داعش التي خرجت من بطن الأرض في الدراما العربية

2022.04.27 | 06:32 دمشق

53afe97e.jpg
+A
حجم الخط
-A

حتى الآن لم يتم تقديم أي عمل درامي عربي يكشف الحقائق حول تنظيم داعش ووجوده في سوريا واستقراره لعدة سنوات في مدينة الرقة السورية، عاصمة الدولة الإسلامية، كما أطلق عليها، كل الأعمال التي تناولت وجود داعش وسلوك عناصر التنظيم وطريقة الحياة التي تم فرضها على السكان وصورت المعارك التي قام بها عناصر التنظيم والمجازر التي ارتكبوها، كلها أغفلت شيئا أساسيا وضروريا: كيف نشأ هذا التنظيم وكيف وُجد في سوريا وكيف التحق به هذا العدد من العناصر من كل العالم.

تبدو مدينة الرقة السورية في كل الدراما العربية التي تتحدث عن تنظيم داعش كما لو أنها بلا تاريخ، كما لو أنها وجدت هكذا فجأة مع تنظيم داعش

كل الأعمال التي قدمت على مدار السنوات الماضية قدمت وجود التنظيم كما لو أنه تحصيل حاصل أو كما لو أن عناصره ظهروا من باطن الأرض، لا أجهزة مخابرات محلية وإقليمية ودولية سهلت نشوءه، ولا دول غضت النظر عن خروج المجاهدين والمجاهدات منها باتجاه سوريا، ولا أخرى فتحت حدودها وسمحت لهم بالتسلل منها للالتحاق بالتنظيم؛ وطبعا لا حديث عن الثورة ولا عما حدث خلال سنواتها ولا عن دور نظام الأسد فيما وصلت إليه الحال في سوريا كلها وليس فقط في الشمال والشرق السوريين، ولا ذكر أصلا لسوريا نفسها بكل ما حدث فيها منذ عام ٢٠١١ وحتى عام ٢٠١٩ العام الذي تم فيه إعلان نهاية التنظيم في سوريا والعراق. 

تبدو مدينة الرقة السورية في كل الدراما العربية التي تتحدث عن تنظيم داعش كما لو أنها بلا تاريخ، كما لو أنها وجدت هكذا فجأة مع تنظيم داعش، كما لو أنها لم تكن مدينة ومحافظة تابعة للجمهورية العربية السورية، لا يتحدث أحد من صناع الدراما العربية عن تاريخ هذه المدينة ولا عن سكانها الأصليين، أين ذهب معظمهم، من هم أصحاب البيوت المدمرة فيها، حتى من عاش منهم فترة وجود التنظيم يبدو كأنهم غير موجودين ولا يجهد صناع الدراما أنفسهم بالبحث عن الأسباب التي جعلت كثيرا من سكان الرقة يرفضون الخروج منها رغم ما قاسوه من تنظيم داعش ومن أحرار الشام قبل التنظيم، وبالمناسبة وكأن أحرار الشام وتسلمهم المدينة على طبق من فضة من قوات الأسد، ثم انسحابهم منها وتركها لداعش بات أمرا منسيا وليس بالغ الأهمية في سياق الحديث عن التنظيم الداعشي في سوريا وفي الرقة على وجه الخصوص. 

لا يختلف مسلسل بطلوع الروح (إنتاج MBC وإخراج المصرية كاملة أبو ذكري وبطولة منة شلبي وإلهام شاهين وأحمد السعدني بمشاركة ممثلين سوريين وعرب) والذي بدأ عرضه في منتصف رمضان لكونه مسلسلا من خمس عشرة حلقة فقط، لا يختلف كثيرا في عرض أحداثه عن باقي المسلسلات التي تعرضت لتنظيم داعش، ورغم أن كاملة أبو ذكري مخرجة متميزة، وصاحبة رأي وموقف سياسي مهم خصوصا فيما يتعلق بسوريا وثورتها، فإنها أيضا وقعت في نفس الفخ الذي وقعت فيه المسلسلات المشابهة السابقة: لا سياق لوجود تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة ولا أي حديث يخص الثورة السورية ونظام الأسد، ولا أي مقاربة تخص أهل الرقة وسكانها الأصليين ومصائرهم المختلفة فترة الثورة وفي أثناء وجود التنظيم وبعد سيطرة قوات سوريا الديموقراطية عليها. شخصيات كاملة أبو ذكري في "بطلوع الروح" مصريون وعرب، حتى إن منهم من يتحدث اللهجة السورية فليسوا من أهل الرقة، لا وجود للهجة الرقاوية في المسلسل، الشخصية الوحيدة التي تبدو أنها من سكان الرقة الأصليين هي صاحبة صالون التجميل (تقوم بدورها دارينا الجندي) لكنها تتحدث باللكنة اللبنانية، أما باقي السوريين الموجودين في المسلسل فهم يتحدثون اللهجة البيضاء، التي نادرا ما يتحدثها أهل الرقة، أو اللهجة الحلبية، دون أن يبدو واضحا إن كان هذا الأمر مقصودا أم أنه عدم اكتراث بالهوامش مقابل التركيز على المتن وهو الموضوع المتعلق بشكل حياة عناصر التنظيم وقصة البطلة (روح/ منة شلبي) المصرية التي أجبرها زوجها على الذهاب إلى الرقة لتعيش ما لم يكن يخطر في بالها يوما.

لا يمكن في حال من الأحوال افتراض حسن النية في شركات الإنتاج العربية التي تنتج الأعمال الدرامية التلفزيونية، فهي كلها تقريبا تابعة لأجندات سياسية وتتحكم فيها قرارات (سيادية) تخص هذا النظام الحاكم أو ذاك، وبطبيعة الحال ليس من مصلحة أي نظام سياسي عربي الحديث عن الثورات، كل الأنظمة العربية ترغب في وأد مفردة (الثورة) إلى الأبد، وكلها لن تسمح بعد الآن بأعمال درامية أو فنية تتناول الثورات أو الربيع العربي وما حدث به، المسموح الوحيد فقط هو الحديث عن التنظيمات الإرهابية كداعش وغيرها، لا بوصفها الحل المناسب الذي لجأت إليه أجهزة المخابرات لنشر الفوضى وربط الربيع العربي بها، ولا بوصف من التحق بها من المجاهدين العرب هم نتاج عقود من تغييب العقل العربي، أو نتاج سياسات هوياتية وثقافية فاشلة بما يخص المجاهدين الأوروبيين، بل بوصفها وجدت هكذا وحدها دون أسباب أو سياقات تاريخية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

يجب علينا نحن السوريين الذين آمنا يوما بضرورة التغيير والثورة، التذكير دائما أن الإرهاب الذي ألصق بالثورة السورية كان المطلوب منه إفشال الثورة ومنح الضوء الأخضر للنظام في حربه وحلفائه ضد السوريين الثائرين

وطبعا فإن الحديث عما حدث في سوريا خلال العقد الماضي وعلاقة داعش به سوف يستدعي الحديث عن الثورة السورية والنظام السوري وما ارتكبه من مجازر بحق السوريين، وهو ما لا تريده شركات إنتاج الدراما العربية، التي يشتغل ممولوها حاليا بدأب شديد لتبييض صفحة النظام السوري وإعادة تطبيع العلاقات معه وإعادته إلى الساحة العربية والدولية ومحو ذاكرة الرأي العام العربي والعالمي عن كل جرائمه والتركيز على جرائم التنظيمات الإرهابية فقط باعتبارها نتاج الثورات التي يحق للأنظمة محاربتها. ورغم أن ما ارتكبته داعش من جرائم بحق السوريين وما فعلته بحياتهم وقامت به من دور لهزيمة الثورة السورية لا يمكن إلا لأصحاب هذه الإيديولوجية إنكاره، إلا  أنه يجب علينا نحن السوريين الذين آمنا يوما بضرورة التغيير والثورة، التذكير دائما أن الإرهاب الذي ألصق بالثورة السورية كان المطلوب منه إفشال الثورة ومنح الضوء الأخضر للنظام في حربه وحلفائه ضد السوريين الثائرين، وأنه من حق السوريين أن يتم الحديث عنهم وعما عانوه من النظام والإرهاب معا سواء في الدراما العربية التوثيقية أو غيرها، أما إنكار معاناتهم الطويلة وإنكار وجودهم كشعب وسكان وأصحاب حق وتاريخ في مدنهم فهو ليس سوى نصل آخر يوضع في تاريخهم بحسن نية أو بسوء نية لا فرق أبدا.