زيارة الأسد للصين رحلةٌ يكتنفها الغموض

2023.09.28 | 06:48 دمشق

آخر تحديث: 28.09.2023 | 10:59 دمشق

زيارة الأسد إلى الصين رحلةٌ يكتنفها الغموض
+A
حجم الخط
-A

من الطبيعي القول إن رئيساً لدولة ما منتخباً بطريقة ديمقراطية معترفاً به على الأقل من قبل ثلث الجماهير ”على عكس ما تخبرنا به صناديق الاقتراع، تموج في ساحات بلاده الفوضى والاحتجاجات، يخرج إليهم زوراً كالمعتاد لإيجاد حلول شكلية أو إلقاء خطاب مع ابتسامة فاقعة تحمل في إيحاءاتها احتقاراً للسوريين، وأنه القائد المنتصر دوماً على عذابات الشعب وآلامه، لكنه في هذه المرة وكالمعتاد اختار التجاهل والاختباء والتواري عن الأنظار فقد تلقّى درساً قاسياً في آخر خطاب له الذي جاء بنتائج عكسية، فها هي احتجاجات السويداء قد دخلت في شهرها الثاني على التوالي ولا يبدو أن هناك ثمّة عودة عن المطالب المشروعة، وأن الاعتصامات لا رجعة عنها فقد توقفت إحدى أنجع الحلول التي طبقها الأسد على باقي الجغرافيا السورية منذ اندلاع ثورة 2011 ولم يستطع حتى الاقتراب من السويداء على اعتبارها إحدى أبرز الأقليات التي لطالما تبجّح بحمايتها طيلة سنين الحرب.

الأسد لن يغامر بخطاب آخر فقد تكون إحدى مدن الساحل رديفة لاحتجاجات السويداء، ولربما ظنّ من بقي من الأشدّ مولاة للأسد أنه قد يخبئ لهم حلاً جذرياً فريداً ينتشلهم من الفقر وشظف العيش، لكنه في هذه المرة تجاوز حدود العقل وفاق كل التوقعات، فالأسد ذهب إلى الصين لحضور دورة الألعاب الأولمبية على متن الطائرة الصينية علّه يجد في بكين مخرجاً للأزمة الجديدة التي أثقلت كاهله وأعمت بصيرته عن أي حل حتى اللحظة.

زيارة الأسد للصين هي الأولى منذ اندلاع الحرب السورية سبقتها زيارته لروسيا أولاً ثم إيران، ما قد يعطي ذلك الترتيب دلالات على قوة الحليف ومدى تغوّله في مفاصل الدولة ومدى قدرته على الاستحواذ على مقدرات البلاد لكن لهذه الزيارة حيثيات مهمة سأقوم بذكرها على عجالة:

1-   الفوضى الأمنية في الحسكة وهيمنة القرار الروسي كلياً على الأحداث.

2- التوتر الحاصل بين الحليف الإيراني والروسي من جهة والنظام من جهة أخرى الأمر الذي دفع بالأسد للهروب إلى الحليف الثالث للحصول على مزيد من الدعم والشرعية.

3- بعد العزوف العربي عن تقديم الدعم للأسد وتوقف عجلة التطبيع كلياً إلى غير رجعة خاصة بعد التصريح الأخير للعاهل الأردني في نيويورك: "إن الأسد لا يسيطر على الأراضي السورية وإن احتجاجات الجنوب أعادت الربيع العربي إلى بدايته في سوريا"، هذا التصريح الأول من نوعه للملك الأردني بعد التوترات الأمنية الأخيرة قد يترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام عمليات عسكرية أخرى.

4- في شهر يناير من العام 2022 وقع الأسد على وثيقة الانضمام لمبادرة الحزام والطريق الصينية التي شكّلت تحديات جيوسياسية لمبادرة طريق التوابل الغربية التي تهدف إلى ربط الهند بأوروبا والشرق الأوسط، ما قد يجعل الأسد في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.

5- النظام السوري والصين يشتركان في العزلة والضغوط التي تمارسها عليهم الدول الغربية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

ما تم ذكره من الوقائع السابقة بمكن القول إن زعيم المنظومة القمعية قد يبدو أكثر قوة خاصة بعد اصطحابه السيدة الأولى وجه الديكتاتورية الناعم، لكن مراسم الاستقبال الجافة والمقتضبة قد توحي بأشياء أخرى فقد تم اختصار وفد الاستقبال بوزير التجارة الصيني، بعد أن تكبّد الأسد عناء رحلة طويلة قد لا تؤتي أُكُلها على الوجه المطلوب، فالبيئة السورية بالنسبة لبكين بيئة طاردة للاستثمار بسبب سيطرة دولة الفساد عليها، علاوةً على ذلك فالصين لديها سجل حافل بالوعود المؤجلة ليس آخرها وعود استثمارية بقيمة 2 مليار دولار لم تفِ بها حتى الآن.

لا يمكن التّكهن بما ستؤول إليه حال البلاد بعد تلك الزيارة حتى الآن لكن عقداً زمنياً من الحرب كفيل بإخبارنا أن الأسد خلال كل زياراته السابقة لم يألُ جهداً في سبيل وأد أي حراك ضده وتقويض أي مبادرة سياسية تسهم في وصول البلاد إلى ضفاف السلام، بيد أن زيارته الأخيرة للصين قد تكون بمنزلة التمسك بطوق النجاة الوحيد قبل السقوط الأخير.