رداً على عبد الباري عطوان.. ما هذا الهذيان؟

2020.03.11 | 23:00 دمشق

2.jpg
+A
حجم الخط
-A

سيكون مروراً عابراً على تغريدته وعنوان مقاله الطويل الذي أصبح أحد سمات ما يكتب -هو الذي دأب على وضع كل شيء في العنوان- علّه يجذب قارئا إضافيا بعد أن انفض من حوله أغلب من كان يسمع ما يقول أو يقرأ ما يكتب، لم يكن عنوانا جذابا بل كان مضحكا ولذلك ولجت المقال على موقعه شبه الخاص الذي يكتب فيه وحده الافتتاحية، الأخبار، عمود الرأي.. تقريبا كل شيء، عبد الباري عطوان يبشر في مقاله الأخير بمحور ثلاثي "مرعب" يتشكل، وعودة "قوية" لما تسمى الجامعة العربية ويبحث جاهداً فيما قد يفعله هذا المحور العتيد وكيف سيكون رد الخليج على تفعيل دور الجامعة العربية.

عطوان يرى في الإعلان الأخير عن زيارة عباس كامل رئيس جهاز المخابرات المصرية إلى دمشق الأسد عودة لمصر لدورها القيادي في الجامعة من خلال كسر "اعتكافها السياسي" بالتواصل مع نظام الأسد وقبل أن نبحث في غايات الزيارة حسب عطوان، نقول إن القاهرة لو استعانت بأسوأ خبراء السياسة ما كان لينصحها بكسر الاعتكاف من خلال التواصل مع الأسد ونظامه، فليس من الحكمة ولا من الدهاء للنظام المصري الذي يقول عنه عطوان إنه مطعون من الحليف الأميركي أن يطرق أبواب الشام وفيها من هو محاصر ومعاقب ومعزول فضلا عن كونه بشار الأسد المجرم الأبرز في السنوات العشر الأخيرة. والأنكى من ذلك اعتباره هذه الزيارة – الإعلان عنها- بداية عودة متدرجة بتسارع للساحة العربية وكأن الرجل قد فاته أن سوريا الأسد مطرودة من الجامعة العربية رسميا وأن نظامها اختار حلفاء ومحاور بعيدة كل البعد عن العرب بل يمكن وصفها بالمعادية للمشروع العربي.

ليس من الحكمة ولا من الدهاء للنظام المصري الذي يقول عنه عطوان إنه مطعون من الحليف الأميركي أن يطرق أبواب الشام وفيها من هو محاصر ومعاقب ومعزول فضلا عن كونه بشار الأسد المجرم الأبرز في السنوات العشر الأخيرة

أما عن غايات الزيارة الأمنية ودلالاتها فهي كثيرة حسب عبد الباري، أولا موجهة ضد تركيا وستثير قلقها وترعبها وربما تخنقها وتزيد حدة عزلتها الإقليمية.. لا أعرف عن أي عزلة يتحدث، وتركيا قبل أيام فقط كانت توقع اتفاقا مع روسيا حول إدلب السورية، التي لا يذكر فيها اسم الأسد إلا في الشتائم، تركيا "المعزولة" تفاوض الأوروبين من جديد حول أزمة اللاجئين وإلى تركيا يحج المسؤولون الأميركيون ويؤكدون دعمهم لخطواتها الأخيرة، تركيا تجتمع في الأيام الأخيرة مع حلف الناتو بشكل أصبح مملا للمتابعين فأي عزلة تلك التي سيزيدها عباس كامل لدمشق الأسد. هذا الذي لم يستقبل في تسع سنوات سوى عمر البشير المخلوع والمسجون في الخرطوم والملاحق دوليا بتهم جرائم الحرب، أما آخر من استقبل فهو وفد من قبل خليفة حفتر الضابط الليبي الانقلابي الخارج عن القانون، والذي أكد عطوان زيارته السرية إلى دمشق معتبرا أنها من ترتيب القاهرة وأنها جزء مما يحاك لأنقرة (المعزولة) لكن وللأسف كذبت كل هذه الرواية من خلال وكالة سبوتنك الروسية التي نقلت عن مصدر مقرب من حفتر نفيه للزيارة.

إذاً زيارة عباس كامل ذات الأهمية العظيمة حسب عطوان سقط أحد أركانها ولم تكن لترتيب زيارة حفتر لكن قريحة عطوان جادت أيضا في الشأن الليبي - السوري فقال أيضا إن الوفد الأمني المصري بحث مع المخابرات السورية إرسال السلطات التركية لآلاف المقاتلين السوريين إلى طرابلس لدعم حكومة الوفاق، لا أدري كيف ستبحث المخابرات المصرية التي يقتصر نطاق تعاونها أصلا على شرق ليبيا مع حفتر وفي مناطق الفوضى تبحث مع مخابرات الأسد شأن المقاتلين المرسلين إلى ليبيا، علما أن هذه المخابرات طردت من الشمال السوري منذ سبع سنوات ولا فعالية لها على الأرض السورية إلا في بعض المدن التي تخضع لسيطرة الأسد ناهيك عن انشغال أجهزة المخابرات السورية بمختلف فروعها المتناحرة بأزماتها التي لا تنتهي وفوق كل ذلك فالأتراك لم ينفوا إرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا، وهؤلاء المقاتلون الذين وضعهم عطوان في خانة المتشددين هم من عناصر الجيش الوطني السوري وبعض الفصائل المدعومة من أنقرة وبعيدون كل البعد عن الجماعات المتشددة.

وأخيرا فإن عبد الباري يزج باسم الجزائر مع السيسي والأسد في المحور العربي القادم رغم أن الجزائر بحكمها الجديد لم تبدِ هذا الانفتاح الكبير على النظامين المذكورين ولم تبدِ أيضا هذا العداء لتركيا

وأخيرا فإن عبد الباري يزج باسم الجزائر مع السيسي والأسد في المحور العربي القادم رغم أن الجزائر بحكمها الجديد لم تبدِ هذا الانفتاح الكبير على النظامين المذكورين ولم تبدِ أيضا هذا العداء لتركيا لكن الكاتب أراد أن يلبسها الأمرين فوضعها في خانة اللاهث خلف إعادة الأسد إلى مقعد سوريا في الجامعة وأيضا في خانة المحور المشكّل حديثا الذي سيقارع تركيا ويهزمها مدعوما من مصر وبعض دول الخليج.

من المؤسف ونحن على أعتاب الذكرى التاسعة للثورة السورية العظيمة أن نقرأ ونسمع هذا الهذيان وهذه الكلمات كأننا نرى كسوريين الكاتب يرقص على عذاباتنا وجرحنا الغائر، من المؤسف أن تنسى تضحيات هذا الشعب المكلوم وتدهس أحلامه البسيطة بالحرية والكرامة بأقلام تسوق للقتلة وتفخمهم وتجعل من اتحادهم الشيطاني أمرا عظيما وهم قتلة خارجون عن القانون من المؤسف أن نقرأ عن عودة للجامعة العربية التي لم تقدم لأهل سوريا أي شيء بل كانت شريكة بشخصيتها الاعتبارية وببعض دولها في قتل السوريين ومن المؤسف أن تصبح التحالفات العربية غايتها ضرب تركيا لا إنصاف السوريين، وطردها من الأراضي السورية لا إعادة السوريين إلى أرضهم التي طردوا منها ولم تستقبلهم أي من الدول العربية كما استقبلتهم تركيا.