icon
التغطية الحية

رحلة علاج مريرة.. مصابو الزلزال بين العمليات الجراحية ومراكز العلاج الفيزيائي

2024.02.06 | 07:03 دمشق

رحلة علاج مريرة.. مصابو الزلزال بين العمليات الجراحية ومراكز العلاج الفيزيائي
رحلة علاج مريرة.. مصابو الزلزال بين العمليات الجراحية ومراكز العلاج الفيزيائي
إدلب - عز الدين زكور
+A
حجم الخط
-A

قبل أيام على مرور الذكرى السنوية الأولى لوقوع زلزال 6 شباط، خطت "ديمة" أولى خطواتها على جهاز الحركة (الووكر) بعد أن كانت طريحة الفراش والكرسي المتحرك سنة كاملة. كان وقع هذه اللحظة "شاقاً ومفرحاً في الوقت ذاته"، بحسب ما تقول ديمة، إذ أغمي عليها للحظات مع أول خطوة. 

أصاب "ديمة ملاية"، شللٌ في الطرفين السفليين، نتيجة أذية في النخاع الشوكي من جراء سقوط حائط منزلها في قرية "راعل" بريف حلب، فقدت في إثر هذه الإصابة القدرة على الحركة تماماً، إلى جانب تشوّهات في منطقة الظهر من شدة الإصابة، أجرت من أجل ذلك عدداً من العمليات الجراحية في تركيا وسوريا.

وعلى الرغم من أنها ما زالت على الكرسي المتحرّك، فإنها تسجل ـ في هذه الأيام ـ تقدماً ملحوظاً واستجابةً للعلاج، وفقاً للقائمين على عملية علاجها الفيزيائي الصعبة، تسهم في "تحسين حالتها النفسية وعودة الأمل إليها بعد مرارة العلاج". 

وديمة واحدة من مئات الإصابات التي خلّفها زلزال 6 شباط في منطقة شمال غربي سوريا، والتي ما زالت رهن العمليات الجراحية المعقّدة ومراكز العلاج الفيزيائي، منذ نحو عام كامل، تحاول التغلب على الإصابة التي تنكأ جرح الذكرى المريرة بالنسبة لهم. 

ووثقت جهات مدنية، منها فريق "منسقو استجابة سوريا والدفاع المدني السوري"، أكثر من 11 ألف إصابة من جراء الزلزال، لكن تتصدر حالات الهرس والشلل والبتر الأزمة الإنسانية لهذه الأرقام، في ظل فترة علاجٍ مريرة، على حد وصف من التقى معهم موقع "تلفزيون سوريا" في الذكرى السنوية الأولى للزلزال. 

ومن مخيمٍ على أطراف اعزاز شمالي حلب، حيث تقطن ديمة، إلى أطراف مدينة جنديرس، وهي المنطقة التي سجلت فيها المأساة الإنسانية الأكبر من جراء الزلزال، تتشابه قصص المصابين واحتياجاتهم، لكن تختلف مواقع الإصابة والأضرار. إذ إن محمد رمضان زمى، غدا طريح الفراش تارةً، ومتنقلاً على عكازين تارةً أخرى بين ممرات الخيام، إثر إصابة قدمه بمتلازمة الهرس نتيجة الزلزال. 

وفي الشهر الأول من وقوع الزلزال، أوضحت إحصائية سابقة حصل عليها موقع "تلفزيون سوريا"، أن نحو 80 إصابة تعاني من متلازمة الهرس في مستشفيات إدلب، في حين ما زالت تعاني من تداعيات العلاج والعمليات الجراحية حتى اليوم. 

"كدت أفقد قدمي"

يخضع محمد زمى لعمل جراحي بمعدل كل 15 يوماً، في حين كان المعدل في أشهر إصابته الأولى شبه يومي، تنقل خلالها ضمن أكثر من 5 مستشفيات في ريفي إدلب وحلب. 

محمد الذي وصل جنديرس قبل نحو أربع سنوات مهجراً من قرية "قبتان الجبل"، يقول إن علاجه كان معقداً نتيجة تركيب الأسياخ وحالة التفتت والكسور التي أصابت العظام في قدمه.

ويضيف محمد: "الكادر الطبي نتيجة تدهور حال قدمي في الأيام الأولى للزلزال، وبسبب الضغط الشديد على القطاع الطبي، صرحوا بأن قدمي تحتاج إلى بتر. كدت أفقد قدمي، لكن مع ذلك حاولت أن أقدم لها العلاج وأتحمل هذه الرحلة الصعبة". 

يروي محمد من مكان إقامته في مركز إيواء "الكويت" لمتضرري الزلزال قرب قرية دير بلوط بريف عفرين، رحلة علاجه الشاقة والطويلة.


"رجعلي الأمل"

لم يكن وقع الإصابة وحده قاسياً على "ديمة"، فهي أيضاً فقدت والدتها من جراء الزلزال، بعد تهدم منزلهم. 

"رجعلي الأمل بعد ما كنت حس باليأس والقهر"، تقول ديمة لموقع تلفزيون سوريا، واصفةً حالها بعد تمكنها من خطو خطواتها الثقيلة الأولى بعد قعود لسنة. 

تتردد "ديمة" منذ أشهر على مركز "خطوة أمل" للأطراف الصناعية والمقومات وإعادة التأهيل الفيزيائي، الواقع قرب مدينة اعزاز شمالي حلب، إذ تتلقى العلاج الفيزيائي والتمارين فيه من قبل فريق متخصص. 

تقول ديمة: "كانت فترة جدا صعبة، حين لم أكن قادرة على تحريك رجلي أبداً.. كنت أشعر أحياناً أني ما رح أمشي من جديد". 
وتتلقى ديمة علاجات مختلفة منها مدى حركي، وتمارين تقوية وتأهيل للطرفين السفليين والجذع، عبر عدد من الأجهزة العلاجية والمعدات في المركز.

علي سرحان الطبيب مختص بالطب الفيزيائي وإعادة التأهيل ومدير مركز "خطوة أمل"، يقيم النتائج التي وصلت لها ديمة بالجيدة جدًا، ويصنفها كقصة نجاح، إذ أصبحت قادرة بعد أشهر من العلاج الفيزيائي المكثف، على استعمال المقومات بمساندة المساعدات الحركية، وهو تقدم إيجابي في حالتها.

50 مركزاً.. والأطراف الذكية غائبة

استقبل مركز "خطوة أمل" على مدار العام إصابات من جراء الزلزال تنوعت بين حالات الكسور والشلل وحالة بتر واحدة، وقدم لهم المركز العلاج الفيزيائي، وكذلك الأطراف الصناعية.  

ويقول الطبيب علي سرحان إن المركز يقدم خدمات للمرضى وتأهيل متكامل، تبدأ من استشارات الطب الفيزيائي، وجلسات العلاج الفيزيائي بالإضافة إلى توفيره إقامة للمرضى الداخليين وتركيب الأطراف الصناعية.

وبحسب إحصاءات "مكتب شؤون ذوي الإعاقة" التابع لـ"مديرية صحة إدلب"، ينتشر أكثر من 50 مركزاً في شمال غربي سوريا، يقدم خدمات العلاج الفيزيائي والأطراف الصناعية. 

وأشار سرحان إلى أنه كان من الصعب في بعض الأوقات تأمين مواصلات للمرضى إلى المركز وخاصةً أن البعض منهم يقدم من مناطق بعيدة نسبياً.

ويطمح القائمون على عملية تركيب الأطراف الصناعية إلى تحسين جودة الأطراف المقدمة للمصابين، مثل توفير أطراف الكربون و"الهيدروليك" لتساعد المصابين على أداء مهامهم الوظيفية والعمل، لأن غالبيتهم من فئة الشباب، لكنها قليلة جداً بحكم كلفتها المرتفعة.

وتشكل فئة مبتوري الأطراف تحدياً كبيراً أمام القطاع الصحي والعلاج الفيزيائي في المنطقة، نتيجة تزايد أعدادها خلال سنوات الحرب والهجمات العسكرية، ليضيف زلزال 6 شباط أرقاماً إضافية في هذا الصدد. 

أول جهة رسمية

تغيب الإحصائيات الدقيقة التي تحدد أعداد مبتوري الأطراف نتيجة الزلزال في شمال غربي سوريا، لكن يوضح حمدو سلات وهو مدير "مكتب شؤون ذوي الإعاقة"، أن مديرية الصحة في إدلب، سجلت عبر استبيان نحو 20 حالة بتر سواء لأطراف علوية أو سفلية، في المنطقة من جراء الزلزال.

وتم تشكيل "مكتب شؤون ذوي الإعاقة" في الثالث من كانون الأول الماضي ليكون أول جهة رسمية معنية بهذا الملف، ضمن استجابة مديرية صحة إدلب لكارثة الزلزال، وتبعاتها التي خلفت أعداداً من مبتوري الأطراف وذوي الاحتياجات الخاصة.

ويتفق "سلات" مع محدثنا "سرحان" في حاجة فئة مبتوري الأطراف إلى أطراف صناعية ذكية بدلاً عن العادية التي توفرها المراكز المنتشرة وهي أطراف محلية الصنع. يقول إن "تخديم الحالات كان بأطراف بسيطة لم ترق إلى الأطراف الذكية ذات الفاعلية". 

وتحدث مدير المكتب، حمدو سلات لموقع تلفزيون سوريا عن تأسيس المكتب وأبرز التحديات التي تواجه فئة ذوي الإعاقة من جراء الزلزال:

ظروف عمل قاهرة 

تلقي الإصابات بثقلها على مصابي الزلزال، بدءاً من مشقة العلاج الجسدية والأوجاع الناتجة عن الإصابة، وارتفاع تكاليف العلاج المادية وخاصةً تأمين الأدوية، ووصولاً إلى تأثيرها على عمل المصاب وظروف عودته لميدان العمل.  

يقطع بسام المرعي مسافة 2 كيلومتر يومياً من مكان إقامته المؤقت في مخيمات "كلبيد" إلى مخيمات "البردقلي" حيث محل عمله في صيانة الدراجات النارية.

يقول "المرعي" الذي فقد اثنين من أطفاله من جراء الزلزال، وتعرض لإصابةٍ بالغة في منطقتي الصدر والظهر إن قدرته على العمل تراجعت كثيراً إذ يصيبه التعب في ساعات عمله الأولى بسبب تراجع حالته الصحية وتحديداً الإصابة في ظهره، ولا تمنحه ظروفه المعيشية فرصة لإيقاف عمله والتعافي، كما أن ظروف عمله وتنقله بالدراجة النارية يزيد من سوء إصابة الظهر.

تبلغ أن تكاليف الأدوية التي يتلقاها مرعي وزوجته التي أصيبت أيضاً في منطقتي القدم والرأس بالزلزال، 900 ليرة تركية شهرياً، وهي مبالغ مضطر لتأمينها بنفسه في ظل غياب جهة مانحة تتكفل بمصاريف رحلة علاجه. 

محدّثنا محمد زمى، هو أيضاً نتيجة إصابته في القدم، يعجر عن مزاولة أي عمل يعيل أسرته. يقول لموقع تلفزيون سوريا: "أنا مقيم في الخيمة منذ إصابتي، وأعيش من مبلغ مالي خصصه لي أحد أقاربي وبعض المساعدات القليلة التي تصل لمركز الإيواء الذي أقطن فيه". 

يتحرك محمد على عكازين، وتتخلل أيامه عمليات جراحية دورية حالت من إمكانية تأمين فرصة عمل مناسبة لظرفه الصحي.

تفعيل مشاريع سبل العيش

لا تغيب ضرورة التفكير بإيجاد فرص عمل تناسب مصابي الزلزال وحالهم الصحي، عن المؤسسات الصحية والاجتماعية في المنطقة، وهو ما يؤكد الطبيب سرحان الذي يرى أن مرضى الزلزال من المصابين والمبتورين، يحتاجون إلى جانب الخدمات الطبية، خدمات أخرى تساعدهم على تأمين قوت يومهم، مثل مشاريع سبل العيش، حتى تعيدهم للمجتمع بشكل أفضل دون الحاجة إلى معيل. 

ولدى سؤالنا لـ"مديرية الرعاية الاجتماعية" في وزارة التنمية والشؤون الإنسانية التابعة لـ"حكومة الإنقاذ" عن إمكانية تفعيل هذه المشاريع، أوضح علاء قزة وهو موظف في المديرية، أن الأخيرة استجابت لـ 30 حالة من مبتوري الأطراف من جراء الزلزال، بمساعدات إغاثية ومشاريع تنموية.

ويقول لموقع تلفزيون سوريا إن المديرية بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية، قدمت مشروعاً يتضمن توفير كشك مواد غذائية مع مواده الأساسية، بهدف توفير فرصة عمل للمصابين، والاعتماد على أنفسهم، بدلاً من الاعتماد على السلة الغذائية".

ويجمع كل من محمد وديمة وبسام على إمكانية أن تتحسن ظروفهم نتيجة تسليط الضوء على معاناة مصابي الزلزال في الذكرى السنوية الأولى.

"ورقة الحقائق" التي ينشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "اوتشا - OCHA" شهرياً لا تدعو سكان شمال غربي سوريا للتفاؤل، فالمساعدات الأممية تتناقص مع مرور الزمن لعدم التزام الدول المانحة بتعهداتها، لدرجة أن برنامج الأغذية العالمي أعلن عن توقفه في سوريا منذ مطلع العام الجاري، وفي حين ينحدر مؤشر الدعم الإنساني للمنطقة يتصاعد مؤشر عدد المحتاجين الذي بلغ عددهم بحسب الأوتشا في شباط الجاري 4 ملايين و100 ألف شخص من مجمل عدد السكان البالغ 4.55 ملايين نسمة.