سوريا ودينامية المحاور.. شروط السعودية وتصعيد إسرائيل

2023.03.23 | 07:16 دمشق

سوريا ودينامية المحاور.. شروط السعودية وتصعيد إسرائيل
+A
حجم الخط
-A

على هامش المسارات الإيجابية التي تلف المنطقة منذ أسابيع، كان لافتاً الحديث عن ليونة سعودية تجاه النظام السوري، وغزل سوري تجاه المملكة، في محاولة من النظام لكسر حلقات العزلة العربية والإقليمية عنه، وهذا المؤشر تزامن مع ما نشر منذ أيام في صحيفة خليجية عن لقاء ضم ماهر الأسد مع مسؤولين سعوديين في الرياض، وهذه الزيارة في حال حصولها تأتي في لحظة إقليمية داهمة ومتسارعة وعنوانها ترقب إعادة تشكيل النظام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، مع دخول العنصر الصيني إلى المعادلة السياسية.

وزيارة الأسد أو أي مسؤول سوري إلى الرياض يحمل الأطراف المراقبة في المنطقة على قراءة هذا المسار على أنه قبول سوري على بعض الشروط التي قدمتها السعودية للنظام لإعادة الاعتراف به عربياً وخليجياً، ووسط ما تسرب من معلومات عن لقاءات مسؤولين في النظام مع نظرائهم في الرياض، عن تعهد سوري للسعوديين بشكل شفوي على جاهزية النظام في وقف عمليات تهريب المخدرات والتي باتت سوريا منطلقها الأساسي باتجاه دول الخليج وتحديداً السعودية، على اعتبار أن النظام بات يعتاش على أرباح هذه التجارة، مقابل تأمين مداخيل مالية أخرى للنظام المتآكل عبر مشاريع دعم القطاع العام والأجهزة الأمنية.

لا يعول العديد من الأطراف على أي إيجابية استراتيجية بسبب التجارب المريرة والمليئة بالتنصل والكذب من بشار وكل أركان نظامه

وثمة من يضع أي زيارة متبادلة بين الرياض ودمشق، في خانة مناقشة شكل المرحلة السياسية القادمة في سوريا انطلاقاً من حاجة النظام لإظهار البراغماتية في ملفات المشاركة السياسية والمعتقلين ومصير المعارضة المسلحة والمدنية، وهذا السياق ترجمه حديث الأسد الإيجابي تجاه الرياض في أثناء استدعائه لموسكو منذ أيام وإظهاره إيجابية تجاه الطروحات العربية والتي سمعها من مسؤولين عرب عن ضرورة فتح ثغرة تجاه المعارضة السياسية، في حين لا يعول العديد من الأطراف على أي إيجابية استراتيجية بسبب التجارب المريرة والمليئة بالتنصل والكذب من بشار وكل أركان نظامه.

بالتوازي كان لافتاً الموقف السعودي والقطري حيال لبنان منذ أيام والمرتبط بشكل فعلي بقطع أي طريق محتمل لعودة النظام السوري إلى لبنان بأشكال مختلفة، وتجلى هذا الموقف أولاً بالاجتماع الفرنسي-السعودي منذ أيام حيال رئاسة جمهورية لبنان، لمنع أي مقايضة تأتي بسليمان فرنجية إلى الرئاسة، والقول إن الاتفاق السعودي-الإيراني والمحادثات الاستكشافية بين الرياض ودمشق لا يعني بتاتاً القبول بتمرير وصول فرنجية وذلك منعاً لتسلل الأسد إلى لبنان عبر صديقه وإفشال كل المساعي والتحركات والتي تهدف لوضع لبنان على سكة التعافي المالي والاقتصادي والتي لا طاقة "لمحور المفلسين" عليه بأي شكل من الأشكال.

وثانيا خلال جولة الموفد القطري لبيروت ولقائه الكتل البرلمانية والقوى الفاعلة ومرشحين محتملين لرئاستي الجمهورية والحكومة دون أن تشمل الجولة فرنجية أو كتلته، ما يعطي إشارة إلى أن الدوحة ثابتة في موقفها تجاه رفضها منح الأسد هدية جديدة في لبنان على حساب المصلحة اللبنانية والعربية.

وعلى عكس ما باتت تعتقده أطراف لبنانية وعربية أن الاتفاق السعودي-الإيراني سيحمل معه تنازلات في لبنان وسوريا واليمن، ظهر عكسه في الأسبوع الأول للاتفاق مع زيارة موفد عماني إلى بيروت ولقائه حزب الله لمناقشة ما خلص إليه الاتفاق في بكين حول انسحاب عناصر الحزب وخبرائه من المناطق اليمينة تمهيداً لانطلاق ورشة جديدة من المسار السياسي والاجتماعي في اليمن، إضافة إلى أن الموفد ناقش مع نصرالله بشكل جدي انكفاءه التدريجي من سوريا وتحديداً من مناطق الجنوب السوري لفتح الباب أمام وجود عربي كثيف في سوريا وتحويل النقاشات إلى أفعال، وهذا ما ربطه نصرالله بطلب النظام وليس بقرار ذاتي من الحزب.

وفي الواقع السعودية وقطر تقاربان الأزمة الرئاسية في لبنان والحل السياسي في سوريا من منظار الصراع العريض مع إيران وتوازناته في المنطقة بألا يشكّل ترسيخ نقاط متقدمة وثابتة لصالح طهران والحرس الثوري على الرغم من الحوار القائم،

في حين الجانب الأميركي ينظر له من زاوية أبعد وأشمل متعلقة بموقع الساحل السوري واللبناني في الصراع المحتدم والدائر مع الوجود الروسي والنفوذ الإيراني، والذي أصبح شريكاً عسكرياً لروسيا في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط أيضاً مع السماح لطهران بتشغيل منظومة دفاع صاروخي في سوريا خلال أشهر قادمة.

وربطاً بهذا الأداء والصراع، بدا واضحاً في كلام بشار الأسد خلال وجوده في موسكو تركيزه على نقطتين: الأولى أظهرت تشدداً في موضوع انسحاب تركيا الكامل من سوريا قبل فتح قنوات التحاور مع أردوغان، وهو ما يعني تفاهماً كاملاً مع إيران لجهة قطع الطريق على دور تركي مهمته مواجهة نفوذ إيران في سوريا، وفي الوقت نفسه انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية التركية المنتظرة في أيار القادم.

في حين أن النقطة الأهم حديث رأس النظام عن تأييد نظامه لتوسيع موسكو لوجودها العسكري في سوريا من خلال قواعدها البحرية والجوية والنقاط البرية، ما يسمح لبوتين ونظامه بتعزيز مراقبته لجزء كبير من الحركة البحرية في البحر المتوسط، إضافة إلى رصد لجانب أساسي من الحركة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، وفي هذا الجانب أيضا ترجمة للشراكة العسكرية الإيرانية - الروسية. وهو ما يعني تشدد أميركي مقابل تجاه قطع أي طريق على حضور روسي- إيراني في الساحل اللبناني ولو بشكل غير معلن.

هذه اللقاءات هدفها توحيد الموقف والصفوف، وترتيب الوضع في البيت الداخلي لفصائل إيران الإقليمية، لمواكبة أي جديد يمكن أن تشهده منطقة الشرق الأوسط

لكن وأمام تلك المعطيات هناك من يركز في مقارباته على خطورة الداخل الإسرائيلي وتحديداً إيران وتركيا، وثمة معطيات جدية تؤكد أن لقاءات نصرالله مع أمين عام حركة الجهاد زياد النخالة ونائب رئيس حركة حماس صالح العاروري تهدف لإطلاق غرفة العمليات المشتركة بين الحزب والجهاد وحماس، إضافة للحرس الثوري الإيراني، وهذا التطور ينطوي على مواكبة حثيثة لكل التطورات الحاصلة في الضفة والداخل الإسرائيلي إضافة للأزمة السياسية التي تواجه حكومة اليمين الفاشي بقيادة نتنياهو.

وهذه اللقاءات هدفها توحيد الموقف والصفوف، وترتيب الوضع في البيت الداخلي لفصائل إيران الإقليمية، لمواكبة أي جديد يمكن أن تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتحضر لأي محاولة إسرائيلية للهروب من الأزمة الداخلية بالتوجه نحو ضربات للبنان وإيران وسوريا وقطاع غزة لاحتمال لجوئها إلى الخارج للالتفاف على الأزمة الداخلية.

كذلك لا يمكن فصل الإعلان الإسرائيلي عن حادثة التسلل لعنصر حزب الله للداخل وتفجير العبوة والتعامل السياسي المبالغ معها، بالإضافة لعملية الاغتيال المباشر للقيادي الأمني في حركة الجهاد علي الأسود وسط دمشق بعملية نوعية فتحت الباب أمام تساؤلات حول أداء الأمن السوري وتعدد ولاءاته والخرق الإسرائيلي لأكثر المناطق حساسية في العاصمة السورية، وعليه فإن سقف المواجهة مستمر وسيبقى مسرحه الرئيسي هو سوريا.