ديانا جبور.. عندما يكفر المدلّل بالوطن

2021.08.14 | 05:08 دمشق

669356-837217.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تفوت ديانا جبور فرصة تأكيد كفرها بوهم نجاة الوطن من عتمته بعد سنوات من الصراخ من أجله كما تدعي، وفي ردودها على منتقدي منشورها الذي  يدعو للهجرة الجماعية كان واضحاً أن الأمر أكبر من أمنية:(بمناسبة رأس السنة الهجرية أتمنى لنا و لكم إعادة سيرة  السلف الصالح وأن نهاجر كلنا كلنا).

المديرة السابقة في تلفزيون النظام أعلنت ندمها على البقاء في حضن الوطن في أحد الردود (لما ضلينا ما فكرنا لبعيد)، وحظي المنشور بإعجاب كثيرين من الذين أبدوا الرغبة في الخروج من وطن الظلمة والطوابير والذل ومنهم عاصم حواط بينما وجد المنافقون مساحتهم في المزاودة حتى على أبناء النظام وخدمه، وأما الساخرون فعبروا عن عظيم فجيعتهم -لو خرجوا- بفقدان المواد المدعومة على البطاقة الذكية، والخمسين لتراً من مازوت التدفئة كل سنة، وذكرياتهم الدافئة في طوابير الخبز والوقود.

لكن السؤال الذي لا يمكن تجاهله لماذا تمنت ديانا المدللة أن تترك حضن الوطن بالرغم من حظوتها ووقوفها طوال سنوات الموت والحرب مع النظام ودفاعها عن ولائها لنهج القتل وحلول القسوة ضد معارضيه.. ترى هل ضاق حضن الوطن على عاشقيه؟.

مع كل هذا التاريخ الطويل في أروقة مكاتب الوطن واستديوهاته تريد ديانا أن تخرج نادمة على البقاء فماذا يقول أولئك الذين لم يترك لهم الوطن مجرد منبر لرواية حكاياتهم البسيطة؟

لم يبخل النظام على ديانا جبور بالمناصب والرواتب الكبيرة والمنزلة، وحصلت مع زوجها المخرج باسل الخطيب على فرص العمل، وانتقلت من صحفية بلسان واحد وأمينة تحرير إلى مديرة للمؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني، وكتبت عدداً من الأعمال الدرامية، ومن ثم مديرة للتلفزيون بعشرة أذرع وسرب عيون.

مع كل هذا التاريخ الطويل في أروقة مكاتب الوطن واستديوهاته تريد ديانا أن تخرج نادمة على البقاء فماذا يقول أولئك الذين لم يترك لهم الوطن مجرد منبر لرواية حكاياتهم البسيطة؟ وماذا سيقول أولئك الذين استخدمتهم لقراءة النصوص البائسة المقدمة لمؤسستها من أجل حفنة من الليرات؟

ليست ديانا الأولى في سلسلة الحالمين بأوطان جديدة من دون نكهة الذل وكذبة حضنه الرحيم، ولذا خرج عتاة الموالين ودعاة الذبح كبشار إسماعيل للصراخ من الجوع والبرد، وهؤلاء لم يعد باستطاعتهم أن يستمروا في وسط حياة التهميش والإقصاء التي يحيونها بالرغم من قدرتهم على تجييش الرعاع إلا أنهم هم أنفسهم انتفت الحاجة لهم، والفرص التي حلموا بها بعد إعلان النصر المزيف كانت كذبة كبرى.

موجات الهجرة السرية لجموع الموالين بدأت مبكراً ولأسباب مختلفة، ومنهم حملة السلاح المساهمون في بؤر الدم السوري، ومنهم من فقد ثقته بمؤسسة النظام العسكرية، والفساد الكبير المهيمن حيث رحل فاسدون موتاً وتحييداً وحلّ آخرون أكثر سطوة من مجرمين وتجار حرب، وأما الناعمون من إعلاميين وفنانين وتجار فغادروا من غير ضجيج حالمين بعودة أخرى أو لإقامة ذهبية مباغتة.

الأسابيع الأخيرة القاسية شهدت جهوداً حثيثة من أجل الخروج بأي ثمن، وأفرجت العائلات عن بقايا مدخراتها لإرسال أبنائها إلى بلدان اللجوء بالرغم من تراجع الدعم في معظم الدول وخطورة الوصول وربما القتل على الحدود إلا أن آمال النجاة أعظم من قسوة البقاء في الوطن.

سوف تخرج قوافل أخرى من صمتها إلى العلن قريباً حالمة ببعض الخبز والكهرباء مقابل التنازل عن نكهة الانتصار، والولاء لحذاء القائد

فكرة الوطن تضاءلت حتى أصبحت فرصة عمل أو لقمة عيش فيما خرجت جموع السوريين عام 2011 من أجل الحلم والكرامة ومن ثم النجاة من سجن القاتل، وبينهما انتهازيون يرون أن الفرصة هي في الحصول على جنسية جديدة، وسوق جديد للبيع والشراء يمارسون فيه هوايتهم في تبديل الوطن كما لو أنها مفاضلة بين سلعة رديئة وأخرى جيدة وهامش ربح كبير، وهؤلاء باعوا السلاح والأرض وارتضوا بمن يدفع لتبديل العقيدة والانتماء، ولا ضير لديهم في أوطان على مقاس جيوبهم وأطماعهم.

سوف تخرج قوافل أخرى من صمتها إلى العلن قريباً حالمة ببعض الخبز والكهرباء مقابل التنازل عن نكهة الانتصار، والولاء لحذاء القائد، ولن يكون مفاجئاً أن يلعن زهير عبد الكريم اللحظة التي اعتقد فيها أن تقبيل بسطار عسكري ربما تقربه من أحذية أعظم لكنه اليوم يشكو سرقة أدوار كانت على مقاسه وأعطيت لغيره.. هكذا يكفر المدلّل الدنيء بوطنه الصغير.