دستور قيس سعيد

2022.07.10 | 06:54 دمشق

قيس سعيد
+A
حجم الخط
-A

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد دستورا مختلفا كليا عن مسودة الدستور التي كلف بها رجل القانون الدستوري الصادق بلعيد، ورغم أن نسخة بلعيد لم تكن لتحظى بأي قبول لكونها كتبت في الخفاء وما زالت غير معلنة فإن خطوطها العريضة _كما أن الرجل الذي يقف خلفها_ كلها تثير الشكوك، فالصادق بلعيد ذو 83 عاما اعتاد كتابة دساتير على المقاس، منذ حكم بورقيبة أول رئيس لتونس بعد الاستقلال، ولذلك ألغى بلعيد دور رئيس الحكومة كما هو دستور تونس المعمول به بعد الثورة الذي سمح بالانتقال من النظام الرئاسي إلى نظام برلماني، ولو أن نسخة الدستور لعام 2014 كانت أشبه بالصيغة الهجينة وهو ما مكّن الرئيس الحالي قيس سعيد من تزييف الدستور وسحب كل الصلاحيات لصالحه وتحويل النظام الحالي إلى نظام رئاسي مطلق مع صلاحيات تنفيذية كاملة أشبه بنظام دكتاتوري كامل.

بالرغم من كل ذلك فدستور الصادق بلعيد لم يعجب قيس سعيد ولذلك أراد صيغة دستورية تعطيه صلاحيات تشريعية بحيث يستطيع التشريع خلال فترات عدم انعقاد البرلمان ويعين أعضاء الجهاز القضائي وهو ما يعطيه صلاحيات في السيطرة على السلطة القضائية وهو بكل تأكيد ممسك بكل صلاحيات السلطة التنفيذية.

لا شكوك بعد الآن بأن مسودة الدستور التي أعلن عنها قيس سعيد هي مقدمة لبناء نظام دكتاتوري كامل حيث يسيطر رئيس الدولة على كل الصلاحيات فيها التنفيذية والتشريعية والقضائية مما يكشف نوايا قيس سعيد منذ البداية وهي القضاء على النظام السياسي الديمقراطي الذي ولد في تونس بعد الثورة والعودة إلى نظام دكتاتوري شبيه بنظامي بورقيبة وزين العابدين بن علي وهما النظامان اللذان ثار التونسيون ضدهما من أجل بناء نظام ديمقراطي تعددي يسمح بالانتخاب والتداول السلمي  للسلطة.

لا شكوك بعد الآن بأن مسودة الدستور التي أعلن عنها قيس سعيد هي مقدمة لبناء نظام دكتاتوري كامل حيث يسيطر رئيس الدولة على كل الصلاحيات فيها التنفيذية والتشريعية والقضائية

من المقرر أن يعقد الاستفتاء على الدستور في نهاية الشهر الحالي، ويعتقد كثيرون أن الاستفتاء سيمر وسيعطي موافقة لدستور قيس سعيد بصيغته ألأسوأ هذه، صحيح أن خطة المعارضة هي مقاطعة الاستفتاء لكن أعتقد أن التصويت سيكون بلا  أهمية وتأثير كبيرين، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ما حصل مع استفتاء بينوشيه في تشيلي عام 1996 حيث حشدت المعارضة قواها وتمكنت من إسقاط بينوشيه عبر التصويت بلا، فقول لا يعني أنك جزء من العملية السياسية ويهمك التصويت على مستقبل بلادك لكنك بنفس الوقت ترفض مسودة الدستور التي تقود إلى نظام دكتاتوري ولذلك يجب على المعارضة وعلى رأسها حزب النهضة أن تحشد قواها من أجل التصويت بلا على مسدوة الدستور وإسقاطه عبر التصويت بغالبية كبيرة على رفضه.

أما المقاطعة فستسمح لموالي الرئيس قيس سعيد بتسجيل أنفسهم على أنهم الأكثرية بقول نعم، رغم الانخفاض الكبير في عدد المصوتين وهو ما سيسمح له بتمرير الاستفتاء دون الاكتراث بنسب التصويت، فهو يريد تغطية بأي شكل من الأشكال على الإجراءات غير الدستورية التي قام بها، والحصول على الشرعية الدستورية ومن ثم الدعم الدولي خاصة أن هذا الدعم مشروط اليوم مقارنة مع الدعم الإماراتي غير المشروط والذي يعتمد عليه سعيد اليوم من اجل الاستمرار في الحكم.

ولذلك أفضل طريق يمكن أن تتخذه المعارضة اليوم هو بناء التحالف الأكبر بين كل قواها من أجل التصويت بلا ضد مسودة الدستور الحالي هذا طبعا إذا ضمن مراقبة نزيهة لنتائج التصويت والنتائج لا سيما أن قيس سعيد أزاح رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات وقام بتغيير كل الشخصيات السياسية على رأس الوكالات الحكومية التي ترفض تغوله باسم السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى وقام بتعيين شخصيات مقربة له ولمشروعه الاستبدادي الكامل، وللأسف لن تفتقر تونس لهذا النوع من الشخصيات الانتهازية الموجودة في كل بلد تقريبا بما فيها الولايات المتحدة كما وجدنا خلال فترة ترامب، لكنهم وقفوا في النهاية مع المؤسسات ضد ترامب، وكذلك على هؤلاء الوزراء اليوم دعم المؤسسات على حساب سعيد وعلى المعارضة أن تخوض معركتها من أجل التصويت بلا ضمن أوسع طيف ممكن، فهو الطريق الوحيد الذي يسقط سعيد ودكتاتوريته.