خير لك أن تبقى وحيداً

ربما يشعر الشعب الفلسطيني بمرارة الخذلان وقساوة الوحدة في مواجهة مصيره أمام أعتى أسلحة الدول التي تمتعت بها إسرائيل دونما حسيب أو رقيب، والعالم يقف متفرجا لايقدم للشعب الفلسطيني إلا بعض القلق والاستنكار وكثير من العجز والكلام الفارغ.

بينما تتعلق آمال الأطفال ونظرات النساء بأبواب معبر رفح علَّ نخوة عربية أو ضميرا إنسانيا يهيج فيكسر أقفال تلك الأبواب الموصدة. ويشغل المناضل الفلسطيني فكره بمواد القانون الإنساني أو حقوق الإنسان، وبمخرجات القمم والمؤتمرات التي تعقد باسم القضية، وبينما يلقّم المقاتل سلاحه للاشتباك مع العدو من مسافة صفر، أو يُرمّم المقاوم البَنّاء ما تهدم من الأنفاق لتسهُل حركة المقاومين والصامدين.

بينما يجري كل ذاك، لا أجد بين يديّ العاجزتين ما أقدمه لأهل غزة العزّة للصامدين هناك والصابرين، وأنا الجريح الذي أشدُّ على جرحي محاولاً جاهداً تخفيف النزيف المتدفق منّا نحن أبناء سوريا إلا أن أقول (خير لكَ أن تبقى وحيداً) وإياك أن تنتظر العون من غير السماء.

إذا بقيت وحيداً فلن تعتمد على بيت عنكبوت تنسجه لك وعود زائفة من دول حولك هنا أو هناك قريبة أو جارة أو صديقة "لا سمح الله"، بينما تبني تلك الدول مع عدوّك قواعد وصفقات ومفاوضات لا تعلم بها ترسم نهايتك وتقتل حلمك المنشود.   

ولأنك عندما تبقى وحيداً لن تعلّق نظرك بهم، ولن تشغل بالك إلا بما يزيد من قدراتك ومقاومتك وبما يعزز النضال والصمود، ولأنك عندما تنتصر "وهذا لا شك فيه" لن تجد نفسك مضطراً للامتنان إلى دول متعددة ممن تساوى عندهم موتك أو حياتك وكنت سلعة رخيصة في بازاراتهم وصفقاتهم.  
لن تجد نفسك مضطراً للالتزام بالاتفاقيات التي وقّعت على طاولة صنعت من أشلائك الممزقة وقعتها دول تدعي الوصاية عليك دونما إذن منك أو خبر.
بل ستجد نفسك قادراً على عقد اتفاقيات جديدة، وستصنع طاولتك الخاصة وتفرض شروطك وستأتيك الدول حينذاك جاهدةً للنقاش والاتفاق.

ولنفرض جدلاّ أن النتيجة كانت غير ما ترنو لها النفس أو تقرّ بها العين، فلن يضيرك ذلك شيئاً فسلخ الشاة لا يؤلم بعد الموت، بل ما يؤلم هو سلخها وهي حية تنتظر وعوداً كاذبة بالتدخل من فلان أو علان، من حماية دولية زائفة من الأمم المتحدة، المتحدة على كل شيء إلا على حمايتنا.

بل قد يكون موتك صيحة عالية موقظة للضمير الإنساني، قد يشعل جذوة ربيع عربي جديد ينفض الغبار عن شعب عربي طال مكوثه في قيود رق مصطنعة تحت الطغيان والاستبداد.