icon
التغطية الحية

سوريون يزرعون الفطر المحاري: مشاريع صغيرة تصطدم بالجهل وغياب الدعم

2023.12.19 | 07:13 دمشق

الفطر المحاري
سوريون يزرعون الفطر المحاري: مشاريع صغيرة تصطدم بالجهل وغياب الدعم
دمشق - حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

يعتبر الفطر المحاري نوعاً غذائياً مأكولاً منذ القدم لدى مختلف الشعوب في الصين واليابان ومصر القديمة، وعلى الرغم من كونه غير مألوف الشكل ومجهول القيمة الغذائية لدى السوريين، إلا أنّه مصدر مهم للبروتين استخدم في الحرب العالمية الثانية بوصفه "لحماً نباتياً".

شكل غريب لا يألفه السوريون:

لا يختلف الفطر المحاري كثيراً عن الفاكهة الاستوائية بالنسبة إلى السوريين؛ فكلاهما غير مألوف الشكل وغير مرغوب شرائياً؛ إذ يعرف السوريون الفطر الزراعي "فطر البيتزا"، على عكس الفطر المحاري الذي لا يعرفون أنه من أنواع الفطور المأكولة ولا يتوانون في السؤال عن اسمه عند رؤيته في الأسواق بالرغم من محتواه العالي من البروتين الذي يقارب محتوى البروتين في الفطر الزراعي "فطر البيتزا".

الفطر المحاري

تكاليف إنتاج بسيطة وربح جيد:

لا يحتاج البدء بمشروع إنتاج الفطر المحاري رأسمال كبير أو تمويلا ضخم؛ إذ يمكن البدء بمشروع صغير بقيمة 600 ألف ليرة سورية، فلا يتطلب المشروع أكثر من مكان رطب ومظلم، مثل أقبية الأبنية أو سقيفة المنزل مع شرط النظافة والتعقيم، وأكياس بلاستيكية شفافة مملوء بالقش المعقم أو نشارة الخشب، وبذار الفطر المحاري.

ويتراوح سعر كيلو القش (التبن) في السوق السوري بين 1000 و 1500 ليرة سورية، بينما يصل سعر ليتر البذار من الفطر المحاري إلى 15 ألف ليرة سورية.

وبلقاء لموقع تلفزيون سوريا مع أحد خريجي المعهد الزراعي العاملين في إنتاج الفطر المحاري، وهو ينحدر من منطقة الغوطة في ريف دمشق، أوضح لنا بعض تفاصيل الجدوى الاقتصادية وطريقة الإنتاج: "نشتري كيلو التبن بسعر 1200 ليرة سورية، بينما نشتري ليتر البذار بسعر يتراوح بين 13 ألف و15 ألف ليرة سورية حسب جهة البيع وعدد اللترات، وبعملية "نسبة وتناسب" فإننا نحتاج لكل 100 كيلو من الإنتاج إلى 3- 5 لترات من البذار تضاف إلى 95- 97 كيلو تبن (قش) جاف".

وبسؤاله عن الأرباح، أخبرنا: " يقدر الربح النهائي بضعفي تكاليف الإنتاج أو أكثر حسب توقيت البيع والقدرة على التسويق والتوزيع المباشر والسريع في الأسواق، أي إنّ نسبة الربح قد تصل إلى 200%".

ولا يتطلب إنتاج الفطر المحاري إلى خبرة فنية أو تخصص أكاديمي؛ إذ يمكن القيام به باكتساب معرفة جيدة بالخطوات البسيطة اللازمة وتوفير أدوات الإنتاج الرخيصة، ثم التطبيق مباشرةً.

الفطر المحاري

مشكلات التخزين وانعدام التسويق:

يظهر الاختلاف الأول للفطر المحاري بالمقارنة مع الفطر الزراعي في مشكلات التخزين؛ ففي الوقت الذي يمكن فيه حفظ الفطر الزراعي "فطر البيتزا" بالتبريد والتجفيف والتخليل، فإنّ التجارب على الفطر المحاري لتخليله لم تكن ناجحة بما يكفي لتطبيقها؛ ما يعني ضرورة توزيعه وبيعه في الأسواق في نفس يوم القطاف أو في اليوم التالي بأسوأ الحالات، إذ لا يمكن حفظه بالتبريد لأكثر من يومين أو ثلاثة. وقد تحايل بعض المنتجين على الكميات الكبيرة التي لم يتم بيعها بتجفيفها وطحنها على شكل بودرة لاستخدامها في "الشوربة سريعة التحضير".

يخبرنا أحد منتجي الفطر المحاري في منطقة صحنايا وهو مهندس زراعي وموظف حكومي: "بدأت فكرة المشروع من الحاجة إلى مصدر دخل إضافي؛ فراتب الموظف الحكومي لا يكفيه عدة أيام من بداية الشهر، ولكوني عملت سابقاً على مشروع تخرج في الفطر المحاري حينما كنت طالباً جامعياً، قررت استثمار الفكرة بتحويل قبو البناء بعد طلب الإذن من الجيران، إلى مزرعة فطر محاري مصغرة، وقد بدأت برأس مال مليون ونصف في حينها، ونجحت الفكرة بتسويق الإنتاج المقطوف على محلات بيع الخضروات في منطقتي وفي دمشق، وعلى الرغم من نجاح الفكرة إلا أن الربح لم يكن كما توقعت إذ ترتبت عليّ تكاليف إضافية لم تكن في الحسبان وهي تكاليف نقل الإنتاج إلى محلات وسط دمشق باستئجار سيارة خاصّة".

الفطر المحاري

أما (سليمان.ع) فهو شاب حاصل على شهادة الماجستير من قسم المحاصيل الحقلية في كلية الزراعة، أخبرنا في حديثه لموقع تلفزيون سوريا عن تحوله من إنتاج الفطر المحاري إلى إكثار بذار الفطر المحاري، يقول: "يحتاج الفطر المحاري إلى تأمين التسويق قبل البدء بالإنتاج وقبل التفكير بالمشروع أصلاً؛ أي تأمين المشتري قبل قطف الإنتاج، إذ يواجه معظم المزارعين مشكلة عدم البيع بعد القطاف ما يعني كساد كميات كبيرة منه وخسارة كبيرة في المشروع؛ ونظراً لكونه من الفطور غير المعروفة في الأسواق السورية بما يكفي فإن التسويق له وإقناع الناس أو أصحاب محلات الخضروات بشرائه هو أمر صعب للغاية، الأمر الذي دفعني إلى التحول إلى إنتاج البذار بدلاً من الثمار، إذ كنت أقوم بعملية الإكثار على بذار القمح الميتة (غير المُنتِشة) ثم حفظها في عبوات زجاجية بسعة ليتر للزجاجة الواحدة، وبيعها للصيدليات الزراعية في دمشق والمنتجين في الريف".

مشكلات تواجه المنتجين:

على الرغم من أنّ المقبلين على تنفيذ مشاريع الفطر المحاري، هم من عامة الناس، من مزارعين وطلاب جامعيين وخريجين وحتى من ربات البيوت الطامحات إلى مشاريع اقتصادية بتكاليف قليلة وبأيادٍ نسوية، إلا أنّ المشكلات التي تواجههم قد تتسبب بفشل المشروع بأكمله، وهي مشكلات يمكن تلخيصها وفق الآتي:

  • غياب الدعم الحكومي لمشاريع الفطر المحاري الاقتصادية على الرغم من العدد الكبير من الأبحاث الأكاديمية المتعلقة به؛ وهذا يظهر الفجوة الكبيرة بين الدراسات الأكاديمية وسوق العمل، يتابع المهندس الزراعي (سليمان.ع) حديثه لموقع تلفزيون سوريا، وعن هذه الفجوة يقول: "تدعم كليات الزراعة في الجامعات السورية مشاريع التخرج ورسائل الماجستير المتعلقة بموضوع الفطر المحاري، بل وتسعى إلى تحفيز الطلاب لإجراء أبحاث متعلقة بطرق الإكثار وأوساط الإنتاج والمعاملات الكيميائية لها؛ وهي أبحاث لا تتجاوز الدراسة النظرية مع تجربة على عينات بسيطة دون جدوى اقتصادية ودون التعامل مع واقع السوق السورية، وهو ما يصطدم به الطلاب عند محاولتهم تنفيذ المشاريع الزراعية بصورة عامة، ومشاريع الفطر على وجه الخصوص".
  • الحاجة إلى التسويق قبل بدء الإنتاج، فإيجاد المشتري في حالة الفطر المحاري أولوية قبل البدء بتنفيذ المشروع.
  • عدم القدرة على تخزينه بالتخليل، وبالتالي انعدام تصديره إلى دول أخرى، وحصر توزيعه في السوق المحلية والمناطق القريبة من مزارع الإنتاج.
  • جهل الناس بقيمته الاقتصادية (الغذائية والطبية والصناعية) وإعراضهم عن شرائه في معظم الحالات.
  • وجود البذار (الأبواغ) يقتصر على بعض الصيدليات الزراعية والجهات الحكومية مثل مؤسسات البذار البعيدة عادةً عن أماكن وجود المنتجين.

وزارة زراعة النظام غائبة عن المشهد:

انتشرت في الأعوام الأخيرة، ورشات ومحاضرات تعريفية بالفطر المحاري وقيمته الغذائية وطريقة إنتاجه؛ وكانت هذه الورشات في معظمها بإشراف فِرق تطوعية من داخل كلية الزراعة في جامعة دمشق، وبإشراف جهات داعمة للمبادرات الفردية لهؤلاء الطلاب.

وقد أٌقيمت دورات تدريبية في غرفة زراعة دمشق تحت طلب إحدى الفرق الطلابية التطوعية وكان الهدف منها نقل المعرفة لأشخاص من مختلف الاختصاصات والمستويات التعليمية.

(هبة الله.ش) هي امرأة في الثامنة والثلاثين من عمرها ولديها طفلان، تنحدر من منطقة القلمون في ريف دمشق، كانت من المبادرين إلى البدء بمشروع صغير بمساعدة زوجها وأخيها، تقول هبة الله في لقاء مع موقع تلفزيون سوريا: "بدأ الأمر برؤية منشور على الفيسبوك وهو إعلان لدورة تدريبية برسوم رمزية آنذاك في غرفة زراعة دمشق، وقد اكتشفت لاحقاً أنّ القائمين على هذه الدورة هم من الطلاب غير الخريجين، وقد التزمت بحضور جميع جلسات الدورة ولا سيّما أنهم قدموا لنا وسائل الإنتاج (كيس القش، وعبوة صغيرة من البذار والقطن) من أجل إجراء تجربة عملية بسيطة في بيوتنا بعد شرح الطريقة بشكل تفصيلي".

وقد انتقلت هبة الله بعد هذه الدورة إلى بدء مشروع حقيقي في غرفة "تحت الدرج" في منزلها، وقد استطاع زوجها بيع كمية الإنتاج كاملةً بعد القطاف وهو ما دفعها إلى الاستمرار في المشروع لمدة عامين قبل التوقف بسبب انتقال مكان سكنها. تقول: "تحتاج عملية الإنتاج كاملةً إلى ما يقارب 34 يوماً، واستمريت في المشروع لمدة عامين تقريباً، وقد منحني هذا المشروع شعوراً عظيماً ولا سيما عندما أرى الثمار قد بدأت بالخروج من فتحات الأكياس!".

الفطر المحاري

والجدير بالذكر أن هيئة التقانة الحيوية؛ وهي جهة بحثية بتعاون هندي-سوري، تم افتتاحها في حرم كلية الزراعة في دمشق عام 2003، تقوم بمشاريع بحثية على إنتاج الفطر المحاري دون القدرة على تسويقه في السوق السورية بشكل صحيح، كما تقوم الهيئة التي تعد جهة بحثية مرتبطة بوزارة تعليم النظام؛ ببيع بذار الفطر المحاري للمنتجين وإقامة دورات تدريبية برسوم مرتفعة جداً (نصف مليون ليرة سورية!) حول إنتاج الفطر المحاري.

أما عن تمويل المشاريع الناشئة في هذا المجال، فلم تقم وزارة زراعة النظام بأي مبادرة حتى الآن لدعم هذه المشاريع أو تمويلها، بل اكتفت ببعض الاجتماعات المغلقة في الهيئات البحثية والورشات التعريفية التي لا تتجاوز بضع ساعات في غرف الزراعة، مع بقاء الفجوة بين الدراسات النظرية والواقع الاقتصادي والتسويقي.

وتقتصر المبادرات الحقيقية على الجهات الخاصة مثل المؤسسات المجتمعية التي تحمل على عاتقها تمويل المشاريع الصغيرة مقابل تقديم صاحب المشروع جدوى اقتصادية حقيقية وإبداء رغبة بتنفيذ مشروعه والعمل عليه، وعادةً ما تكون عملية الدعم أو التمويل بشروط صعبة بعض الشيء لضمان كفاءتها.