icon
التغطية الحية

زلزال تركيا.. هل يتحمل المقاولون وحدهم مسؤولية تهدم المباني فوق رؤوس ساكنيها؟

2023.02.25 | 06:23 دمشق

جانب من الدمار الذي خلفه الزلزال جنوبي تركيا (وسائل إعلام تركية)
جانب من الدمار الذي خلفه الزلزال جنوبي تركيا (وسائل إعلام تركية)
إسطنبول - حمزة خضر
+A
حجم الخط
-A

يعد الزلزال أحد أعنف الكوارث الطبيعية التي تواجهها تركيا الواقعة في واحدة من أكثر مناطق الزلازل نشاطاً في العالم ما يجعلها عرضة لخطر حدوث زلازل في كل الولايات في البلاد تقريباً.

وعلى الرغم من أن الزلزال هو حدث طبيعي لا مفر منه، إلا أنه من الممكن تقليل أضراره عبر التدابير التي يجب اتخاذها قبل الكارثة على الصعيدين الفردي والاجتماعي، وبمعنى آخر  من قبل المتعهدين والمسؤولين الحكوميين.

وشهدت البلاد عقب الزلزال، حملة اعتقالات واسعة طالت متعهدي البناء الذين ساهموا في إنشاء بعض المباني التي تهدمت أو تضررت بشكل كبير موقعة عشرات آلاف الضحايا في الولايات المتضررة جنوبي البلاد.

وتساءل البعض عما إذا كان المتعهدون هم وحدهم من يتحمل أعباء ومسؤولية تهدم المباني التي ساهموا في بنائها، أم أن على الحكومة مسؤولية مشتركة أو المسؤولية الكاملة عن هذه الكارثة التي تعد "الأكبر في تاريخ الجمهورية التركية" بحسب تعبير وزير الداخلية التركي سليمان صويلو

أفاد المحامي مراد كمال غوندوز في حديثه إلى موقع (DW) بأن العديد من المؤسسات العامة مسؤولة عن كارثة الزلزال، سارداً المؤسسات المسؤولة بشكل أساسي عن مقاومة الزلازل للمباني وجودة الإنشاءات مثل وزارة البيئة والتحضر التركية، والإدارات المحلية ذات الصلة (البلديات وإدارة الولايات).

وأعرب غوندوز عن أن وزارة الصحة هي المسؤولة عن المستشفيات والمؤسسات الصحية المدمرة والمتضررة، ووزارة النقل للطرق السريعة والجسور، مشيراً إلى أن  إدارة الكوارث والطوارئ (آفاد)  يجب أن تكون فاعلة أكثر في المناطق المهددة بخطر الزلزال.

وأوضح غوندوز في حديثه إلى أن المناطق التي حدث فيها الزلزال هي مناطق يعرف عنها بكونها معرضة لخطر الزلزال، لذا كان على كل من وزارة البيئة والتحضر وإدارة الكوارث والطوارئ فحص المباني لتقليل مخاطر الزلازل إلى الحد الأدنى.

وأضاف: "كان على وزارة البيئة والتحضر وتغير المناخ مراقبة وتفتيش التراخيص وخطط البناء، والمناطق الإسكانية المحفوفة بالمخاطر".

تفتيش المباني المرخصة

سنّت الحكومة التركية قانون تفتيش المباني عام 2001 بعد سنتين من زلزال مرمرة عام 1999 والذي راح ضحيته أكثر من 17 ألف ضحية، ونفذ القانون كمرحلة تجريبية في 19 ولاية تركية، بما فيها هاتاي وغازي عنتاب وأضنة، ومن ثم طُبق القانون في عموم البلاد عام 2011.

يتيح هذا القانون للشركات المختصة المعتمدة من وزارة البيئة والتحضر والتغير المناخي بتفتيش أنشطة البناء والمقاول نيابة عن المالك، وتفحص مقاومة البناء للزلازل، ومواءمته مع بنود قانون تفتيش المباني، وتصدر تقريراً وتقدمه إلى البلدية التي تقوم بدورها بمنح ترخيص البناء.

وفي حال رفضت البلدية إعطاء الترخيص، يمكن الحصول عليه من وزارة البيئة والتحضر التركية التي تمتلك صلاحية منح التراخيص للمشاريع الكبيرة والإسكان الجماعي، إلا أنه حتى لو حصل المقاول على الترخيص من البلدية، فعلى وزارة الإسكان دراسة الترخيص الممنوح.

وعلى الرغم من مرور 22 عاماً على قانون 2001، أشار مدير مختبرات الهندسة الإنشائية والزلازل في جامعة الشرق الأوسط، البروفيسور خلوق سوجو أوغلو، إلى موقع (DW) إلى أن 50 إلى 60 في المئة من المباني التي دُمرت في زلزال كهرمان مرعش بُنيت بعد عام 2000، باستثناء ولاية أضنة.

ولفت سوجو أوغلو النظر إلى أن القانون يتيح لملاك المباني اختيار الشركات التي تجري تفتيشاً على الأبنية، إلا أنه في الحقيقة يرى بأن المتعهدين هم الذين يختارون الشركات بحسب معرفتهم ويدفعون أجور الكشف، وفي بعض الحالات تفتتح الشركات الإنشائية شركات تفتيش خاصة بهم لفحص مبانيهم، مستفيدين من بعض العلاقات السياسية مع البلديات في المناطق الصغيرة.

مسؤولية المقاولين

نشر موقع (ÖZGÜNLAW) الحقوقي، مادةً ناقش فيها المسؤوليات القانونية المترتبة على المقاولين الذين شيدوا أبنية تهدمت بشكل كامل أو جزئي إثر الزلزال الذي ضرب جنوب البلاد، حيث أشار إلى أنهم يتحملون مسؤولية الأضرار الناشئة عن "عدم إظهار العناية الواجبة" و "تشييد المباني المخالفة للترخيص".

وأوضح الموقع بأن المقاول يتحمل مسؤولية جنائية وقانونية في حال وجود عيوب في الأبنية المنشأة، وذلك يشمل استخدام المواد غير المناسبة، أو الإهمال في الحسابات، ورسم المشروع بطريقة غير صحيحة، إلا أنه تذهب عنه المسؤولية في حال قيامه بكل شيء بشكل صحيح حتى ولو تهدم البناء بعد الزلزال.

ويكون المقاول مسؤولاً عن جميع الأضرار التي تحدث بسبب مشكلات في توصيل الأعمدة والعوارض والاستخدام غير الكافي للحديد، وانخفاض جودة الخرسانة، واستخدام الرمال غير المعالجة، والأعمدة القصيرة أو المصنوعة بمواد رخيصة.

وتعالج المحكمة العليا المسؤولية عن الأضرار الناجمة عن الزلازل وتقبل المسؤولية المشتركة والمتعددة، وهذا يعني أن مقاول المبنى ومصمم المشروع سيكونان مسؤولين عن الضرر بالكامل، بغض النظر عن تأثير معدل الخلل في حدوث الضرر. 

وتقع المسؤولية الجنائية إذا حدثت إصابة أو وفاة لم تكن لتحدث لو تم تشييد المبنى بشكل صحيح، على المقاول وسيكون مسؤولاً عن القتل والإصابة بسبب الإهمال، وتعرضه لتهمة "التسبب في الموت نتيجة التقصير" حيث يحاكم بعقوبة السجن تصل إلى 15 عاماً بحسب المادة 85 من قانون العقوبات التركي رقم 5237.

مسؤولية مشتركة

وفي مقابلة أجراها المحامي الجنائي آدم سوزور مع موقع (Cumhuriyet) أشار إلى أنه لا يمكن للمتعهدين من ارتكاب هذه المخالفات دون معرفة البلديات، داعياً الحكومة للاعتراف بذلك و"تحمل المسؤولية".

وأشار المحامي سوزور إلى أن العديد من الأبنية التي دمرها الزلزال حصلت على التواقيع الكاملة اللازمة لإتمام عمليات البناء، وهذا يعني أن هذه المباني حصلت على جميع الموافقات القانونية، إلا أن تهدم المباني بعد الزلزال يفضي إلى أن عملية البحث والتدقيق لم تكن حقيقية.

وأوضح المحامي طريقة عمل البلديات مع الأبنية المخالفة، حيث تفرض مخالفات إدارية، وتصدر قراراً بالهدم، إلا أن عمليات الهدم لا تنفذ، بل يصدر إعفاء بعد فترة من الزمن من المخالفات الإدارية ويلغى قرار الهدم.

وتمنح البلدية بعد ذلك رخصة إشغال المبنى للمقاول، والتي تعطيه الحق في إصدار سند تمليك (إسكان) وهو ما يعطي دليلا على أن البناء متوافق عليه مع المتطلبات الفنية للمشروع وأن البناء اجتاز الاختبار، ولهذا السبب يلقي المحامي سوزور المسؤولية كاملة على عاتق البلديات والحكومة. 

تفضي معظم التقديرات والآراء إلى وجود مسؤولية مشتركة ملقاة على عاتق كلٍ من المقاولين والإدارة المحلية في منطقة الزلازل، وهو ما سيفتح باب المحاكم على مصراعيها للبت في القضايا القانونية التي من الممكن أن تأخذ سنوات طويلة من المعالجة في وضع مشابه لقضايا زلزال مرمرة عام 1999.