icon
التغطية الحية

روسيا تفشل في إبعاد "الثورات الملونة" عن دول "قواعدها العسكرية"

2020.10.08 | 05:42 دمشق

borowitz-putinmidterms.jpg
موسكو - طه عبد الواحد
+A
حجم الخط
-A

تشكل التطورات الأخيرة في عدد من الجمهوريات السوفيتية السابقة، لاسيما الحرب في إقليم ناغورني قره باغ، والاحتجاجات في بيلاروس وقرغيزيا، وقبلها في سوريا، تحديات قد لا يكون مبالغ فيه القول إنها الأكثر خطورة التي تواجهها روسيا خلال العقدين الماضيين. وعوضا عن أمن واستقرار عولت على ضمانهما عبر إقامة قواعد عسكرية في دول "صديقة"، في موازاة حملة سياسية وإعلامية مكثفة طيلة السنوات الماضية، لإبعاد شبح "الثورات الملونة" عن مناطق نفوذها، تحولت تلك القواعد إلى مصدر تحديات ومخاطر قد تواجهها روسيا، بينما تجددت موجة "الثورات الملونة" في "حديقتها الخلفية".

في سوريا وأرمينيا خيبة إزاء دور القواعد الروسية

تقف روسيا بالنسبة للمواجهات الدائرة بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورني قره باغ، في موقف لا تقل المخاطر والتهديدات التي يحملها، عن تلك التي تواجهها في سوريا، إن كان لجهة موقف الرأي العام من القواعد الروسية في البلدين، كما ولجهة تزايد مخاطر التورط في مواجهة عسكرية مع "قوى خارجية". ومنذ افتتاح القواعد الروسية في سوريا، حذر مراقبون من أن انتشار القوات هناك، يهدد بتورط في "معارك ما كانت بالحسبان"، في ظل انتشار كثيف وعمليات عسكرية لقوات أخرى، منها التركية والإسرائيلية والأميركية. وهذه ليست مجرد "أوهام" مخاوف، بل واقع تدل عليه حادثة إسقاط مقاتلات تركية قاذفة روسية خريف عام 2015، وإسقاط مقاتلات إسرائيلية طائرة تجسس إلكتروني روسية قبالة الساحل السوري نهاية عام 2018. ولا يمكن استبعاد احتمال تكرار حوادث كتلك، ويصعب في الوقت ذاته تخمين رد فعل الطرف المتضرر وإمكانية احتواء الموقف مجددا، وعدم السماح بتطوره إلى مواجهة عسكرية مفتوحة.

اقرأ أيضا: بلومبيرغ: أردوغان يختبر علاقته ببوتين في النزاع الأرميني-الأذري

في غضون ذلك فإن التهديد الأكثر خطورة على مصير القواعد العسكرية في سوريا مصدره موقف الرأي العام، المعارض والموالي للنظام على حد سواء، من تلك القواعد ودورها. في هذا السياق كانت لافتة حالة الاستياء العامة إزاء عدم استخدام القوات الروسية منظوماتها للدفاع الجوي في مواجهة القصف الإسرائيلي المتكرر للأراضي السوري. وتصاعدت حدة الانتقادات، وترافقت مع تعليقات ساخرة، عندما استمر القصف الإسرائيلي حتى بعد أن سلمت موسكو للنظام منظومات "إس-300". حينها وبينما ظن السوريون أن تلك المنظومة ستُستخدم لردع الغارات الإسرائيلية، أكد السفير الروسي في تل أبيب أن الهدف من إرسال تلك المنظومة حماية العسكريين الروس وليس معاقبة إسرائيل على إسقاط طائرة التجسس "إيل-20".

وفي أرمينيا، التي تشهد هذه الأيام حربا حقيقية مع أذربيحان، في إقليم ناغورني قره باغ، تواجه روسيا تحديات ومخاطر تشبه "السورية" إلى حد بعيد وتزيد عنها، نظرا لطبيعة العلاقات بين موسكو ويرفان. وبينما تدل المعلومات من ساحات المعارك في قره باغ على تقدم القوات الأذرية، وخسائر كبيرة بين الأرمن، يتساءل مواطنون أرمينيون عن الدور الروسي في التصدي للقوات الأذرية، ويشيرون إلى أنه لدى روسيا قاعدة في أرمينيا، قوامها 4000 عسكري، يفترض أن يكون لها دور فيما يجري. كما يعلق سياسيون وخبراء في أرمينيا الآمال على تدخل روسي لصالح بلدهم، نظراً لأنها عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي شكلتها روسيا، وتضم إلى جانبهما كلا من أوزباكستان، وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وبيلاروس. وتُلزم الاتفاقيات الدول الأعضاء في المنظمة بالتدخل عسكريا في حال تعرضت أي دولة عضو لتهديد خارجي، وغالبا ينظر الجميع نحو روسيا صاحبة القوة العسكرية الأكبر لتتدخل دفاعا عن أرمينيا إن تعرضت لعدوان خارجي.

 

إلا أن روسيا لن تقدم على خطوة كهذه، على الأقل بالشكل الذي يأمله الرأي العام الأرميني. هذا ما أعلنه الكرملين بوضوح على لسان دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، الذي قال في تصريحات (الأربعاء 7 أيلول 2020)، إن روسيا وخلال تنفيذها التزاماتها بموجب معاهدة الأمن الجماعي قد تقف للدفاع عن أرمينيا، لافتاً إلى أن تلك الالتزامات لا تشمل أراضي قره باغ، في إشارة إلى أنها ليست ضمن الحدود الرسمية المعترف بها دوليا للدولة الأرمينية. ومع تفهم عبرت عنه السلطات الرسمية الأرمينية لهذا الموقف الروسي، إلا أن الرأي العام، كما هي الحال بالنسبة لسوريا، سيعود ويتساءل مجددا عن جدوى وجود القاعدة الروسية في أرمينيا، وعضوية بلدهم في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، طالما لم تحصل منهما على دعم في الحرب الدائرة. وقد يكون لهذا الموقف تداعيات سلبية لاحقا على بقاء القوات الروسية في أرمينيا.

اقرأ أيضا: لماذا لم تتدخل روسيا في الصراع على قره باغ حتى هذه اللحظة؟

ربما تمكنت روسيا عبر عمليتها العسكرية من إعادة استقرار نسبي إلى مناطق النظام، حين أجهزت على بؤر الاقتتال بين قواته وفصائل المعارضة، لكن القاعدة العسكرية فشلت عمليا في تحقيق هدف إعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا، والوضع الاقتصادي والاجتماعي، والأمني أيضا تؤكد ذلك، هذا بينما تتجدد الانتقادات لمهام تلك القواعد بعد كل غارة إسرائيلية. والوضع ليس بأفضل حال بالنسبة للقاعدة العسكرية في أرمينيا، التي تبدو بالنسبة للرأي العام المحلي أنها فشلت، على الأقل، في تحقيق مهمتها "السياسية" الرئيسية المعلنة، وهي ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة. وفي الأثناء لا تزال قائمة المخاوف من أن تواجه روسيا الموقف الأكثر تعقيداً في حال توسعت رقعة المواجهة بين الأذريين والأرمن، حتى داخل الأراضي الأرمينية، حينها لن يبقى لدى موسكو ما تبرر به عدم تدخلها عسكرياً.

"الثورات الملونة" مستمرة رغم "الترهيب" الروسي

في أجزاء أخرى من "حديقتها الخلفية" تفاجأت روسية باحتجاجات ضد أنظمة حكم حليفة لها، ضمن ما تصر على تسميته "الثورات الملونة". وتنظر روسيا إلى تلك الثورات بحساسية عالية، وليس بسبب المخاوف من انتقالها إلى الداخل الروسي فحسب، بل ولأنها، وفق ما يقول مسؤولون روس، "أداة لتنصيب أنظمة حكم موالية لأميركا"، عبر الفوضى وبالتالي لن تكون "صديقة". حتى إن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أكد في تصريحات سابقة أن العملية العسكرية في سوريا نجحت في منع انتقال الثورات من العالم العربي إلى الجوار، والمخاوف الروسية كانت دوما من انتقالها إلى جمهوريات آسيا الوسطى.

اقرأ أيضا: موقف إيران من الصراع بين أذربيجان وأرمينيا

لم تنجح تلك الجهود، وأخطأ شويغو في تقديراته.  ووصلت الاحتجاجات حتى جمهوريات أعضاء أيضاً في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تمثل ذراع نفوذ روسيا العسكري في الفضاء السوفيتي. إذ تشهد بيلاروس، حيث توجد قاعدة رادارات روسية، وتربطها علاقات "اتحادية" مع روسيا، احتجاجات ضد نظام الحكم، لم تتوقف منذ نهاية تموز الماضي. وفي مطلع تشرين الأول الحالي اندلعت احتجاجات ضد نظام حكم الرئيس سورونباي جينيبيكوف في قيرغيزيا، التي تنتشر في قاعدة كانط بالقرب من عاصمتها بشكيك مجموعة من القوات الجوية الروسية. وتمكن المحتجون من الاستيلاء على البرلمان والمجمع الحكومي، وقاموا بإطلاق سراح الرئيس الأسبق، ألماظ بيك أتامبايف ومسؤولين آخرين في إدارته، زج بهم الرئيس الحالي في السجن بتهم الفساد.

اقرأ أيضا: ماذا لو انتقلت الحرب إلى داخل أرمينيا؟

وبعيداً عن تفاصيل المشهد الداخلي في كلا البلدين، تجدر الإشارة إلى أن روسيا قررت الوقوف إلى جانب الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، ورفضت دعوة المعارضة البيلاروسية للتواصل معها والتوسط في مفاوضات مع نظام الحكم البيلاروسي لتسوية الأزمة. ويحذر مراقبون من أن روسيا قد تخسر علاقاتها المميزة مع بيلاروس بسبب موقفها هذا، لاسيما أن الأمر لم يحسم، ويقدم الغرب كل أشكال الدعم للمعارضة البيلاروسية، التي تصر على المضي حتى النهاية وتغيير نظام الحكم. وفي قرغيزيا هناك مخاوف من توتر في العلاقات مع روسيا إذا عاد أتامبايف إلى السلطة، ويقول البعض إنه عاتب على القيادة الروسية لأنها "تركته وحيداً" دون مساعدة حين زجت به السلطات القرغيزية في السجن.