روسيا وجمع الأضداد.. أميركا ولعبة التحايل

2024.03.08 | 06:34 دمشق

روسيا وجمع الأضداد.. أميركا ولعبة التحايل
+A
حجم الخط
-A

تعززت العلاقات الروسية_الإيرانية أكثر بعد اجتياح الكرملين الأراضي الأوكرانية، وقبل ذلك كانت موسكو تفرض قيوداً وعقوبات على طهران وبرنامجها النووي بالتوافق مع الغرب، أما اليوم فهي عملت على توفير الحماية السياسية والديبلوماسية لتعزيز استثماراتها في الاقتصاد الإيراني، مقابل دعم الأخيرة وتزويدها موسكو للجيش الروسي بمسيارات متطورة في حربها مع أوكرانيا، وهو ما أثار اهتماماً دولياً واسعاً وغضباً في نفس الوقت، وفي المقابل، تدفع أميركا الثمن في لعبة تذاكيها/ أو تحايلها التي مارستها في اليمن ومع الحوثي، برفضها قراءة الوقائع حول إقامة كيان سياسي مناصر لها في شبه الجزيرة العربية، وتحويله إلى قاعدة عسكرية من أجل استخدامات مفرطة في قطع خطوط الإمداد والتواصل، وشل حركة الملاحة عالمياً، وسبقها في ذلك تعاون موسكو والجيش الروسي مع الميليشيات المدعومة إيرانياً، منذ أن بدأت تدخلها العسكري في الحرب الأهلية السورية عام 2015، كما نسَّقت عملياتها مع حزب الله ولا تزال.

روسيا التي وطدت علاقاتها أكثر مع فصائل ودول محور المقاومة، وجدت الفرصة المناسبة لها، في تقويض وإبعاد الأميركي عن المنطقة في عملية 7 أكتوبر، حيث نسَّقت مع شبكة من الوكلاء والأحزاب التي تدور في فلك إيران، بدءًا من غزة وصولاً إلى اليمن مروراً بلبنان وسوريا والعراق، هذا المحور الذي يعتبر نفسه أنه في مواجهة إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية الداعمة للكيان، فهي حليف طبيعي لموسكو في حفلة جنون الحروب المنتشرة بمنطقة الشرق الأوسط.

تبقى إشكالية موسكو في أنها من جهة، تريد الضغط على واشنطن في المنطقة من دون إزعاج حلفائها الخليجيين وإسرائيل وعلاقاتها بالدول العربية

وطالما أن روسيا كانت الساعية لإضعاف قدرة ونفوذ واشنطن في المنطقة، جاءت حرب غزة لتعطي هذا المحور دعماً جديداً، وفرصة جديدة عبر تحشيدها محور المقاومة، ودعوته لاتخاذ إجراءات عسكرية ضد القوات الأميركية والإسرائيلية، تُضعف الولايات المتحدة عبر دعم ديبلوماسي روسي لحماس والحوثي، وتقديم المساعدات الفنية واللوجستية للمحور في حربه على إسرائيل، مما أثار قلق واشنطن والغرب باستخدام تكتيكات الحرب الإلكترونية المتطورة ضده.

لكن تبقى إشكالية موسكو في أنها من جهة، تريد الضغط على واشنطن في المنطقة من دون إزعاج حلفائها الخليجيين وإسرائيل وعلاقاتها بالدول العربية، لذا فهي لا تستطيع التمادي أكثر في تقديم دعم لميليشيات إيران وتشجيع المحور بمتابعة مخططاته في مواجهة أميركا وتعزيز قوة هجماته. ومن هنا بدأ التأثير على واشنطن يأخذ مفاعيله في مواجهة الاندفاعة الروسية، فهي كثَّفت وتكثف مساعيها لإنهاء الحرب في غزة، وتهدئة التوترات في جميع أرجاء الشرق الأوسط. ولذلك هي بحاجة إلى حلفائها العرب، لتقويض الشراكة بين روسيا ومحور المقاومة ودق إسفين فيها، وإلا فمن المحتمل أن تتمكّن روسيا وإيران وأصدقاء الدولتين من تقليص قوة ونفوذ الولايات المتحدة في مختلف أنحاء المنطقة برمتها، وهي على أبواب انتخابات رئاسية مصيرية، في ظلِّ تلاعب نتنياهو على الحبل الأميركي واضعاً رجلاً في حفرة الجمهوريين وأخرى في حفرة الديمقراطيين.

عمليات التنسيق بين روسيا وفصائل "محور المقاومة" ليست جديدة بتاتاً، ومع حركة حماس كان قديماً، وكل فصائلها تتردد باستمرار إلى موسكو، وكذلك التنسيق مع حزب الله في العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية، وكذلك مع الحشد الشعبي في العراق المدعوم إيرانياً، بالإضافة إلى إنشاء مركز للاستخبارات بين إيران وروسيا والعراق وسوريا من أجل التنسيق العسكري. فالجديد اليوم وبحسب ما أوردته "رويترز" هو توسيع موسكو لدائرة تعاملها ونشاطها الاستخباري بتزويد "حزب الله" بصواريخ مضادة للسفن عن طريق سوريا، كما سلَّمت إيران مهمة تحديث أنظمة الدفاع الجوي السوري، وهي أصلاً مترهلة وقديمة وعديمة الفاعلية، بعد الضربات العسكرية الإسرائيلية المتكررة في كل يوم. كما عززت من استخدام التشويش الإلكتروني، حيث تفيد المعلومات أن ضرب قاعدة "ميرون" الجوية الإسرائيلية بصواريخ مضادة للدبابات هي صناعة روسية، ما قد يدل على أن موسكو تنقل أسلحة إليهم، إذ تستفيد هذه القوى من عملية تفكيك شركة "فاغنر" عبر توفر أنظمة دفاع جوية "حزب الله" في هذا الإطار.

توسيع روسيا لخياراتها في إيجاد شركاء إقليميين، وحشر واشنطن في زاوية الحرب في الشرق الأوسط من زاوية غزة والتخبط الأميركي وتبايناته مع حكومة نتنياهو، كشف هذه السياسة، وأراح موسكو كثيراً التي تفرغت لاستكمال دورها في أوكرانيا، وكف يد واشنطن عن المنطقة بعد عسكرة البحر الأحمر، وبعد أن عززت من قدرة فصائل المقاومة الموالية لإيران على التكيف والصمود، لتزداد خطورته على واشنطن.

أما واشنطن المحتكرة لعملية السلام في المنطقة، فهي مسؤولة عن تجدد اندلاع أعمال القتل والعنف في الشرق الأوسط، فبعد أن شنَّ الحوثي هجماته بالمسيّرات والصواريخ على إسرائيل، وعلى الشحن الدولي في البحر الأحمر، تعتبر الولايات المتحدة هي المسؤولة عن هذا الاضطراب في سلاسل التوريد، فالهجمات ناجمة عن مجازر إسرائيلية بحق الفلسطينيين، وتؤيدها الولايات المتحدة في غزة، وحيث إن موسكو ترحب بأي اضطراب يصيب التجارة العالمية، رغم أنه يؤدي إلى تضخم ونقص في الإمدادات، لكنه سيلحق الضرر بالمجتمعات الغربية.

الولايات المتحدة الأميركية لم تقم وزناً لدول الخليج في المعادلات الإقليمية، ولم تولِ أية أهمية لتحالفاتها الاستراتيجية، بل صبَّت كل اهتمامها في دعم اليمين الإسرائيلي

فلن يكون سهلاً على الولايات المتحدة صدّ كل هذه الاندفاعات، وهذا يظهر من محاولاتها الفاشلة في استخدام الضربات العسكرية ضد الحوثيين والميليشيات العراقية، فكلما طال أمد الحرب، وجدت روسيا نفسها بموقف داعم لأذرع إيران حيث يمكن الاستفادة منها، وكان باستطاعة الولايات المتحدة السعي للوصول إلى تسوية الصراعات الإقليمية في المنطقة بوسائل دبلوماسية، وإضعاف إيران، وشل دعمها لفصائلها عبر احتواء الجماعات نفسها لإضعافها، كذلك من خلال تجديد وتنشيط التعاون مع البلدان التي تنشط فيها مجموعات الفصائل المسلحة، ومساعدة تلك البلدان في تعزيز مؤسساتها الحكومية الرسمية، فهذه القوى والميليشيات تستمد نشاطها وحضورها من ضعف الحكومات العراقية واللبنانية واليمنية المعترف بها دولياً، وجعلها غير متماسكة.

الولايات المتحدة الأميركية لم تقم وزناً لدول الخليج في المعادلات الإقليمية، ولم تولِ أية أهمية لتحالفاتها الاستراتيجية، بل صبَّت كل اهتمامها في دعم اليمين الإسرائيلي في حربه ضدَّ شعب غزة، ولم تعمل على تفكيك التعاون بين روسيا وفصائل محور المقاومة، فهي انشغلت في عملية إحباط موسكو لجهودها في أوكرانيا ودعم كييف، كما تعاطت بخفَّة وقلة مسؤولية مع قضية الحوثيين في اليمن، ولم تدرك بعد الخطر الكامن من ورائهم في تثبيت معادلات دولية اقتصادية جديدة، تُلغي الدور العربي والخليجي، وتتفرد طهران بالتعاون مع واشنطن في إدارة الملاحة الدولية وحفظ المصالح، وهو ما لا يمكن الركون إليه مستقبلاً، حيث الانقلابات على المواقف والتفاهمات هو سِمة إيران وأذرعها، لكون القضية تتعلق بفلسطين الحاضر الأكبر في رسم معادلات الشرق الأوسط والإقليم.. وهذا ما لم تستوعبه إدارة بايدن اليوم المشغولة بخطط إبعاد ترامب من الوصول إلى البيت الأبيض.