icon
التغطية الحية

زكريا تامر.. كاتب وشاعر بمرتبة فارس

2024.03.30 | 22:22 دمشق

آخر تحديث: 31.03.2024 | 01:53 دمشق

1235WQE
+A
حجم الخط
-A

رياحه الخرساء تصهل في مدن الأرض: ما تزال الضباع تجتاح بلادي. من صهيل الرياح الخرساء إلى "دمشق الحرائق"، فضح مملكة الضباع الذين دمروا كل شيء واعتبروا الخلق غنائم يعفشونها ويهدروا أرواحها

 صباح الخير زكريا تامر

وحدك قمر أربعة عشر وإن غبتَ وراء غيوم برمغنهام.. فلا دمشق الحرائق أطفِئت حرائقها، ولا "النمور في اليوم العاشر" كفّت عن النزول من جحورها واغتنام المدينة والقرى والبلاد، ولا المستبد الصغير صار كبيرا وناخ تحت ذيول الجيوش والغزاة.

يوم كانت الكتابة واقعية فجة، راح بها زكريا تامر إلى شعرية بلا ضفاف ورمزية لا تخفى على مدقق وغاوٍ. راح صهيل رياحه الخرساء يدق بوابات العالم ويشير إلى حريق سوريا.

أمال زكريا يوما إلى طوفانيّ الجوع والجنس وفوقهما وتحتهما، أبالسة ومروجي السلطة من شبيحة وحرامية وأمن أولاد حرام. يومها أيضا ومنذ خمسينيات القرن الماضي، أوحى زكريا تامر إلى أن البلدان لا تسقط وحدها بفعل قوى الغزو والحصار بل بفعل استحواذ سلطة الداخل على البيت وأهله حتى تتكسر الركب، ويمدح القتيل قاتله، وتتقوض الأركان كلها تحت التفسخ والطواعين.

أكد هذا الرائد الشعبي العتيق مبكرا أن الكلمة إذا طلعت من روح مغلوب وجريح وتجذرت في وعي جذور ورؤى لا تفلّ الحديد وتصدع المستبد فحسب، بل تشكل خطرا فادحا عليه وعلى أركانه

وبقي الكاتب في نثريةٍ شاعرة لا تجارى وأيقونة قول رشيد: بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد.. يوما قلتُ إن زكريا تامر أغلى من آبار النفط و"بنكنوت" المصارف. هكذا نظرت بريطانيا إلى مملكتها الـتي "لا تغرب عنها الشمس" وكتابات شكسبير العظيم بين الاختيار؛ فاختارت شكسبير.

كتابة بسخرية القمر

لم تعد سخرية زكريا تقليدية، ولا كافكاوية مستوردة، بل نابعة من روح شعب عريق طحنته حروب الغزاة، واستوثقت من عتمات ثقافاته وشقوق عتماتها شخصيات عنترة والسبع ورب البيت المستذئب على أخته أو أمه أو ابنته.

كتب زكريا مسلطا على وخم عميق ورسيس عتمات جهالة واسترجال أعمى؛ لا ليشمت ويعرض ويهجو كما فعل كثيرون بشام وأهل شام، في سالب وموجب وثابت ومتحرك وباطن وظاهر، وكأنما الاستشراق الجديد وطلائع عولمته المسمومة بمقارنة هؤلاء بين تقدّم غربٍ وتخلف شرق.

الابتكار والإبداع عند تامر أنّ سحرية كتابته، إذ تضحكك أو تبكيك، تظل تحفر في الرسيس تحت العظام ليسأل القارئ عن نفسه من أنا، وإلى أي كوكب  شائك أنتمي.

زكريا تامر، في تلك الخمسينيات، لم ينتم إلى حزب مدجج ومدعوم من جماعات فاشية قومية أو قُطرية ليتدفأ على نار الحطب، أو ليظهر في صالوناتها مبشرا بنماذج للشعر الغربي مستقيا من الشرق والغرب مقاليع كتابة متمردة تقول بالقطيعة والانشقاق عن شمس وجذور ويجعلها تيمة وأيقونة؛ بل اجتهد بمعلّميّـته وعصاميته ثقافةً وأسلوباً واشتق معماره الفني في حارة شعبية ضاربة وحي شامي عتيق. وراح يكتب ويكشف ويضيء برمزية عالية وحبر يشبه السري.

لا يتعب ولا ييئس

تامر، يوم صدرت مجلة "المعرفة" وترأّس تحريرها بفضح طبائع الاستبداد، كان يستكمل متن دمشق الحرائق بديار دمار وقتل وطوفان قادم لا يبقي ولا يذر. يومها، أعلن انشقاقه وانتماءه لروح أعلى، ضارباً صوب النور والحرية، ولم ينتظر 2011 وثورة شعب سوري طوفاني خرج للحرية من سوريا كلها.

ويومها أيضا، أكد هذا الرائد الشعبي العتيق، مبكرا، أن الكلمة إذا طلعت من روح مغلوب وجريح وتجذرت في وعي جذور ورؤى لا تفلّ الحديد وتصدع المستبد فحسب، بل تشكل خطرا فادحا عليه وعلى أركانه، وبأن "النمور" التي تقيم ممالك الخوف والغنيمة هي في أساس ممالك الظلام.

وما زال تامر مشرعا روحه، منفيا وشاردا، قلبه على شامه وروحه في عناق شمس أبعد من عتمة وضباب.

زكريا تامر، يا شاعر الكلمة وصاهل جهاتها، سنتوجك بالورد ونسميك اليوم فارسا بمنزلة شاعر في الفن والكتابة وروح الإنسان، ومعلما من معلمي الأدب والإبداع السوري العربي العظيم. وستضعك شام الأعراس والورد وساما على صدر  ثقافتها وحضارتها.