سياسة النفط السعودية في أوبك وانعكاساتها على العلاقات مع أميركا

2022.10.11 | 05:46 دمشق

السعودية تخفض إنتاج النفط
+A
حجم الخط
-A

اتفقت مجموعة أوبك بلاس وفي مقدمتها السعودية وروسيا على خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا اعتبارًا من نوفمبر القادم، ويصنف هذا الانخفاض بالأعلى تاريخياً منذ تأسيس منظمة أوبك. وبحسب مجموعة أوبك بلاس جاء التخفيض نتيجة لعدة أسباب: أولاً تحفيز التعافي في أسعار النفط التي هبطت إلى ما يقرب من 80 دولارا للبرميل بعدما ارتفعت إلى أكثر من 120 دولارا قبل ثلاثة أشهر، ثانياً، التوقع بدخول الاقتصاد العالمي لحالة من الركود بعد انخفاض المؤشرات في الأسواق الصينية والأوروبية لاسيما انخفاض الإنتاج، ثالثاً، التراجع في الطلب على النفط في السوق الدولية للطاقة.

اعترضت الولايات المتحدة الأميركية على قرار منظمة أوبك بلاس واعتبرته خطراً على الاقتصاد الأميركي وعلى دول الاتحاد الأوروبي التي تعاني بالفعل من التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي إضافة إلى انخفاض المخزونات الاستراتيجية من الغاز والنفط. وقد ينتج عن القرار خطر حدوث ركود عالمي، والأهم من ذلك أن روسيا ستستفيد من قرار التخفيض وهو ما يزعج أميركا، لأن انخفاض الإنتاج سيزيد من سعر برميل النفط، مما يساعد موسكو على تمويل عملياتها الحربية في أوكرانيا وتعويض خسائرها من العقوبات الدولية (ومن المعروف أن أميركا طلبت من السعودية عدة مرات زيادة إنتاج النفط، لكن السعودية لم تستجب للطلب الأميركي).

وتتبع السعودية في الوقت الحالي سياسة طاقوية يمكن القول عنها مختلفة نوعاً ما عن السابق، فقد قررت في عام 2021 الاعتماد على المعطيات التي تقدمها منظمة أوبك بلاس بدلاً من منظمة الطاقة العالمية (المعطيات هي مجموعة المعلومات التي تستند عليها الدول المنتجة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب في السوق الدولية للطاقة)، كما أصبحت السعودية أكثر استقلالية في قراراتها فيما يخص متطلبات السوق الأميركية والأوروبية مقابل تحقيق المكاسب والعوائد المالية لصالحها وبدا ذلك واضحاً بتمسكها باتفاق أوبك بلاس مع روسيا.

السعودية والدول المنتجة للنفط ستكسب فوائد مالية متعاظمة من وراء قرار تخفيض الإنتاج، لأنه بطبيعة الحال سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار برميل النفط، وأيضاً سترتفع أسعار موارد الطاقة الأخرى ولاسيما الغاز.

في هذه المقالة أناقش الدوافع غير المعلنة التي دفعت السعودية لقرار التخفيض ومن المعروف أن السعودية تملك التأثير الأكبر على منظمة أوبك، كما سنناقش انعكاسات القرار على علاقة السعودية مع أميركا على ضوء الرد الأميركي على هذا القرار.

الدوافع السعودية لقرار التخفيض وعدم الاستجابة للطلب الأميركي

توسعت دائرة الخلافات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية بعد وصول بايدن إلى سلطة البيت الأبيض، والذي أعلن في بداية حكمه أنه سيجعل السعودية دولة منبوذة. ومن المحتمل أن القرار السعودي الخاص بتأييد تخفيض إنتاج النفط تشكل نتيجة  للسياسات الأميركية في الشرق الاوسط المتناقضة مع سياسات السعودية في قضايا تصنفها الرياض جزءا من أمنها القومي وأهمها:

الموقف الأميركي من الملف النووي الإيراني، من وجهة النظر السعودية، فهي ترى أنها يجب أن تكون طرفاً في الاتفاق النووي، وان الاتفاق هش ولا يمنع إيران من امتلاكها للسلاح النووي، والنقطة الأهم التي تصر عليها السعودية هي وجوب تضمينها في الاتفاق النووي، وتعديل سلوك إيران المزعزع للمنطقة وكف يدها عن الدول العربية الأربعة (العراق، واليمن، وسوريا، ولبنان)، وترى السعودية أن رفع الولايات المتحدة الأميركية العقوبات عن إيران من الممكن أن يخفف الضغط عنها، وستكون طهران أكثر حرية في استئناف سياسة خارجية مزعزعة على المدى المتوسط ​​إلى الطويل وستتمكن من تهديد الدول العربية.

موقف أميركا من الحرب السعودية على الحوثيين،اتخذت أميركا موقفاً معارضاً للعمليات العسكرية السعودية ضد جماعة الحوثي في اليمن، وقبلت الحكومة الأميركية مطالبات منظمات مدنية وأعضاء من الكونغرس بتوقيف بيع الأسلحة التي تستخدمها السعودية في الحرب على اليمن، بل ذهبت حكومة بايدن إلى رفع جماعة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية.

صفقات السلاح مع أميركا، مع قدوم الرئيس بايدن إلى السلطة فرض على السعودية والإمارات تقييد الوصول لصفقات سلاح كبيرة مع الشركات الأميركية، كما تمنع أميركا مشاركة السعودية في عملية التصنيع، الأمر الذي يثير حفيظة الرياض.

الوقوف بوجه سياسات الغرب المعادية للنفط، تنتهج الدول الغربية لاسيما أميركا ودول الاتحاد الأوروبي سياسات الحياد الكربوني، والتي تهدف لتخفيض الاعتماد على النفط في إنتاج الطاقة، إضافة إلى منافسة النفط والغاز الصخري الذي تنتجه كل من أميركا وكندا، الأمر الذي يدفع السعودية  بالتمسك بسياسات أوبك بلاس التي تجتمع مع باقي الدول المنتجة للنفط في مواجهة سياسات تحييد النفط التي انتهجتها الدول الغربية سابقاً

انعكاسات القرار السعودي على العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية

بما أن سياسة السعودية النفطية قد تنعكس بشكل سلبي على الداخل الأميركي، فقد تواجه السعودية ردة فعل أميركية من خلال تطبيق إحدى السياسات التالية على الرياض:

التهديد بتخفيض مستوى العلاقات والتحالف الاستراتيجي، تستند العلاقات الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية على التحالف الأمني والعسكري بين البلدين، حيث توجد القواعد العسكرية والجنود الأميركيون على الأراضي السعودية دعماً للأخيرة لمواجهة التحديات الأمنية والعسكرية الخارجية، فضلاً عن أن السعودية تعتمد بنسبة كبيرة على السلاح المستورد من أميركا.

وقد خرجت بعض التصريحات من بعض أعضاء الكونغرس الأميركي تطالب فيه الحكومة بتقديم تشريع لسحب كل أو بعض القوات والمعدات العسكرية الأميركية من السعودية، كما قد تعمل أميركا على فرض قيود على تصدير أنواع من الأسلحة النوعية للسعودية.   

تفعيل قانون محاسبة أعداء أميركا، قد تستخدم أميركا قانون محاسبة أعداء أميركا الذي أقره الكونغرس، والذي يسمح للمواطنين الأميركيين باتخاذ إجراءات قانونية ضد النظام السعودي بشأن هجمات 11 سبتمبر / أيلول، ويهدد القانون النظام السعودي بحجز أمواله في البنوك الأميركية.

تفعيل قانون لا أوبك NOPEC، وهو قانون أقرته الحكومة الأميركية في وقت سابق من شأنه السماح بإقامة دعاوى قضائية ضد منظمة الدول المصدرة للنفط بتهمة احتكار للنفط، ومن خلال القانون تستطيع المحاكم الأميركية رفع دعوى ضد السعودية بتهمة التلاعب بأسعار النفط واحتكاره، ويتطلب تفعيل القانون أن يتحصل على موافقة مجلس الشيوخ ومجلس النواب بالكامل، وأن يوقعه الرئيس جو بايدن ليصبح قانونًا، ما يسمح بمقاضاة منتجي النفط في منظمة أوبك أمام المحاكم الأميركية.

الخلاصة، سوف تتضرر دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية اقصادياً وسياسياً من قرار أوبك الذي كان للسعودية الدور الأبرز فيه، في وقت تعاني فيه الدول الأوروبية من أزمة طاقة حادة، ويواجه بايدن انتخابات نصفية في وقت عصيب من الأزمات الداخلية الناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة. لكن من غير المتوقع أن يذهب بايدن إلى سحب القوات والقواعد الأميركية من السعودية في الوقت الحالي لأن ذلك سيخلق فراغاً بالمنطقة قد تشغله الصين التي بدأت تتقرب كثيراً من الرياض، وتفعيل قانون لا أوبك يتطلب العديد من الدلائل والاثباتات لتطبيقه وأمره معقد وفي حال تطبيقه سيجلب المزيد من الفوضى لأسواق الطاقة العالمية، كما أن وضع السعودية تحت قانون محاسبة أعداء أميركا سيضع العلاقات بين البلدين في وضع قد نتحدث فيه عن انتهاء التحالف الاستراتيجي بين البلدين. لذلك من المتوقع أن تهدد أميركا بالضغط فقط بتطبيق إحدى الأدوات السابقة، أو بتطبيق قيود على بعض أنواع السلاح الأميركي إلى السعودية، مما سيدخل الدولتين حالة من التوتر والاضطراب خلال فترة حكم بايدن.