رجل الإطفاء الذي يشعل الحرائق

2022.03.04 | 07:00 دمشق

5e4d17d04c59b760da6ae717.jpg
+A
حجم الخط
-A

تسلم سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي مهام منصبه في عام 2012، بعد أكثر من ثمانية عشر عاماً، قضاها كوزير للدفاع المدني والطوارئ في روسيا الاتحادية.

الرجل التوفياني الروسي المنحدر من مدينة تشادان في جمهورية توفا ذات الحكم الذاتي في روسيا الاتحادية والذي لم يدرس العلوم العسكرية، ولم ينخرط في الجيش، باتت أعين العالم معلقة به بعد عملية غزو أوكرانيا الأول في عام 2014، والتدخل العسكري الروسي في سوريا، والغزو الثاني لأوكرانيا هذه الأيام.

ولد شويغو في عام 1955 من أب كان يشغل منصب نائب رئيس الحكومة في جمهورية توفا، مما أتاح له فرصة التدرج في المناصب الحكومية بسهولة في روسيا الشيوعية، حيث كان عضواً في الحزب الشيوعي، درس هندسة العمارة في موسكو، وتسلم رغم صغر سنه نائب لجنة الفن المعماري والإنشاءات في روسيا السوفييتية في عام 1990، ثم ترأس فيلق الطوارئ المختص بمعالجة حالات الكوارث في عام 1991، قبل أن يصبح وزيراً للدفاع المدني في عام 1994، إضافة لاهتمامه بحالات الطوارئ فهو محب للصيد والمغامرات وشريك فلاديمير بوتين ونديم رحلات صيده في السنوات الأخيرة، ترأس الجمعية الجغرافية الروسية، إضافة لكونه فناناً تشكيلياً ونحاتاً وكاتب قصة قصيرة، أقام معرضه الأخير في شهر آب الماضي في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان، حيث عرض مئة لوحة وعمل فني من إبداعه تحت عنوان "الإبداع من أجل الحياة".

يقول شويغو إنه يستلهم فنه وإبداعه من حبه وتعلقه بوطنه الأم وبغاباته وسهوله الخصبة. وجمهورية توفا كانت جزءاً من مملكة تشينغ الصينية لعدة قرون قبل أن تشجع روسيا القيصرية حركة انفصالية فيها توجت في إعلان الاستقلال عن الصين عام 1914، وبقي وضعها السياسي غير واضح حتى ضمها الاتحاد السوفييتي إليه في عام 1944 بعد أن كان الدولة الوحيدة التي تعترف باستقلال توفا إضافة لمنغوليا، تقع الجمهورية في وسط آسيا على حدود منغوليا وتبلغ مساحتها 170 ألف كيلومتر مربع، بينما لا يزيد عدد السكان عن ال400 ألف نسمة أكثر من 85 في المئة من قومية التوفيان بينما الباقيون من الأقلية الروسية وقوميات أخرى، ويدين أغلب السكان البوذية بتأثيرات تيبيتية، وبالشامانية وعبادة الأرواح ويتحدثون لغة هي مزيج  بين المغولية والتركية والأذربيجانية.

لا تنسجم السيرة الشخصية لشويغو وصفاته وتأهيله، مع الصورة الحالية للعسكرتارية الروسية التي يراد تصويرها وكأنها الجيش الأحمر في نسخته الجديدة المطورة، والتي ستأخذ على عاتقها إعادة إنتاج الإمبراطورية الروسية في المجال الجيوسياسي السوفييتي القديم لتكون نداً وقطباً ثانياً يدير العالم.

هذه الصفات الشخصية تدفع للتساؤل عن سبب تعيين شخص غير عسكري ولم ينخرط في أي خدمة عسكرية في حياته، على رأس جيش يحاول أن يستعيد مجد إمبراطورية غابرة، ولا سيما مع وجود جنرال محترف على رأس قيادة الأركان هو الجنرال فاليري غراسيموف الذي يعد واحداً من أفضل العسكريين في العالم وإليه ينسب عقيدة غراسيموف في الحرب الهجينة.

 في الأنظمة الديمقراطية، يكون وزير الدفاع مجرد رئيس مدني يحرص على عدم تدخل الجيش في السياسة، لكن في الأنظمة الديكتاتورية فإن وزير الدفاع هو أكثر من ذلك، فالطغاة لا يخشون الشعوب التي يحكمونها، لأنهم يعلمون أن الجيش هو القوة الوحيدة القادرة على إزاحتهم ولذلك يلجؤون عادة إما لتفتيت الجيش كما فعل القذافي إبان حكمه، أو لوضع رجل ضعيف غير مؤهل على رأس الجيش ليسهل السيطرة على الجنرالات المحترفين، وضمان تنفيذ أوامره أياً كانت.

في الحالة الروسية فإن بوتين الممسك بأجهزة الأمن يدرك أن جنرالاً كبيراً على رأس الجيش ومع زيادة النزعة العسكرية سيشكل خطراً كبيراً عليه، ولذلك جاء بشويغو ابن عرقية التوفيان قليلة العدد، وهذا بحد ذاته سيضمن أنه لن يطمح في يوم ما للإطاحة ببوتين، تتشابه حالة شويغو مع الحالة التي شكلها وزير دفاع حافظ الأسد المزمن مصطفى طلاس، فطلاس كان كما شويغو يعرف في كل شيء سوى العلوم العسكرية، فهو كاتب وشاعر ورئيس جمعية التصوير الضوئي ورئيس جمعية الحفاظ على الوردة الدمشقية ومؤرخ وفي أوقات فراغه من هذه الأعباء كان يلاحق الفنانات الصاعدات وطالبات المدارس الثانوية.

في الغزو الحالي لأوكرانيا نكاد لا نرى أسلوب الجنرال فاليري غراسيموف الذي اعتمد استراتيجية "الحرب الهجينة" التي أسهمت باحتلال القرم وضمه إلى روسيا من دون أي ضجيج أو كلفة بشرية، ويمكن القول بأن هذه الحرب هي أسلوب بوتين وتنفيذ شويغو، ويبدو أن أسلوب غراسيموف، لم يعد يشبع نهم الديكتاتور القيصر الباحث عن المجد بصيغته الإسبارطية والرومانية القديمة، أي السير على جثث المهزومين والمدن المحطمة، لذلك عاد لأسلوب الحرب القديم حيث تقتحم الدبابات المدن وتقصف المدفعية والطائرات كل مناحي الحياة وتحيلها جحيما، إنه هوس القيصر الباحث عن إكليل غار ولو كان مصنوعاً من جثث الأطفال والنساء والمدنيين.

قد يكون من الظلم تحميل شويغو مسؤولية المغامرات العسكرية لبوتين، لأن الرجل كما قلنا لا علاقة له بالعسكرتارية، لكن من المؤكد أن جيشاً مريضاً مثل الجيش الروسي يرأسه فنان تشكيلي يأتمر بأوامر ديكتاتور مصاب بلوثة التاريخ وبهواجس النصر، سيكون أكثر وحشية وعنفاً من الجيوش المحترفة التي يقودها جنرالات يعرفون معنى الحرب وكلفتها الباهظة، ويعرفون متى يتوقفون عن عبث القتل وجنون السلاح.