريون في لبنان لفترة مؤقتة، بخلاف ما حدث مع الفلسطينيين الذين أتوا قبلهم.
وفي مثال على ذلك، حدد عاملون في مجال الإغاثة في لبنان مؤخراً، الأماكن التي مُنعوا فيها من رفع خيم العائلات اللاجئة بعيداً عن مياه المطر الموحلة عبر استخدام أساسات إسمنتية أو من الحصى، لأن ذلك مؤشر على ديمومة الوضع واستمراره، والسلطات لا ترغب بمنح هذه الصفة لهؤلاء اللاجئين.
اقرأ أيضا: تصرّف عنصري لـ مواطنة كندية وإساءة لـ اللاجئات السوريّات (فيديو)
وفي الوقت ذاته تبنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة UNHCR خطاب الحكومة اللبنانية في معظم الأحوال، حيث باتت مصطلحات مثل السوري المنتقل أو النازح السوري تستخدم غالباً عوضاً عن مصطلح اللاجئ السوري. كما تجنبت المفوضية أي محاولة لدفع السلطات إلى تحديد وضع السوريين الأكثر من مستضعفين هناك، وفضلت عدم الخوض في ذلك لحماية مساعداتها التي تقدمها في لبنان.
خروج السوريين من الجدل القائم حول هذا الموضوع
ومع ذلك، وفي الوقت الذي يناقش فيه الباحثون وأصحاب المهن آثار هذا الوضع -أي وضع اللاجئ غالبا - على حياة السوريين، يلجأ هؤلاء إلى البراغماتية غالباً فيفضلونها بذلك على الدفاع عن حقوق هؤلاء، وبذلك يتم استبعاد السوريين بشكل ممنهج من تلك الحوارات.
فكثير منهم لا يعرفون ولم يخبرهم أحد بأن أوراق ووثائق التسجيل التي حصلوا عليها من قبل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة UNHCR بمجرد دخولهم لبنان من غير المحتمل أن تنقل طلباتهم وتحركها لتصل إلى منحهم وضع اللاجئ المحمي، بل إن هؤلاء اللاجئين كثيراً ما يقولون لي: "إنني ضمن القائمة" أي القائمة المعدة لإعادة توطينهم في كندا.
لذا فإن أول وأكثر شيء مقلق هنا هو أن يقوم نظام دولي مخصص للاجئين بإضعاف هؤلاء اللاجئين في الوقت الذي يفترض فيه أن يقوم بدعمهم ومساعدتهم.
اقرأ أيضا: رجل الأسد لإعادة الإعمار يواجه محكمة كندية بتهمم متعددة
إذ من أولى اهتمامات السوريين، واللاجئين عموماً، حماية أنفسهم والدفاع عن حقوقهم، ولكن في الوقت الذي تعتبر فيه المفوضية العليا للاجئين مسؤولة عن إبلاغ السوريين عن عملية رفع دعوى من أجل اللجوء والنتائج المترتبة على جلسات الاستماع لتقرير وضع اللجوء، دون أن تكون هناك أية جلسات استماع، عندها لا يمكن تبين وجود أي من تلك المسؤوليات أصلاً.
إذ لا بد من تزويد اللاجئين بالمعلومات التي يحتاجونها ليدافعوا عن أنفسهم، هذا أولاً.
ثانياً، إن الوضع القانوني بالغ التعقيد للكثير من المهجرين قسرياً يزيد من تعقيد عملية إعادة التوطين المتوقعة في دولة ثالثة، سواء في كندا أو في أي دولة أسست نظماً جديدة تشبهها.
ملايين أصبحوا طي النسيان
ولهذا يتعين على السياسيين بذل مزيد من الجهود لمساعدة اللاجئين العالقين في مناطق رمادية، بل عليهم مساعدة مزيد من هؤلاء الأشخاص.
إذ عندما لا يحصل شخص على الوضع القانوني للاجئ، حتى ولو كانت لديه حجة دامغة أو أتى من دولة من المعروف عنها أنه سيتعرض إن بقي فيها للإيذاء، فلا بد وأن تضيق به السبل. كما أن المرونة التي كانت القيود التي فرضتها الحكومة الكندية من أجل السوريين والممولين في السابق لم تعد موجودة.
واعتماداً على الحكومة الموجودة اليوم، والحزب السياسي الذي وصل إلى السلطة ومدى رغبته واستعداده لاستقبال اللاجئين في كندا، اختلف عدد النقاط المحددة لبرامج Sponsorship Agreement Holders، ولكن مهما تعاقب على السلطة من أحزاب، ستظل قوائم الانتظار المعدة بموجب برامج Sponsorship Agreement Holders طويلة وستبقى موارد تمويلها قليلة.
لا بد أن تعرف شخصاً في كندا
والأنكى من ذلك، وبسبب قلة عدد طالبي اللجوء السوريين الذين سيتم تحديد هويتهم من قبل المفوضية العليا للاجئين في لبنان حتى يتم تحديد وضعهم ثم إعادة توطينهم، لن يحصل أي منهم على فرصة اللجوء بتلك الطريقة سوى من له موطئ قدم في كندا، إذ يجب أن يكون لهؤلاء شخص واحد يعرفونه يمكنه أن يحمل ملفهم إلى أحد برامج Sponsorship Agreement Holders ليقوم بدوره بجمع التبرعات لتغطية نفقات السنة الأولى لذلك اللاجئ في كندا.
إن الحاجة لهذا النوع من الدفاع يمكن أن تعيد إنتاج العديد من النقاط العمياء وبشكل سريع، فضلاً عن حالات عدم المساواة الموجودة بالأصل ضمن نظام اللجوء العالمي.
وفي الوقت الذي تعمل فيه دول العالم على تطوير نظم التمويل الخاصة لديها، أو تغيير نهجها فيما يتصل بإعادة توطين اللاجئين، لا بد لها أن تعترف إلى أي مدى يمكن التملص من منح وضع اللجوء، كما يجب على السياسيين أن يعملوا وفقاً لذلك على زيادة الإمكانيات على مستوى العالم بهدف السعي لإعادة توطين اللاجئين الذين لم ينالوا تلك الصفة ولم يحصلوا على ذلك الوضع.
المصدر: ذا كونفرزيشن