icon
التغطية الحية

دراسة: أول عملية تهجين لـ "الحمار" في التاريخ جرت في سوريا وبلاد الرافدين

2022.01.16 | 12:01 دمشق

كونغاس حمار مهجّن
(كونغاس) حمار مهجّن في لوحة سومرية (blendspace)
ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

نشر موقع (world news Nature) دراسة جديدة رجّح فيها أن تكون شعوب بلاد الرافدين وسوريا القديمة هم أول من استخدم أنواعاً هجينة من "الحمير" في أعمال الجرّ وقيادة عرباتهم الحربية، وذلك قبل نحو 500 عام على الأقل من استخدام الخيول لهذا الغرض.

دراسة العظام القديمة

وأوضحت الدراسة أن باحثين تمكنوا من فحص حمض نووي قديم حصلوا عليه من عظام حيوانات في شمالي سوريا، بهدف الإجابة عن لغز قديم يدور حول نوع حيوانات أطلق عليها الباحثون اسم (الكونغاس)، كانت تجر عربات الحرب قبل الخيول.

وتقول عالمة الجينات في معهد جاك مونود بباريس، إيفا ماريا جيجل، وهي إحدى المشاركات في الدراسة: "أدركنا أنها كانت من الخيول (الشبيهة بالحصان) من تحليل العظام، لكنها لم تتناسب مع أبعاد الحمير أو الحمير البرية السورية. نتيجة لذلك، استنتجنا بأن هناك اختلافا بينهما، ولكن لم تتضح لنا ماهية هذا الاختلاف".

ووفقًا للدراسة الأخيرة، كانت الكونغاس هجينة قوية وسريعة تجمع صفات حمار محلي (مدجّن) وذكر حمار بري سوري، أو (Hemione)- نوع محلي من الخيول.

قوية ومكلفة

ووفقًا لـ جيجل، فإن الوثائق القديمة تحدد الكونغاس على أنها كائنات مميزة للغاية ومكلفة، وهو ما قد يفسره إجراء عملية تكاثرها -تهجينها- المعقد، كما هو الحال مع العديد من الحيوانات الهجينة مثل البغال. وقالت جيجل إنه للحصول على حيوان كونغاس، يجب إجراء عملية تزاوج أنثى حمار محلية مع حمار بري بالغ، والذي كان لا بد من اصطياده حياً.

وتضيف أن ترويض الحمير البرية كان أمرًا صعبًا للغاية، حيث يركضون أسرع من الحمير المحلية ومن الكونغاس أيضاً، وكان من الصعب تدريبهم.

وأكدت جيجل أن فريقها تمكن بالفعل من إنتاج هذا الهجين "بيولوجيًا". وقالت: "على حد علمنا، كانت هذه هي الهجينة الأولى، وكان على القدماء هناك أن يفعلوا ذلك في كل مرة لكل كونغاس يتم إنتاجه، وهذا هو السبب في أنه كان ثميناً للغاية".

"الكونغاس" في النقوش القديمة

وشوهدت حيوانات كونغاس وهي تجر عربات قتال بأربع عجلات على "ستاندرد أوف أور" الشهيرة، وهي فسيفساء سومرية منذ نحو 4500 عام، وهي معروضة حاليًا في المتحف البريطاني في لندن. وكانت قد تمت الإشارة إليها في الألواح المسمارية القديمة في بلاد ما بين النهرين.

 

لوحة ستاندرد أوف أور.jpg
ستاندرد أوف أور

 

وافترض علماء الآثار أن الحيوانات الموجودة في الفسيفساء هي عبارة عن حمير هجينة، ولكن جيجل ذكرت أنهم لا يعرفون من أي خيل تم تهجينه. وفقا لها، يعتقد العديد من الخبراء أن الحمير البرية السورية كانت قليلة جدًا -أصغر من الحمير المحلية- ليتم تربيتها بهدف إنتاج الكونغاس .

وذكرت الدراسة أن آخر حمار بري سوري -يبلغ ارتفاعه أقل من متر (3 أقدام)- قد توفي للأسف في عام 1927، داخل أقدم حديقة حيوانات في العالم، وعظامه موجودة اليوم في متحف التاريخ الطبيعي في العاصمة النمساوية فيينا.

مطابقة الحمض النووي

وبحسب الدراسة، قارن الباحثون الحمض النووي المأخوذ من عظام آخر حمار بري سوري -من متحف فيينا- مع جينوم حمار بري عثر عليه في موقع "غوبيكلي تيبّي" الأثري في جنوب شرق تركيا.

وكشفت المقارنة أن كلا المخلوقين كانا من نفس النوع، لكن الحمار البري القديم كان أكبر بكثير. وهذا يشير إلى أنه بسبب العوامل البيئية مثل الصيد في الماضي القريب، نمت أنواع الحمار البرية السورية بشكل كبير عما كانت عليه في الماضي.

ووفقًا لدراسة نُشرت عام 2020 في مجلة Science Advances من قبل العديد من الخبراء، كان السومريون أول من أنتج كونغاس (نحو 2500 قبل الميلاد) أي قبل 500 عام على الأقل من نقل الخيول المستأنسة الأولى من السهوب شمال جبال القوقاز.

لماذا هذه الحمير مميزة؟

وفقًا لوثائق الألواح القديمة، تمكّن الآشوريون والشعوب المنحدرة من السومريين من تربية وبيع الكونغاس لأجيال متعاقبة. وتصوّر لوحة حجرية منحوتة من العاصمة الآشورية نينوى وموجودة حاليًا في المتحف البريطاني، رجلين يرافقان حمارًا بريًا كانا قد اختطفاه.

قدم مجمع الدفن الملكي في "تل أم المرة" في شمالي سوريا، والذي يرجع تاريخه إلى العصر البرونزي المبكر (بين 3000ق.م و2000ق.م)، عظام الكونغاس لأحدث دراسة أجريت قبل الدراسة الحالية؛ ويرجّح أن يعود الموقع لمدينة "طوبا" القديمة المذكورة في النصوص المصرية القديمة.

واكتشف جيل ويبر، عالم الآثار بجامعة بنسلفانيا، العظام منذ ما يقرب من عشر سنوات كمؤلف مشارك في تلك الدراسة. وأكّد أنها تعود لـ الكونغاس: "لأن أسنانها تحمل ندوبًا من أحزمة القطع وأنماط التآكل التي تشير إلى تغذيتهم بعناية بدلاً من السماح لهم بالرعي مثل الحمير الأخرى" وفق ويبر.

وأضاف أنه يمكن للكونغاس الركض أسرع من الخيول، لذلك يُفترض أنها كانت تستخدم لسحب العربات الحربية حتى بعد إدخال الخيول المستأنسة إلى بلاد ما بين النهرين.

من جهتها أوضحت جيجل أنه على الرغم من أن إنتاج الخيول المستأنسة كان أسهل من إنتاج الخيول البرية، فإن آخر حيوانات الكونغاس ماتت، ولم يولد أكثر من الحمير أو الحمير البرية.