رفع العقوبات عن سوريا.. حق يراد به باطل

2020.04.12 | 00:01 دمشق

e7055ab6-02e9-43c7-ab53-8a9fad5b8e99.jpeg
+A
حجم الخط
-A

لم ير نظام الأسد في كارثة "كورونا" العالمية إلا فرصة يجب استغلالها لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، وبدأت جوقة الأصوات المطالبة برفعها تتعالى من جهات عدة، متحدثة باسم المعاناة التي يعيشها الشعب السوري، متجاهلة أن للمأساة السورية أسباب كثيرة أهمها الطغمة الحاكمة في دمشق.

نعم إنه مطلب حق، فالشعب السوري يدفع ثمن هذا الحصار وهذه العقوبات، لكن ثمة سؤال لابد من الإجابة عليه أولا:

هل هناك أحد في هذا العالم يمكنه الإجابة بيقين عما سيؤدي إليه رفع الحصار، وهل سيزيد من مأساة السوريين أم يقلل منها؟

ليس الجواب بهذه البساطة، لقد أخبرتنا عقود من التجربة مع هذه العصابة أن النسبة الساحقة مما تحصل عليه سوريا سيذهب إلى تعزيز قدرة هذه العصابة على قتل السوريين وقمعهم.

إذاً: فعلى أي جانبيك تميل؟

منذ عدة أيام أعلنت وكالة أنباء الإمارات: أن ولي عهد أبو ظبي، نائب قائد القوات المسلحة الأعلى، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد تواصل هاتفياً مع بشار الأسد، وأنهما بحثا تداعيات

يجري الحديث عن مبلغ ثلاثة مليارات دولار؛ ستدفعها الإمارات للعصابة التي تحكم دمشق بحجة مساعدتها في مواجهة فيروس كورونا

انتشار فيروس كورونا، وأن ولي العهد قد أكد، لبشار الأسد، دعم الإمارات للشعب السوري في هذه الظروف الاستثنائية.

ومنذ عدة أيام يجري الحديث عن مبلغ ثلاثة مليارات دولار؛ ستدفعها الإمارات للعصابة التي تحكم دمشق بحجة مساعدتها في مواجهة فيروس كورونا، هذا في الوقت نفسه الذي تتحدث فيه تسريبات عديدة عن: أن كورونا ليس أكثر من ذريعة، وأن هذه المليارات لا علاقة لها به من قريب ولا من بعيد. ثم تضيف هذه التسريبات احتمالين: أولهما، أن هذه الأموال تقدم دعماً لحرب تدفع الإمارات لها بين الجيش التركي الموجود داخل الأراضي السورية والجيش السوري- ومن يتبعه- الموجود داخل الأرض السورية أيضاً. وثانيهما، أن هذه الأموال ستذهب إلى روسيا.

ولتدارك ذلك وإدراكه لابد من العودة قليلاً إلى الوراء.

كانت بعض التسريبات قد تحدثت عن اتصالات سورية إماراتية، كانت قد تمت في النصف الثاني من شهر شباط، وكانت الإمارات قد طلبت فيها من دمشق البدء بعمل عسكري في شمال غرب سوريا؛ بهدف استفزاز الأتراك وجرهم إلى معركة عسكرية تفتح الباب أمام إلغاء اتفاق سوتشي بين الأتراك والروس، وكانت هذه التسريبات ذاتها قد فسرت هدف الإمارات من ذلك بنقطتين:

إرباك القوات التركية المتدخلة في الأرض السورية وجرها إلى حرب استنزاف مرهقة وشاغلة ومكلفة، أما الهدف الثاني الذي يتعلق بالهدف الأول، فهو: إرباك تركيا المتدخلة في الشأن الليبي وإرهاقها.

وكان الرد السوري بحسب تلك التسريبات نفسها: أن هذه العملية تحتاج إلى نفقات مالية لا تمتلكها دمشق؛ ولذلك، فقد طلبت دمشق خمسة مليارات دولار لتغطية الحرب المطلوبة، وأن هذه الاتصالات قد انتهت إلى موافقة الإمارات على دفع ثلاثة مليارات دولار على دفعات من أجل دعم هذه العملية العسكرية وتغطيتها، على أن يتم دفع مليار دولار فقط خلال شهر آذار، وأن تسليم الدفعة الأولى التي كانت بقيمة 250 مليون دولار قد حصل في الخامس من شهر آذار الماضي، خلال زيارة قام بها طحنون بن زايد إلى دمشق في التوقيت نفسه.

وفي 27 شباط من هذا العام، أعلن والي إقليم "هاتاي" التركي - رحمي دوغان- عن مقتل 34 جندياً تركياً، وعن جرح 36 آخر في قصف استهدف نقاط عسكرية تركية داخل سوريا، وقد أعلن أن الرد سيحصل وسيستمر. وفي نفس يوم إعلان والي هاتاي، عقد الرئيس التركي اجتماعاً أمنياً استثنائياً حضره: وزير الدفاع، ووزير الخارجية، ورئيس أركان الجيش التركي، ورئيس المخابرات. ولقد انتهى الاجتماع إلى قرار رئاسي: "قررنا الرد بالمثل على النظام"، وإطلاق عملية "درع الربيع".

وفي اليوم الثاني؛ أي في 28 شباط، سارعت وزارة الدفاع الروسية إلى إعلان: أن لا علاقة لها بما حدث ولا معرفة، ونفت استهدافها أي موقع عسكري تركي، وأنها لم تبلّغ عن وجود قوات تركية في المواقع التي تم قصفها، وأضافت أنها أبلغت الجهات السورية بوقف إطلاق النار فور سماعها خبر سقوط قتلى وجرحى في صفوف القوات التركية الموجودة داخل الأراضي السورية.

وأيضاً، في اليوم نفسه أعلنت الولايات المتحدة، ومعها حلف الناتو، إدانتها القصف الذي طال القوات التركية، وأعلنت وقوفها إلى جانب تركيا.

ثم تصاعدت الوقائع العسكرية على الأرض، وبدأت تركيا بحشد قوات كبيرة على حدودها مع سوريا وفي الداخل السوري، وذهب المراقبون إلى أن مواجهة وشيكة ستحدث بين روسيا وتركيا على الأرض السورية، لكن اللقاء الذي جمع الرئيسين التركي والروسي، وإعلانهما وقف إطلاق النار الذي يبدأ في الدقيقة الأولى من يوم الجمعة 6 آذار، قد أوقع السوريين في ارتباك حقيقي.

ثم بعد أيام من الاتفاق الروسي التركي، وكانت دمشق قد استمرت في التحضير لاستكمال الهجوم الذي بدأته، قام وزير الدفاع الروسي بزيارة مفاجئة إلى دمشق- في 19 آذار 2020- حاملاً تحذيراً واضحاً إلى دمشق من نتائج محاولاتها استكمال هجوم قواتها.

واستكمالاً لما سبق، فقد أكد مسؤول تركي رفيع المستوى- حسب تعريف موقع "الميدل إيست إي"- قائلاً للموقع إياه: إن تركيا قد حصلت على معلومات تؤكد الصفقة بين الطرفين السوري والإماراتي.

فما كان على الإمارات سوى أن تجد مبرراً لها، بعد أن تسرب خبر الصفقة، كي تتلافى التداعيات الإقليمية والدولية، لا سيما أن القرار الروسي الذي تبلغه بشار الأسد عبر وزير دفاعها قد كان حاسماً؛ ولم يكن هناك أفضل من الاتكاء على ما يزلزل العالم الآن؛ أي فايروس كورونا، حتى وإن كانت دمشق لم تعلن في تلك الفترة عن أي إصابة على أراضيها.

ثم بعد أربعة أيام من زيارة وزير الدفاع الروسي؛ أي في 23 آذار، وبعد تعطيل الهجوم العسكري على إدلب أعلنت دمشق عن أول إصابة بفيروس كورونا على الأراضي السورية، وفي 27 آذار؛ أي بعد أربعة أيام أيضاً، أعلن ولي العهد الإماراتي عن اتصاله الهاتفي ببشار الأسد ووقوفه إلى جانب الشعب السوري لمواجهة كورونا.

وفي الختام: أن تدعم الإمارات الشعب السوري بثلاثة مليارات دولار فهذا ما تستحق الشكر عليه. لكن إن كانت واثقة –وهي واثقة - أن دولاراً واحداً من هذه المليارات لن يخصص إلا لقتل الشعب السوري، فهذه فضيحة.

والفضيحة الأكبر تبقى، كما كانت دائماً، هي: ألّا تكون حياة السوريين، واحتمالات تفشي فيروس كورونا بهم، من اهتمامات هذه العصابة، وأن يكون هذا الوباء باب هذه العصابة لاستقدام الأموال من أجل قتل السوريين أكثر وأكثر، واستمرار مأساتهم أكثر وأكثر.