icon
التغطية الحية

"ذا هيل": للضغط على إيران ينبغي على واشنطن أن تقطع اتصال الهلال الشيعي من سوريا

2024.02.16 | 07:16 دمشق

قاعدة البرج 22
قاعدة البرج 22
The Hill - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أتى الرد الرسمي الأميركي على سلسلة من الهجمات التي نفذتها ميليشيات حليفة لإيران على قاعدة البرج 22 في الأردن في الثامن والعشرين من الشهر الماضي عبر مجموعة من الهجمات والغارات، غير أن تلك الهجمات كانت سطحية ولم تمنع وقوع مزيد من الغارات على مقار أميركية في عموم الشرق الأوسط، وذلك لأنها لم تضغط على إيران بما فيه الكفاية، ولهذا يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ الهجمة الأخيرة مع غيرها من التحركات الإيرانية في الشرق الأوسط بعين الجد، وذلك عبر استهداف هذا المحور وإمساكه من اليد التي تؤلمه، أي من سوريا، من دون التسبب بإشعال حرب إقليمية كبرى.

احتراماً لتعهد سابق، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن تنفيذ عملية ضد الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق وسوريا في الثاني من شباط، وذكر بأن الجيش الأميركي استهدف 85 موقعاً لتلك الميليشيات، وقد قتلت هذه الغارات عدداً غير محدد من مقاتلي الميليشيات، ثم شن الجيش الأميركي ضربات أخرى في السابع من شباط قتلت إحداها أحد قياديي كتائب حزب الله في بغداد، بما أن هذا الشخص وحزبه مسؤول عن الهجمات التي استهدفت البرج 22.

حالة نصف الردع

أتت تلك القرارات لوقف مزيد من الهجمات عقب الغارة على البرج 22 والتي قتل بسببها ثلاثة جنود أميركيين وجرح 40 آخرين، لتصبح تلك أول غارة تفتك بأميركيين من بين أكثر من 165 غارة استهدفت المقار الأميركية منذ السابع من شباط، بيد أن طهران ما فتئت تنكر مسؤوليتها عما جرى، حتى بعدما أعلنت إيران عن هدفها الأكبر المتمثل بالضغط على الولايات المتحدة من خلال القوة لدفعها للانسحاب من المنطقة.

وبذلك تشتد الظروف في الشرق الأوسط قسوة، وفي ذلك مؤشر صريح على أنه ينبغي على القادة الأميركيين اتخاذ خطوات أخرى لردع إيران ولنشر الاستقرار في المنطقة.

وفي ظل هذا السياق، سيكون من الحكمة بالنسبة لإدارة بايدن أن تبدي موقفاً أشد عبر ضرب إيران ومحور المقاومة من حيث يؤلمه، لاسيما بعد فشل النهج الحالي الذي تتبعه تلك الإدارة.

بيد أن مشكلة الاستراتيجية التي يتبعها فريق بايدن تتمثل في تجنبها للمخاطر، إذ إن الهجمات الأخيرة التي استهدفت الميليشيات الحليفة لإيران يمكن أن تعبر عن الجهود المبذولة لتخفيف الضغط في الداخل خلال سنة الانتخابات مقارنة بسعيها لردع إيران بشكل مستمر، غير أن هذا الضغط في الداخل يعتبر أمراً ضرورياً نظراً لأن الإجراءات المستمرة المتبعة والتي تمثل حالة نصف ردع ستوصلنا إلى النتيجة نفسها دوماً والتي تتلخص بتصعيد إيراني وتعرض القوات والمصالح الأميركية لتهديدات شديدة إثر ذلك.

ولهذا فإن الجهود الساعية لإضعاف شوكة إيران في سوريا يمكن أن تسهم في قطع الرابط المباشر الذي يمتد من لبنان حتى إيران، والذي يجمع بين القوات التابعة لإيران، إلى جانب دق إسفين فيما يعرف بالهلال الشيعي. إذ في الوقت الذي تدعي فيه إيران البراءة فيما يتصل بهذه الشبكة، نجدها مسؤولة عن تصرفات التابعين لهذه الشبكة بما أنها تمولهم وتمدهم بالسلاح. ولذلك ينبغي على بايدن أن يفكر بتنفيذ مزيد من الضربات لتشمل مسؤولين إيرانيين مرتبطين بالحرس الثوري، مع الإسراع في ضرب تلك الأهداف قبل أن تفلت من يدها.

وينبغي من خلال هذا النهج التركيز على سوريا نظراً لصعوبة الديناميات السياسية في العراق، وذلك لأن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بات يتعرض لضغط في الداخل حتى يطرد القوات الأميركية بعد تواصل الغارات التي تشنها الولايات المتحدة على الميليشيات الإيرانية في بلده، وهي الميليشيات ذاتها التي تشكل التكتل السياسي الحاكم الذي ينتمي إليه السوداني.

استراتيجية الردع الأميركية تنطلق من سوريا

في الوقت الذي يدعم فيه رئيس الوزراء العراقي فكرة وجود مهمة استشارية أميركية في البلد، ذكّرت الغارات الأميركية على بلده شعبه بالوجود الأميركي الذي طال أمده في العراق وكرهه الناس، وأثار مخاوف على سيادة الدولة عمدت الميليشيات الإيرانية إلى تأجيجها لزيادة قوتها ونفوذها.

وهذا الواقع يعقد الهجمات، لأنه من أكبر مصالح الولايات المتحدة إبقاء جنود لها في العراق حتى ينشروا الاستقرار في البلد، وذلك من خلال مهمة محاربة تنظيم الدولة والمهمة الاستشارية للجيش الأميركي في العراق.

بيد أن سوريا لا تحمل كل تلك الأعباء، وذلك لأن الميليشيات الإيرانية الموجودة فيها مهمشة وتفتقر إلى التنظيم، وهذا ما يجعل أمر استهدافها أسهل، كونها تمثل ثمرة أينعت وحان قطافها. ثم إن رأس النظام في سوريا، بشار الأسد، ليس صديقاً للولايات المتحدة ولا للبشرية جمعاء، كما أن الوجود الإيراني في سوريا لا يحظى بأي شعبية بين أوساط السوريين، ما يعني بأن المخاطر السياسية المرتبطة بالعراق غير موجودة في سوريا بالسوية نفسها.

والأهم من كل ذلك الموقع الجغرافي لسوريا الذي يحتل قلب الشرق الأوسط ما يجعلها أفضل دولة مرشحة لتنفيذ استراتيجية الردع الأميركية بمعانيها الأوسع، إذ عبر قطع الهلال الشيعي من سوريا، ثم التمدد نحو لبنان فالعراق فإيران، يصبح بوسع بايدن ضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الوقت ذاته بطرق تمكنه من ردعها من دون أن يترتب على ذلك أية تكاليف، أو بكلفة بسيطة نسبياً.

بيد أن البديل هنا مقلق جداً، وذلك لأن شبكات الولايات المتحدة في المنطقة والمتعاونين معها هناك ذكروا بأن إيران أخذت توسع مقارها العسكرية في سوريا منذ السابع من تشرين الأول، كما صارت تهرب الجنود والسلاح بين المدنيين السوريين والأحياء المدنية لحماية قواتها من الغارات الأميركية والإسرائيلية قدر الإمكان، وقد نقلت في الوقت ذاته عدداً كبيراً من كبار المسؤولين في الحرس الثوري إلى مواقع أشد أمناً بعدما هدد بايدن بالانتقام إثر الغارة التي استهدفت البرج 22، وفي ذلك مؤشر على أن إيران تعطي الأولوية لتوسيع نفوذها في سوريا، وأشد ما يهمها هو أمن كبار الضباط لديها، بما أنهم ينفذون سياستها من خلال وكلاء إيران.

يتسم هذا الواقع بأهمية كبرى في ظل السياق الأوسع للديناميات التي تعمل في الداخل السوري والتي صارت تتطور إلى حد كبير بعد تراجع الوجود الروسي في سوريا، لأن هذا التحول سيكون طويل الأمد بما أنه ظهر مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا.

هذا وتعتقد موسكو بأن طهران قد طالت إقامتها كثيراً في سوريا وهي بذلك تعقد الظروف هناك، وهذا ما يعكس نهجها التخريبي بشكل متزايد، وقد تسبب ذلك بدفع الروس للتنازل بشكل تدريجي عن الأرض لصالح إيران في ذلك البلد، غير أن هذا الوضع أسهم فقط في زيادة ثقة إيران بسوريا وبما أن ذلك قد ترافق مع تقاعس أميركي، فقد خلف آثاراً سلبية طويلة الأمد على المصالح الأميركية في المنطقة.

طالما بقيت طهران تظن بأنه بوسعها ضرب القوات الأميركية من دون أن يأتيها رد جدي سريع، فإنها ستواصل الاستعانة برجال ميليشياتها الكثيرة لضرب القوات والمصالح الأميركية في الوقت الذي تتوسع فيه ضمن مواقع جيوسياسية حساسة مثل سوريا، وهنا يجب على المسؤولين الأميركيين أن يتذكروا بأن إيران تستجيب بالقوة، لذا فإن عدم اللجوء للقوة مع إيران سيتحول إلى تهديد لأرواح الأميركيين، كما سيحول دون تحقيق الولايات المتحدة لأهدافها في الشرق الأوسط.

المصدر: The Hill