رقصة بوتين الدولية على حبال بايدن الأوروبية

2022.02.17 | 05:16 دمشق

xkctd2ud2znyzpgseswj7p44vy.jpg
+A
حجم الخط
-A

يتقن الرئيس الروسي فلادمير بوتين فنّ الاستعراض بمعانيه السياسية والأمنية والإعلامية. وهو ما مارسه في الاتصال الهاتفي مع الرئيس الأميركي جو بايدن، من خلال اللعب على لغة الجسد، وإظهار حالة الاسترخاء والارتياح لديه خلال المكالمة، تعبيراً عن ثقة مفرطة في النفس، وقدرة على فرض الوقائع التي يريدها. واستكملت موسكو اللعب في الإشارات الاستعراضية خلال اللقاء بين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ووزير الدفاع البريطاني بن والاس، من خلال استعراض صور تعود إلى الحرب العالمية الثانية، وظهور صورة لوزير دفاع الاتحاد السوفييتي أيام تلك الحرب جورجي جوكوف، في محاولة لتذكير البريطانيين بذلك التاريخ الذي يصر بوتين على استعادة أمجاده.

طوال الفترة السابقة كان بوتين يخوض حرب أعصاب، في سبيل تحقيق أهداف سياسية واستراتيجية متعددة. أهداف معركته الأوكرانية هي الإمساك بسوق الغاز في أوروبا، استخدم مجموعة من الأسلحة، التحشيد العسكري، الرهان على تحرك في الداخل الأوكراني لفرض أمر واقع جديد، وصولاً إلى التحضير للدخول إلى شرق أوكرانيا، والهدف هو منعها من الدخول في حلف الناتو، فيما الهدف الأبعد هو تقويض الحلف والمبازرة على الدرع الصاروخي.

هي معركة روسية لحسابات عالمية، من شأنها أن توقف العالم كله، وتشعل أسعار النفط، وتحدث تغييراً جيوستراتيجياً على صعيد النظام العالمي

هي معركة روسية لحسابات عالمية، من شأنها أن توقف العالم كله، وتشعل أسعار النفط، وتحدث تغييراً جيوستراتيجياً على صعيد النظام العالمي. أحد أكبر المستهدفين فيها الاتحاد الأوروبي كاتحاد، خصوصاً أن الهدف التاريخي لموسكو إلى جانب تقديم صورة استعادة الأمجاد منذ الملكة كاترين وأزمنة القياصرة، وحتى امتداد وقوة واتساع الاتحاد السوفييتي، هو ضرب الاتحاد الأوروبي والسعي إلى تفكيكه. وهي لعبة شطرنج خطرة، تضاف إلى المخاطر التي تعصف بالاتحاد من خلال تنامي جماعات اليمين المتطرف، أصحاب نظرية الانغلاق وعودة الدول إلى حدودها السياسية بدلاً من حالة الانفتاح، وهي عناصر ساهمت في تكريسها أزمة كورونا التي عندما انطلقت أدخلت دول الاتحاد في تنافس فيما بينها على تحصيل المساعدات الطبية، وحاولت دول عديدة السيطرة على شحنات من المساعدات الطبية عائدة لدول أخرى، كان ذلك عنصراً من عناصر التفكك في اللاوعي الأوروبي، أو بحكم الأمر الواقع، وهي معاناة تجلّت بالتحديد في إيطاليا وإسبانيا اللتين اعتبرتا أن تعاطي الدول الأوروبية الأخرى معهما عند انتشار الوباء وتفشيه، لا يرقى إلى مستوى العلاقات الاتحادية، ما غذّى نزعات الانفصال عن الاتحاد.

تنتهج روسيا استراتيجية واضحة تتجاوز مرحلة ما بعد الثنائية القطبية والأحادية القطبية أيضاً، وسط قناعة بأن تركيبة النظام العالمي ككل ستتغير. تُبرز روسيا اهتماماتها من البحر الأبيض المتوسط إلى آسيا وأوروبا، مستندة إلى تراجع أميركي أو انكفاء تنتهجه واشنطن منذ سنوات. في مرحلة مشابهة للمواقف الأميركية التي رافقت اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية قبل أن تقرر في كل حرب من الحربين موعد انخراطها فيها. فلم تنخرط في الحرب الأولى إلا بعد انتصار الثورة البلشفية، ولم تنخرط في الحرب الثانية إلا بعد هزيمة إصرار هتلر على اجتياح روسيا وخسارته في ستالينغراد، وكانت المواقف الأميركية واضحة في الاستثمار بكل تلك الصراعات لإرساء قواعدها في النظام العالمي الذي أسس للثنائية القطبية وصراعاتها.

تعرف واشنطن أن بوتين الذي خاض حرب أعصاب، ويخوض حرباً عسكرية واستراتيجية، ينجح في تحصيل المزيد من المكتسبات والفوز في النقاط، وهو أمر سيكون له أثر سلبي على الإدارة الأميركية في الداخل، هذه الوقائع كلها ستفرض نفسها على مجريات الاتفاق النووي بين أميركا وإيران. فواشنطن التي تسعى إلى إبرام الاتفاق ستجد نفسها مضطرة لتأخيره لعدم قدرتها على تحمّل واقعتين سلبيتين بالنسبة إلى الرأي العام الأميركي على مسافة أشهر من الانتخابات النصفية والتي تشير إلى أن إدارة بايدن ستكون خاسرة فيها.