ستبقى فاغنر حاجة لروسيا

2023.09.02 | 07:35 دمشق

ستبقى فاغنر حاجة لروسيا
+A
حجم الخط
-A

منذ التمرد القصير الذي قادته مجموعة فاغنر في روسيا، برزت الكثير من التساؤلات حول مستقبل المجموعة والدور القتالي الذي تقوم به بالوكالة عن روسيا في عدد من الدول خصوصاً أنه في الفترة التي أعقبت التمرد وحتى مقتل زعيم المجموعة يفغيني بريغوجين، لم تُقيد السلطات الروسية بشكل كامل تحرّكات بريغوجين، كما لم يطرأ تغيير كبير على عمل فاغنر في الدول التي تنشط بها. مع أن مقتل بريغوجين بعد شهرين من التمرد أجاب بشكل حاسم عن التساؤلات حول مستقبل علاقته بالكرملين، إلا أن رحيله لا يعني أن الرئيس فلاديمير بوتين لم يعد بحاجة إلى فاغنر ودورها المهم لروسيا في عدد من المناطق الساخنة مثل أوكرانيا وسوريا وليبيا وبعض البلدان الأفريقية. في الواقع، ما يزال هذا الدور مهماً في استراتيجية بوتين من حيث التغطية على الانخراط الروسي في بعض الصراعات التي لا ترغب موسكو في إظهار حضورها فيها لأسباب مُتعددة، وكذلك من حيث الحاجة إلى تجنيد المقاتلين وإرسالهم إلى الجبهات الساخنة مثل الحرب في أوكرانيا.

تُظهر التحركات الروسية بعد تمرد فاغنر من تقديم عروض لمقاتلي المجموعة بتوقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية إلى زيارات المسؤولين الروس إلى الدول التي تنشط بها فاغنر كليبيا وسوريا أن موسكو عازمة على السيطرة على نشاط المجموعة وجعلها مرتبطة بشكل وثيق بوزارة الدفاع الروسية. على مدى السنوات الماضية، منح دور مرتزقة فاغنر فرصة لروسيا لتعزيز عملياتها العسكرية في سوريا وإيجاد موطئ قدم لها في بعض الصراعات الأخرى مثل ليبيا والسودان ومالي وأفريقيا الوسطى دون الحاجة إلى إظهار انخراط مُعلن فيها. في سوريا، فإن استعانة روسيا بمقاتلي فاغنر رغم انخراط موسكو العلني في الحرب بعد عام 2015 له ما يُفسّره. في حين أن الانخراط العسكري الروسي اقتصر بشكل رئيسي على القوة الجوية، فإن الدور القتالي لفاغنر على الأرض ساعد الجيش الروسي في تجنب نشر قوات قتالية على الجبهة لتجنب الخسائر البشرية وتخصيص موارد قتالية برية.

لقد كان دور فاغنر في هذه الدول مفيداً لروسيا من حيث المكاسب والتكاليف الأقل، حيث ساعد روسيا في التأثير على مسار هذه الصراعات دون الحاجة إلى تحمل التكاليف السياسية للانخراط المُعلن فيها أو حتى التكاليف المادية

لكن استعانة روسيا بفاغنر في ليبيا منذ عام 2019 يبدو مختلفاً من حيث الأسباب والأهداف. لأن مجلس الأمن الدولي فرض حظراً على توريد الأسلحة إلى ليبيا ولأنّ الحكومة التي كانت تُدير المناطق الخاضعة لسيطرة الجنرال خليفة حفتر في الشرق لم يكن مُعترفاً بها دولياً، فإن موسكو لجأت إلى فاغنر للتغطية على انخراطها العسكري في الصراع ودعمها لحفتر. وفي الصراع السوداني الراهن، هناك انخراط لفاغنر في دعم تمرد قوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال حميدتي ضد الجيش. علاقة فاغنر بـ حميدتي ليست وليدة الصراع الراهن في السودان، بل ترجع إلى التعاون بين الطرفين في إرسال المقاتلين والمرتزقة إلى ليبيا لدعم حفتر. لقد كان دور فاغنر في هذه الدول مفيداً لروسيا من حيث المكاسب والتكاليف الأقل، حيث ساعد روسيا في التأثير على مسار هذه الصراعات دون الحاجة إلى تحمل التكاليف السياسية للانخراط المُعلن فيها أو حتى التكاليف المادية. وفي المقابل، جنت فاغنر مكاسب هذا الدور من خلال العوائد التي جنتها من تأمين حقول النفط التي استعادها النظام في سوريا وكذلك حقول النفط في مناطق سيطرة حفتر في ليبيا فضلاً عن تقاسم عوائد مناجم الذهب التي يُسيطر عليها حميدتي في السودان.

بالنظر إلى الفوائد الجيوسياسية الكبيرة التي حققتها روسيا من وراء دور فاغنر في ليبيا والسودان ودول الساحل الأفريقي، فإن الحفاظ على دور هذه المجموعة سواء كان ذلك بإعادة تأهيل فاغنر أو ضم مقاتليها إلى شركات الأمن الخاصة الأخرى التي تُشرف عليها فعلياً وزارة الدفاع الروسية. وفي سوريا أيضاً، سيبقى وجود فاغنر حاجة لروسيا رغم أن استقرار الصراع نسبياً لم يعد يستدعي اليوم تخصيص الكثير من الموارد العسكرية لروسيا في البلاد. مع ذلك، فإن بعض الأدوار التي لعبتها فاغنر في سوريا في المواجهة مع القوات الأميركية التي تُسيطر على شمال شرقي روسيا على غرار التقدم الذي قامت به المجموعة نحو المواقع التي يُسيطر عليها الجنود الأمريكيون قرب دير الزور في عام 2018 تُظهر أنها ما تزال حاجة لروسيا رغم أن الميليشيات الموالية لإيران تلعب الدور الأكبر في الوقت الحالي في الضغط على الوجود العسكري الأميركي هناك.

بوتين يعمل على استثمار هذا التمرد ليس من أجل الحد من دور هذه الشركات بل لتعزيز سيطرة الدولة عليها

على الرغم من الأضرار المعنوية الكبيرة التي ألحقها تمرد فاغنر بنظام الرئيس فلاديمير بوتين، والمخاطر التي كشفتها على صعيد النفوذ المتزايد لشركات الأمن الخاصة عموماً، إلا أن بوتين يعمل على استثمار هذا التمرد ليس من أجل الحد من دور هذه الشركات بل لتعزيز سيطرة الدولة عليها. وفيما يتعلق بحالة فاغنر، فإن عملية الحفاظ على هذه المجموعة ككيان مع تعيين قادة جدد لها أكثر ولاءً للكرملين، أو دمج مقاتليها بالجيش أو شركات الأمن الخاصة الأخرى، تنطوي على مخاطر ضعف الدور الذي تقوم به المجموعة في الوقت الراهن خصوصاً في بعض المناطق الساخنة مثل أوكرانيا والدول الأفريقية. لذلك، سيلجأ بوتين إلى سياسة النفس الطويل في التعامل مع حالة فاغنر بعد مقتل بريغوجين من دون التأثير على نشاطها في تلك الدول.