سؤال الغوطة الكبير

2018.03.04 | 16:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

سألني صديق يقطن في الغوطة الشرقية، إلى أين تتجه الأمور في رأيك؟.. قلت له، ببساطة، "أنتم من سيقرر إلى أين ستذهب الأمور".

قد يكون سؤال الغوطة الكبير، الذي يشغل تفكير المراقبين للتطورات في شرق دمشق: هل ستكرر الغوطة تجربة شرقي حلب؟

وتنقسم الإجابات في اتجاهين، كل اتجاه يستشهد بمؤشرات تؤكد وجهة نظره. فأولئك الذين يعتقدون أن الغوطة لن تكون حلب ثانية، يؤكدون أن مقومات الصمود المتاحة لفصائل الغوطة، ولمدنييها، أكبر بكثير من تلك التي كانت متاحة في حالة شرقي حلب. وفي الاتجاه نفسه، يتحدث البعض بتفاؤل عن تعاظم الضغوط الغربية على الروس، ويغمز أحدهم من قناة وصول حاملة طائرات أمريكية إلى المتوسط، رغم أن الأخيرة وصلت إلى المنطقة في إطار مناورات مشتركة مع الإسرائيليين، محددة الموعد سلفاً، وتجري للمرة التاسعة منذ العام 2001. لكن تزامن وصول حاملة الطائرات تلك، مع تصريحات أمريكية وأوروبية داعية لمعاقبة الأسد لاستخدامه الكيماوي، رفع من رهان البعض على تدخل غربي، أو تلويح بتدخل، قد يلجم الهجمة على الغوطة.

في هذه الأثناء، لا يبدو أن الأمريكيين قريبون من أي تحرك عسكري جاد. فهاهم يفتتحون حراكاً دبلوماسياً جديداً في مجلس الأمن، لإقرار مشروعي قرارين دوليين، أحدهما بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بهدف إعادة إحياء التحقيق الدولي بخصوص استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، ومعاقبة الفاعلين. قراران من المرتقب أن تعرقلهما روسيا مجدداً، بالفيتو، إن لم يقبل الغرب إجراء تعديلات جوهرية في بنودهما، كالعادة.

هذا الحراك الدبلوماسي الأمريكي، الذي سيخوض معارك تفاوضية ماراتونية قد تدوم لأسابيع مع الروس، وقد يُجهض في نهاية المطاف، بفيتو روسي جديد، إنما يؤكد أن الأمريكيين يراهنون بصورة رئيسية على القوة الناعمة، في صراعهم البارد مع الروس والإيرانيين، في سوريا. وأنهم يريدون فقط تسجيل النقاط على الروس، لإحراجهم في مجلس الأمن، أو توريطهم في قرارات دولية، ضعيفة، على المدى المتوسط، لكن لها تداعياتها على المدى البعيد. وهكذا يبدو حراك الأمريكيين في مجلس الأمن، حراكاً بارداً جداً، مقارنة بسخونة المعركة في الغوطة.

هل يعني ذلك أن الأمريكيين، لا تعنيهم الغوطة؟.. أيضاً، من سيقرر الإجابة على ذلك، هم أولئك القابعون في الغوطة ذاتها، من مدنيين، وفصائل مقاتلة. فالغوطة، لا تملك قيمة استراتيجية ملحة في أجندات الأمريكيين، في الوقت الراهن. لكن أولئك القابعين في الغوطة، قد يفرضونها على أجندات الأمريكيين، حتى ولو على مضض من الأمريكيين أنفسهم.

الأمريكيون يحترمون القوي، ويعقدون معه الصفقات، وإن كان بينهم وبينه خلافات، فهم مستعدون للتفاوض معه، لحلها، أما إن كانت بينهم وبينه مصالح مشتركة، فأهمية التحالف معه تزداد. في حالة الغوطة، فإن صمود الفصائل المقاتلة، والمدنيين، وتحوّل الغوطة إلى غصّة في حلق بوتين، قبيل الانتخابات الرئاسية في روسيا، سيرفع من أسهمها في نظر الأمريكيين. ويجعلها ذات قيمة استراتيجية أكبر. وترتيب تفاهمات وعلاقات وطيدة مع فصائلها المسلحة، سيكون في قائمة أجندات الأمريكيين، حينها، دون شك.

"القرار لم يُحترم من أحد. لا من الأتراك شمالاً، ولا من الروس والإيرانيين والأسد في الغوطة. لكن، معدل الخسائر البشرية في أوساط المدنيين، أصبح أقل نسبياً، مقابل تصاعد محاولات التوغل البرّي للنظام داخل الغوطة."

يهتم الأمريكيون بإحراج بوتين، وهو يخوض أسابيعه الأخيرة، من حملته الانتخابية الرئاسية. لكن ذلك لا يهمهم إلى الدرجة التي تدفعهم للتدخل العسكري المباشر، والاقتراب من مخاطرة التصادم مع الروس. لذلك، لا يمكن لأحد أن يراهن على تدخل أمريكي مباشر من أجل الغوطة، إلا في حالة واحدة فقط، أن تحصل مجزرة كبرى، جراء استخدام الكيماوي، تحديداً، على غرار ما حدث في العام 2013.

وكلما ارتفع حجم الخسائر البشرية في الغوطة، من المدنيين، كلما ازدادت الضغوط على الروس، وكلما أصبح الأمريكيون أقرب للتدخل المباشر. لذلك نلاحظ أن عدّاد القتلى اليومي انخفض نسبياً، في الغوطة، بعد صدور القرار الدولي الأخير، 2401، الذي نص على ترتيب هدنة في كامل الأراضي السورية.

القرار لم يُحترم من أحد. لا من الأتراك شمالاً، ولا من الروس والإيرانيين والأسد في الغوطة. لكن، معدل الخسائر البشرية في أوساط المدنيين، أصبح أقل نسبياً، مقابل تصاعد محاولات التوغل البرّي للنظام داخل الغوطة. أي أن النظام والروس، خففوا من وتيرة القصف العشوائي، الذي كان يهدف أساساً إلى تحطيم معنويات الحاضنة الشعبية للفصائل المسلحة، ودفعها للضغط على مقاتليها وقياداتها، باتجاه الوصول إلى تسوية، أياً كان الثمن. تخفيف وتيرة القصف العشوائي، كانت نتيجة للقرار الدولي. وفي المقابل، بات النظام مضطراً، بغطاء جوي روسي، لأن يُوغل برياً في الغوطة، وينتقل من القصف العشوائي إلى القصف المركز على الجبهات التي يتم فيها القتال المباشر.

وحتى الآن، لم تنجح هدنة الساعات الخمس، التي أعلنتها روسيا، في دفع المدنيين للنزوح. وهنا يطرح البعض سيناريو محتملاً بقوة. أن يكثّف الروس من جديد، استراتيجية القصف العشوائي على المدنيين، خارج ساعات الهدنة الخمس، كي يدفعوا بالمدنيين، في نهاية المطاف، إلى النزوح خلال ساعات الهدنة. لكن ذلك سيتطلب رفع عدّاد القتلى المدنيين، من جديد، وتصاعد الضغوط على الروس دولياً، بالتزامن مع موعد مراجعة تنفيذ القرار الدولي، 2401، الأسبوع القادم. الأمر الذي سيعرض الروس لضغوط شديدة. يأتي ذلك بالتزامن أيضاً، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في روسيا، التي ستجري منتصف الشهر الجاري، والتي لا بد أن بوتين، لا يحبذ خوضها، وصور القتلى المدنيين، المؤلمة، تملأ وسائل الإعلام والتواصل، حول العالم.

لذلك من المرجح أن يراهن الروس، في الأيام القليلة القادمة، على تحقيق توغل برّي نوعي داخل الغوطة، بدلاً من استراتيجية القصف العشوائي، التي تسيء للغاية، لصورة روسيا، دولياً.

في الساعات الأخيرة، سُجل تراجع ميداني نوعي، لفصائل المعارضة، في الشيفونية، بالغوطة. لكن ما يزال من المبكر الجزم بمسار المعارك الميدانية. فالمنطقة مرشحة، وبامتياز، لأن تكون وكر استنزاف مكثّف لمقاتلي النظام والميليشيات الداعمة له.

وباختصار، سيقرر أهالي الغوطة، وفصائلها، مصيرها، وربما مصير جزء كبير من مستقبل سوريا. فصمودهم، وقدرتهم على صد توغل النظام، وإفشال الهجمة الراهنة، سيمثّل خسارة نوعية لنظام الأسد وحليفيه الإيراني والروسي. وسيمثّل صفعة قاسية لـ بوتين، قبيل الانتخابات في بلاده. وسيرفع من أسهم فصائل الغوطة، في حسابات الداعم الغربي، وحلفائه الإقليميين.

أما خلاف ذلك، فهو يعني انعطافة نوعية جديدة، باتجاه تصفية الحراك المعارض المسلح، وحاضنته الشعبية، لصالح مشهدين رئيسيين في سوريا، الأسد وحليفيه الإيراني والروسي، والأكراد وحليفهم الأمريكي.