سوق الأسهم وانقلاب المفاهيم

2022.10.05 | 07:00 دمشق

سوق الأسهم وانقلاب المفاهيم
+A
حجم الخط
-A

في السوق الهابط كل خبر هو خبر سيئ، بهذه العبارة يمكن اختصار ما يحدث في أسواق الأسهم العالمية في الفترة الأخيرة. فالأرقام في البورصات العالمية لا تبشر بالخير، كما أن ارتفاع نسب التضخم وسياسات البنوك المركزية المتشددة باتت مقلقة.

حيث شهدت الأسواق المالية العالمية هبوطا مستمرا خاصة في «وول ستريت» والتي تعد من أكبر أسواق الأسهم المالية من حيث القيمة السوقية الإجمالية في العالم، والتي تشمل بورصة نيويورك وبورصة ناسداك والذي يقابله اضطرابات في جميع أسواق السلع والعملات، فبينما تواصل الأسواق الأوروبية معاناتها بسبب تداعيات أزمة الجنيه الإسترليني في بريطانيا وتسرب الغاز الجديدة في نوردستريم 1، انخفض المؤشر القياسي لـ «وول ستريت» المعروف بـ«ستاندرد آند بورز 500» إلى أدنى مستوى له في عامين، بعد أن أبدى صناع السياسات في مجلس الاحتياطي الفيدرالي رغبة في مواصلة رفع أسعار الفائدة حتى مع خطر دفع الاقتصاد إلى الركود.

لكن الشيء اللافت أن اتجاهًا حديثًا تؤدي بموجبه الأخبار الاقتصادية الجيدة إلى انخفاض سوق الأسهم. من الناحية النظرية، سيكون الناتج المحلي الإجمالي الأعلى من المتوقع، أو البطالة الأقل من المتوقع، مفيدًا للاقتصاد وأرباح الشركات وسوق الأسهم. خلال الأوقات العادية وعلى المدى الطويل، هذا صحيح. لكننا رأينا العكس مؤخرًا.

لذا سنشرح في هذه المقالة سبب تحرك السوق بطرق غير متوقعة عندما نحصل على أخبار اقتصادية مهمة وإيجابية.

  1. قاتل الأسهم:

في حين أن كفاءة العمل وأرباح الشركات هي المحددات الرئيسية للاقتصاد وتقييم الأسهم، فإن أسعار الفائدة هي التي تسبب تحركات كبيرة على المدى القصير. هناك العديد من الأسباب لذلك، ولكن هناك سببان مهمان. أولاً تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى ارتفاع عائدات السندات، الأمر الذي يستنزف الأموال من سوق الأسهم ثم ينتقل إلى السندات. حيث يؤثر معدل الفائدة على العرض والطلب بين أدوات الاستثمار المختلفة وفي مستوى شهية المخاطرة ودرجة تفضيل مصادر الدخل الثابت.

مثال سيساعد في التوضيح. قبل عام كان عائد سندات الخزانة لأجل عامين يزيد قليلاً عن 0.2 بالمئة. هذا يعني أنك إذا اشتريت سندًا بقيمة 1000 دولار، فمن المتوقع أن تربح ما يزيد قليلاً عن دولارين في عامين. هذا ليس جذابًا، فهو أقل بكثير من مستوى التضخم، وقد أدى بالعديد من المستثمرين إلى الاستثمار في الأسهم بغض النظر عن التقييم. مما دفع أسعار الأسهم إلى الارتفاع بشكل كبير وتشكيل فقاعة سعرية مدفوعة بسيولة كبيرة خرجت عن السيطرة وأدت إلى معدلات تضخم قياسية تسببت بها سياسة التيسير الكمي التي اتبعتها البنوك المركزية خلال جائحك كوفيد 19.

حتى كتابة هذه السطور، العائد على نفس السند أعلى من 4 في المئة. هذا ما يقرب من 20 ضعف العائد منذ عام واحد فقط، الأمر الذي دفع إلى انخفاض شهية المخاطرة وحدوث نزوح في السيولة من سوق الأسهم إلى أسواق السندات وانفجار فقاعة الأسهم السعرية.

توضح المخططات المرفقة العلاقة العكسية ببن العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل سنتين ومؤشرات الأسهم الأميركية (ناسداك – داووجونز – اس &بي 500) منذ بداية العام الحالي حتى الآن.

Graphical user interface, chart, line chart

Description automatically generated

 

 

 

Chart, line chart

Description automatically generated

 

Graphical user interface, chart, line chart

Description automatically generated

Chart, line chart

Description automatically generated

 

  1. التقدير الخاطئ:

اعترفت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين بأن المسؤولين الاقتصاديين حول العالم أخطؤوا في تقدير شدة الموجة التضخمية الحالية واعتبروها مؤقته في حين أثبتت الوقائع العكس.

هذا التقدير الخاطئ دفع الفيدرالي الأميركي إلى أعنف موجة تشديد نقدي منذ التسعينات، حيث وصل معدل الفائدة الفيدرالية إلى 3,25 % وهو أعلى معدل منذ الأزمة المالية العالمية، مع تقديرات بوصولها إلى 4,5% بنهاية الربع الأول من العام القادم.

ما يعنيه كل هذا هو أن تصرفات الاحتياطي الفيدرالي، على المدى القصير، لها تأثير كبير على السوق. طالما أن التضخم مرتفع والبطالة منخفضة، فسيواصل الاحتياطي الفيدرالي زيادة معدلات الفائدة، وهو ما يتسبب في انخفاض سوق الأسهم. قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إنه على استعداد لقبول معدلات بطالة أعلى من أجل تقليل التضخم، ولكن من الواضح أنه وحكام بنك الاحتياطي الفيدرالي الآخرين قلقون بشأن التسبب في ركود أكثر أهمية من الركود الذي نشهده حاليا بالفعل.

لذلك، عندما نحصل على تقرير بطالة "جيد" يُظهر أن كل شخص تقريبًا في الولايات المتحدة يرغب في العمل لديه وظيفة، فهذا جيد للاقتصاد، ولكن هذا أيضًا يجعل من الممكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الاستمرار في رفع أسعار الفائدة. عندما نحصل على رقم إجمالي للناتج المحلي الإجمالي "جيد" يُظهر أن الإنتاجية لم تنخفض بقدر ما يُخشى، فهذا أيضًا مفيد للاقتصاد، ويسهل أيضًا على الاحتياطي الفيدرالي الاستمرار في رفع أسعار الفائدة.

يوضح المخطط المرفق التطور في معدل الفائدة الفيدرالية منذ بداية العام الحالي حتى الآن:

 

 

Chart, line chart

Description automatically generated

  1. فخ السيولة:

الأمران الوحيدان اللذان سيؤديان إلى توقف بنك الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة هما انخفاض كبير في التضخم، وهو ما لم نشهده بعد، أو الركود السيئ بدرجة كافية لدرجة أن الناس في واشنطن العاصمة. تتوقف عن الجدل حول ما إذا كان الركود هو الركود وتقبل أن الاقتصاد قد أصبح سيئًا.

نتيجة لذلك، عندما نحصل على أخبار اقتصادية "جيدة"، تخشى السوق من أن الاحتياطي الفيدرالي سيواصل رفع أسعار الفائدة، وهذا يؤدي إلى انخفاض تقييمات الأسهم. بسبب توقعات في مزيد من انخفاض سيولة الأسواق التي تشكل الدماء التي تجري في عروق الأسهم وعندما نحصل على أخبار اقتصادية "سيئة"، يبدأ السوق في تسعير تباطؤ في زيادات أسعار الفائدة ويبدأ في توقع متى سيعود الاحتياطي الفيدرالي إلى معدلات الفائدة المنخفضة مرة أخرى. وبالتالي ارتفاع معدل السيولة الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع مؤشرات السوق.

يوضح المخطط المرفق معدلات التضخم في الولايات المتحدة الأميركية منذ بداية العام الحالي حتى الآن:

Chart, bar chart

Description automatically generated

  1. الخلاصة:

دفعت أسواق الأسهم ثمنا باهظا لاستراتيجية قتل الطلب الفعال التي تتبعها البنوك المركزية وعلى رأسها الفيدرالي الأميركي بهدف امتصاص سيولة الأسواق لخفض تضخم الطلب من خلال استراتيجية تشديد نقدي عنيف أفقد أسواق الأسهم أحد أهم محركاتها ودون توقف حركة رفع الفائدة وعودة برامج التيسير النقدي من جديد بهدف تحفيز الأسواق فإن السوق الهابط سيستمر طويلا.