icon
التغطية الحية

خفض الدعم البريطاني يحرم آلاف السوريين في لبنان من خدمات طارئة

2021.04.14 | 11:21 دمشق

5760_6.jpg
غارديان- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في كانون الثاني من هذا العام، أبلغت الحكومة البريطانية دبلوماسييها أن عليهم البدء بخطة خفض التمويل المخصص للمعونات بنسبة تتراوح ما بين 50-70%. وفي شهر آذار، كشفت الحكومة البريطانية بأنها قامت بخفض تمويل المعونات المخصصة للمشاريع المقامة من أجل اللاجئين السوريين بنسبة الثلث، ومن بين الجهات التي تضررت بفعل تلك التخفيضات أحد المشاريع المقامة في لبنان.

إذ يقدم مركزان أحدهما في زحلة والآخر في بيروت خدمات متخصصة مثل معالجة مشكلات النطق والعلاج الفيزيائي لدى اللاجئين السوريين الذين تعرضوا لإعاقات ولا يستطيعون تحمل نفقات العلاج.

وخلال هذا العام، لم يعد بالإمكان القيام بما يعادل وسطياً 7200 جلسة إعادة تأهيل ودعم نفسي، وهذا يضر بـ1500 معاق بشكل مباشر، و9 آلاف شخص بشكل غير مباشر، ويشمل ذلك مقدمي الرعاية والمجتمعات على نطاق أوسع.

منذ عام 2011، قطع أكثر من 1.5 مليون شخص الحدود وصولاً إلى الجارة لبنان هرباً من القصف والقتال الدائر. ومع شح ما يقدم لهم من أغذية أساسية ومأوى، تصبح حاجات المصابين بإعاقات آخر ما يمكن أن يفكر المرء به.

وتعتبر منظمة الإنسانية والمشاركة، وهي منظمة خيرية تقدم الدعم للمعاقين وعائلاتهم في لبنان، مشروعاً تموله المساعدات البريطانية بصورة أساسية، إلى جانب ما يصل من اليانصيب الشعبي في بريطانيا لتلك المنظمة، إلا أن مكتب الخارجية للكومونولث والتنمية لن يواصل تقديم ذلك التمويل، مما سيعطل أعمال هذه المنظمة والمركز التابع لها بشكل كبير، بيد أن اليانصيب الشعبي سيواصل دفع التمويل المخصص لدعم تلك المنظمة، ولكن بعد تخفيضه إلى حد كبير.

تقول أميرة فليتي التي تعمل معالجة فيزيائية في زحلة: "أنا معالجة فيزيائية، أعمل لدى مركز الإنسانية والمشاركة منذ عام 2019 بصفة مستشارة فنية لإعادة التأهيل، حيث أقوم ببناء القدرات لصالح منظمات غير حكومية محلية تعمل على تقديم خدمات العلاج الفيزيائي. وخلال العام المنصرم، أجرينا دراسة استقصائية في لبنان، واكتشفنا وجود فجوة كبيرة في الخدمات المجتمعية المخصصة للأشخاص الذين يعانون من إعاقات. ثم إن تكاليف هذه الخدمات في القطاع الخاص باهظة للغاية. وحالياً أصبح الوضع الاقتصادي في لبنان صعباً جداً، ولم يعد هنالك مال بين أيدي الناس. ولهذا فإن قطع التمويل عن خدمات إعادة التأهيل التي نقدمها سيؤثر بشكل كبير على الأشخاص الذين يحتاجون لإعادة تأهيل على المدى الطويل، كما سيسهم ذلك في تراجع وضعهم وهذا يمكن أن يؤدي بدوره لزيادة التشوهات لديهم".

وتتابع حديثها بالقول: "معاذ طفل لديه انشقاق في العمود الفقري وضمور في المخ واستسقاء في الدماغ، وعمره لم يتجاوز السنتين. وإذا لم يتمكن معاذ من الخضوع لجلسات إعادة تأهيل خلال فترة التطور هذه، عندها لن يكون بوسع والدته أن تتصرف مع حالة التدهور التي سيعاني منها، لأنه لابد وأن يفقد قدرته على تحريك مفاصله، ولن يستطيع أن يجلس على كرسي متحرك، بل سيواصل نموه وهو ممدد ويحدق في السقف".

بعد هذه القصة المؤلمة، تعلق تلك المعالجة النفسية بالقول: "هنالك الكثير من اللاجئين الذين يعانون من إعاقات، واليوم لم تعد هنالك خدمات متوفرة لهم".

وقالت فرزاد عواز وهي أم لطفل مصاب بانشقاق في العمود الفقري: "أتينا من حمص، بعدما ساءت الأوضاع كثيراً هناك، إذ حبس زوجي لمدة 10 أشهر، حيث كسروا وتيرة أنفه في السجن، وقلعوا أظافره، وعذبوه ثم أخلوا سبيله. وبمجرد أن أفرج عنه، هربنا إلى لبنان مع طفلينا، أما معاذ فقد ولد هنا وكذلك ابننا الصغير، حيث ولد كلاهما في مشفى، ولكن وقعت مشكلة عند ولادة معاذ، فتعرض لنقص في الأكسجين. علمنا بأمر مركز مساواة قبل عام، وأصبحنا نأتي إلى هنا مرة أو مرتين في الأسبوع حتى يخضع معاذ للعلاج الفيزيائي. ولهذا أشعر بالقلق حيال ما سيحدث لنا في حال تم إغلاق المركز، لكونه المكان الوحيد الذي يقدم لنا تلك الخدمات بالمجان. هنالك خدمات علاج فيزيائي تقدم في أماكن أخرى، ولكن إن حصلنا عليها لابد لنا أن ندفع مقابل ذلك، إلا أننا لا نملك المال بكل بساطة. أصبح عمر معاذ اليوم سنتان وثلاثة أشهر، وكل بضعة أشهر يجب زرع قنطرة في دماغه لتقوم بسحب السوائل منه، وهذه العملية مكلفة للغاية. كما أنه يحتاج إلى تصوير شعاعي كل ستة أشهر، وعلينا أن ندفع مقابل كل ذلك. غير أن مركز الإنسانية والمشاركة وكذلك مركز مساواة يقومان بمساعدتنا في دفع كل تلك التكاليف. كما أن ابني إذا لم يخضع للعلاج الفيزيائي فلابد لأطرافه أن تتشنج وأن تبقى كذلك، ولهذا أعتقد أنه سيموت دون أن يحصل على الدعم الذي يحتاجه. أتمنى أن يتعلم المشي، إلا أن ذلك لن يحدث إذا توقفت الخدمات. كما أنني قلقة للغاية حيال الوضع الاقتصادي هنا في لبنان، لأنه يزداد سوءاً، ولا أحد يدري إلى أين تتجه لبنان. كما خرجت مظاهرات هنا، فصار الناس يشعرون بالقلق حيال أمنهم وسلامتهم".

 

5760_0.jpg
فرزاد عواز وعائلتها

 

محمد الذي أصيب بشلل الأطفال وهو طفل وأصيب في الحرب

أصيب محمد (34 عاماً) الذي تعود أصوله إلى إدلب بعدوى شلل الأطفال عندما كان بعمر السادسة، فأصبح يعاني من صعوبة في المشي. وكان في جامعة حلب يدرس اللغة العربية عندما تعرض لإصابة بشظية في غارة. كما تدمر بيته، ولهذا قطع الجبال ليلتحق بوالدته وشقيقيه الذين يعيشون في مخيم بزحلة.

وعن تجربته يحدثنا فيقول: "أصبحت أزور مركز مساواة بشكل منتظم لأحصل على علاج فيزيائي لساقيّ، وقد ساعدني ذلك كثيراً، وحصلت أيضاً على كرسي متحرك، إلا أني مازلت أعاني من صعوبة في التجول في المخيم وكذلك في الذهاب إلى المرحاض وغيره من الأماكن داخل المخيم. كما انضممت إلى منظمة تقدم الدعم والمساندة، واليوم بما أن هذا المركز سيغلق أبوابه، فلست أدري أين يمكنني أن أحصل على أي من الخدمات التي أحتاجها. أرغب بالسفر خارج لبنان حتى أتلقى العلاج، ولأعيش في بيت مناسب لشخص يعاني من إعاقة. أريد أن أحيا حياة كريمة، ولعل ذلك يمكن أن يتحقق في أوروبا، وتحديداً في إنكلترا. أعرف غيري ممن سافروا إلى هناك، إذ لم يعد هنالك شيء لنبقى من أجله هنا".

 

5760_1.jpg

 

خلف الخلف وزوجته ربا

وقال خلف الخلف (64 عاماً): "أتينا إلى هنا في عام 2013، بسبب الحرب والقصف والقتل. كما تدمر منزلنا، ولهذا سافرت برفقة زوجتي وأولادي التسعة، وأمي وزوجتي الثانية. أكبر صعوبة بالنسبة لنا تتمثل في فصل الشتاء، بما أننا نعيش في خيمة والأمطار تهطل علينا من كل الجوانب، ثم يتسرب الماء إلى داخل الخيمة فيطوف كل ما فيها. ثم إننا ندفع إيجار الخيمة، إلا أن الأسعار ارتفعت. أصبت قبل عامين ونصف بسكتة دماغية أضرت بطرفي الأيمن، وأصبحت أتناول الدواء حالياً. لم يكن بوسعي في البداية أن أتحرك ولا أن أمشي، ولهذا كانوا يحملونني إلى المرحاض. توجهت إلى دمشق بالسيارة لأحصل على الدواء بصورة قانونية، لأنه أرخص هناك، ولكن كان علي أن أعود إلى هنا بطريقة غير قانونية عبر طريق جبلي على ظهر حصان".

وتابع حديثه : "أتيت إلى مركز مساواة، وحصلت على علاج فيزيائي لمدة ثلاثة أشهر. لم يكن بوسعي أن أحرك ساقي لأن طرفي الأيمن كان مشلولاً، ولهذا كان أولادي الذكور يحملونني عند بداية وصولي إلى هنا، لكنهم علموني المشي مجدداً. وحينما كنت أعجز عن أمشي، كانت تنتابني سورة غضب عارم وحنق شديد. ثم صرت أخضع لجلسات معالجة للحد من سورات غضبي وحتى أتأقلم مع وضعي. واليوم، أصبح بوسعي أن أمشي وأنا أتوكأ على عصا. لقد حزنا للغاية عندما علمنا بأن المركز سيغلق أبوابه، إذ عندما نأتي إلى هنا، نشعر بأن لدينا مكان غير بلدنا بوسعنا أن نلجأ إليه. وعندما رأينا غيرنا من المستفيدين، شعرنا بعظيم الامتنان، إلا أنه من الصعب أن نحدثكم عما نحلم به في المستقبل، وذلك لأن أولادنا عادوا إلى سوريا ليدرسوا في الجامعة هناك، لكنهم لم يتمكنوا من إكمال دراستهم بسبب الحرب. ولهذا لم يعد أمامنا سوى أن ننتظر الموت".

 

5760_2.jpg
خلف الخلف

 

رجاء وابنها غازي

وتروي رجاء والدة الطفل غازي خضر شحود (8 سنوات) ما حصل معهم بالقول :"عندما بدأ القتال، تدمر بيتنا، لذا لحقنا بزوجي في لبنان، فزوجي عامل في مستودع كعامل، ولدينا ستة من الأولاد، أربع بنات وصبيان، غازي أصغرهما، وهو بعمر الثامنة. وقد ولد قبل أوانه بأسبوعين، لكنهم أرسلونا إلى البيت بعدما أخبرونا أنه بصحة جيدة. وعندما بلغ سنته الأولى من العمر، بدأت ألاحظ أنه لا يستطيع أن يجلس، ولهذا أخذناه إلى الطبيب الذي شخص لديه الصرع والشلل الدماغي. لم نحصل على أية مساعدة من قبل وزارة الصحة، بل كان علينا أن نشتري له أدويته التي كانت جد باهظة الثمن. ثم سمعنا عن منظمة الإنسانية والمشاركة وقد ساعدونا كثيراً، وقدموا لنا معالجة خاصة بالنطق ومعالجة تأهيلية، إلى جانب كرسي متحرك ولوح لمساعدته على الوقوف. وهكذا شهدنا تحسناً كبيراً في وضع غازي، فقد تحسنت حركته، وصار بوسعه أن يتحرك بأريحية أكبر. أما لغته فلم تصبح طليقة، لكن صار بوسعه التواصل معنا. وقد أصبح فعالاً بشكل أكبر، كما أصبح أكثر بهجة وسعادة. إذ قبل العلاج الفيزيائي لم يكن يستطيع أن يجلس بشكل مستقيم على كرسي، لكنه أصبح أكثر استقراراً اليوم".

وأضافت: "ثم لم نعد نحصل على تلك الخدمة منذ نهاية شهر شباط، وذلك عندما توقف البرنامج. ولهذا أشعر بحزن عميق على ولدي. كما أنني حصلت على دعم نفسي من مركز مساواة الذي ساعدني على التأقلم بشكل أكبر مع إعاقة ابني، وهذا ما جعلني أكثر صبراً وتفهماً، وجعلني أدرك بأني كنت بحاجة للدعم. إن أسرتي تحب غازي حباً جماً كما أن المجتمع المحيط بنا يدعمنا للغاية، ولكن عندما ننتقل نحو المجتمع الأوسع، نحس بأن بعض الناس لا يعاملوننا بشكل طبيعي، وهذا صعب بل يشعرني بالضيق وعدم الارتياح في بعض الأحيان".

 

5760 (1).jpg
الطفل غازي خضر شحود

 

ندى بغدادي وحفيدتها ندى قضماني

"ولدت ندى وهي تعاني من نقص بالأكسجين، وهذا ما أضر بدماغها. ثم مر والدها بتجربة الطلاق عندما كانت بعمر السنة، ومنذ ذلك الحين وهي تعيش معي. وكانت ترتاد مدرسة خاصة ساعدتها على التواصل بشكل اجتماعي والتحكم بمزاجها، إلا أن المدرسة أغلقت أبوابها اليوم بسبب فيروس كورونا".

"وعندما وقع انفجار مرفأ بيروت في آب الماضي، خافت ندى كثيراً وهربت من البيت لأنه أخذ يهتز، فوقعت وكسرت رجلها، وخلنا أنها لن تستطيع المشي بعد اليوم. كما تحطم باب منزلنا الأمامي، وكذلك النوافذ، وإطار باب المطبخ، ودرج المطبخ كما هبط السقف. وبعد الانفجار أتى أشخاص من مركز مساواة ومنظمة الإنسانية والمشاركة لرؤيتنا وقدموا لندى العلاج الفيزيائي، وهكذا أصبحت تمشي مجدداً اليوم."

 

5760 (2).jpg
ندى بغدادي وحفيدتها ندى قضماني

 

أحلام (65 عاماً)، وشقيقتها عائدة (69 عاماً)

شقيقتي عائدة عمياء بسبب مشكلة وراثية، إذ عندما ولدت كان بوسعها أن ترى، إلا أن المشكلة تطورت عندما صارت في الثلاثين من عمرها. وشقيقنا أعمى أيضاً بسبب المشكلة ذاتها، كما أنني لا أعمل لأني يجب أن أعتني بعائدة وشقيقها. بيد أن الحياة في بيروت صعبة جداً، وبما أن أحد أشقائنا يعيش في ألمانيا، لذا فهو يرسل لنا المال كلما تسنى له ذلك. غير أنه أصبح اليوم يعاني من مشكلات مالية، ولهذا قل المال الذي يرسله إلينا، كما أن الاقتصاد تدهور بسبب فيروس كورونا والانفجار. ثم إن بيتنا تضرر بشكل كبير بسبب الانفجار حيث تحطم زجاج الأبواب والشرفة، وتعطل المرحاض، وتدمرت غرفة أخرى في البيت. وأصيبت عائدة خلال ذلك التفجير، فقد كانت في الخارج عندما وقع، ولأنها عمياء خافت كثيراً، فسقطت وكسرت رجلها.

غير أن منظمة الإنسانية والمشاركة قدمت لها العلاج الفيزيائي بالإضافة إلى جهاز للمشي وعصا بيضاء. وبما أنني أقدم لها الرعاية، لذا قدموا لي معالجة فيزيائية لرقبتي وظهري. كما ساعدونا كثيراً عندما علمونا كيف نمارس التمارين الرياضية في البيت لنحافظ على صحتنا. إلا أن كل ذلك انقطع، ولم يعد هنالك أي أمل، كما أن الوضع صعب للغاية، ولكن يجب أن أظل قوية لأن أسرتي تحتاج إلى الدعم الذي أقدمه.

 

5760 (3).jpg
أحلام وعائدة

 

خسارة منظومة دعم كاملة

وأوضحت كارولين دوكونسيل، رئيسة بعثة منظمة الإنسانية والمشاركة في لبنان: "إن قطع التمويل الكبير الذي قام به مكتب الخارجية للكومونولث والتنمية لا يخص منظمة الإنسانية والمشاركة وحدها، وذلك لأن هذه المنظمة تقدم الدعم للمنظمات المحلية ومن خلال ذلك نقدم الدعم للخدمات المحلية التي تقدم للأشخاص الذين يعانون من إعاقات، إذ تلك هي الفكرة التي تقوم عليها هذه المنظمة، والتي في حال رحيلها ستتسبب في اختفاء كل تلك الخدمات".

وتابعت بالقول: "أي أن الأمر يتعلق بخسارة منظومة دعم كاملة بنيت على مدار سنوات من الإلتزام، وظلت تقدم خدمات للمعاقين لم تكن موجودة في لبنان قبل ذلك. كما لم تكن هنالك أية خطة تتصل بوقف هذا الدعم، لذا لابد أن نحتاج لسنوات لإعادة بناء ما خسرناه. وفي تلك الأثناء، لن يحصل أطفال من أمثال معاذ على الدعم الذي يحتاجونه حتى يستطيعوا أن يتطوروا بأفضل صورة ممكنة. ما يعني أن الوضع مدمر بالنسبة لهم ولعائلاتهم".

زهور وعدنان الحسين وابنتهما ندى

أتينا من إدلب بسوريا في عام 2013 بمجرد أن تزوجنا، إذ كانت الحرب قائمة وهنالك الكثير من القتال الدائر، ولم يكن الوضع آمناً نهائياً. أصبح لدينا اليوم ثلاثة أولاد، صبيان وابنة واحدة، أي أن ندى أكبرهم وهي بعمر الثامنة. ولدت ندى بصحة جيدة، لكنها لم تستطع أن تمشي بشكل جيد، إذ كانت تقع دوماً. ثم خضعت لعمل جراحي، وبعده لم تستطع المشي مطلقاً. ثم بدأنا بارتياد مركز مساواة حيث حصلت ندى على العلاج الفيزيائي الذي ساعدها على ثني ساقيها، كما أجروا لها تقويماً، وأخبرونا أنها ستعاود المشي في حال خضوعها للمزيد من جلسات العلاج الفيزيائي.

ولهذا لسنا ندري ماذا سنفعل في حال أغلق المركز أبوابه اليوم، إذ لا يوجد مركز مثله هنا.

ثم إنني أخاف على مستقبل ابنتي في حال عدم تمكنها من المشي، فالوضع سيء للغاية بالنسبة للمعاقين هنا، وحياة مثيلاتها من الفتيات صعبة. وليس لدينا كرسي متحرك ما يعني أن علينا أن نحملها إلى اي مكان، خاصة بعدما كبر حجمها اليوم، الأمر الذي يصعب علينا الأمور. إذ مازال بوسع أبيها أن يحملها، لأنه مايزال قوي البنية، لكن إن لم يكن موجوداً تكتفي هي بالجلوس في الزواية ذاتها من البيت طيلة النهار. ولهذا نأمل مستقبلاً أن تصبح ندى مثل شقيقيها، حتى يتمكنوا جميعاً من الجري واللعب. كما أننا لا نريد أن نعود إلى سوريا، بما أنه لم يعد فيها شيء وكذلك لأنها ليست آمنة".

 

5760 (4).jpg

 

عائشة ابراهيم وأولادها زمزم وحمد وبيان

أمضينا في لبنان ست سنوات، فقد أتينا من حلب في سوريا بسبب الحرب، إذ كان هنالك الكثير من التفجيرات والقصف، ولم يكن الوضع آمناً، لذا كان علينا أن نرحل، فتوجهنا للعيش في مخيم بزحلة، ثم اضطررنا لمغادرته لأن ابنتي زمزم تعرضت لتحرش جنسي في المخيم، ولم تكن قد تجاوزت الثانية عشرة من عمرها بعد، وكان الفتى الذي حاول التحرش بها في الخامسة عشرة من عمره، ولم يكن بوسعنا أن نفعل أي شيء حيال ما جرى، ولهذا توجهنا نحو مخفر للشرطة، لكنهم أخبرونا أنهم لا يستطيعون القبض على الصبي لأنه تحت سن السادسة عشرة. لدينا ستة أولاد، ثلاثة منهم معاقون وهم بيان وعمرها 15، وزمزم وعمرها 12، وحمد وعمره 10 سنوات، وثلاثتهم لا يستطيعون المشي، ويعانون من صعوبات في التعلم، وهذه مشكلة وراثية، لأن زوجي ابن عمي شقيق أبي، ولم يخبرنا أحد بأن ذلك يمكن أن يتسبب بمشكلة عندما تزوجنا. لم يسبق لي أن ارتدت مدرسة، كما أن زوجي ظل يرتاد المدرسة إلى أن بلغ الثالثة عشرة من العمر فقط، ولهذا لم نكن نفهم تلك الأمور. كان لدينا أرض زراعية في سوريا، حيث كنا نزرع فيها ما نأكله، كما كان لدينا حيوانات منها الدجاج بالإضافة إلى بقرة. صحيح أن أرضنا كانت صغيرة لكنها كانت تكفينا. إلا أن النظام استولى على أرضنا وبيتنا، ودمر كل شيء، ولم تعد أمامنا أي حياة هناك منذ ذلك الحين.

وفي حال عدنا علينا أن نصرح بعودة أولادنا ورجالنا الذين إن كانوا بسن مناسبة للانضمام إلى الجيش فعليهم أن ينضموا، ولهذا لا أحد يرغب بالعودة. فقد كان شقيقي في الجيش قبل ست سنوات ثم تركه وأتى إلى لبنان. وعندما عاد إلى سوريا ألقوا القبض عليه وأودعوه في السجن بتهمة الفرار، ولهذا لا أرغب بالعودة مطلقاً.

ثم إن أكبر المشقات بالنسبة لنا تتمثل في إيجاد الدواء والعلاج لأولادنا، إذ لا يتوفر لدينا مال من أجل الحفاضات أو الحليب. ولم يساعدنا في ذلك سوى مركز مساواة ومنظمة الإنسانية والمشاركة وذلك عبر جلسات العلاج الفيزيائي. كما ساعدونا عبر تقديم الأدوية والفيتامينات التي يحتاجها الأولاد، فكل شيء هنا غال بسبب الأزمة الاقتصادية.

نحس بالهم دوماً بسبب وجود ثلاثة أطفال معاقين، وذلك لأن احتياجاتهم تزداد سنة بعد سنة لأنهم يكبرون، إذ قبل ذلك كان بوسعهم أن يمشوا أما اليوم فقد فقدوا القدرة على ذلك كلياً، باستثناء حمد الذي مايزال بوسعه أن يسير قليلاً، إلا أن البنتين لا يمكنهما ذلك، ما يعني أن حاجتهم للرعاية تزداد، ولا توجد مدرسة بوسعهم ارتيادها، وبسبب انتشار كوفيد لا يمكنهم أن يخرجوا من البيت. كما ليس لدينا سوى كرسيين متحركين، أحدهما مضعضع للغاية، ولدينا جهاز مشي واحد، لذا لسنا ندري ما الذي سنفعله في حال أغلقت منظمة الإنسانية والمشاركة أو مركز مساواة.

كنا نزور مركز مساواة كل أسبوع حيث يحصل أولادي على علاج خاص بالنطق إلى جانب العلاج التأهيلي والفيزيائي، كما انضممت إلى مجموعة تضم آباء وأمهات تعنى بمساعدة المرء لنفسه. وبما أن الخدمات انقطعت اليوم لذلك أحس بحزن شديد على وضعنا، لأنه لم يعد أمامهم سوى أن يبقوا في البيت، إذ ليس بوسعهم أن يتحركوا ولا أن يمارسوا أي نوع من النشاطات، ولم يعد بمقدورهم التدرب على النطق والكلام واللغة أي أنه لم تعد لديهم أية وسيلة لتعلم طرق التواصل. وهنا أذكر أن زمزم حصلت على دعم بخصوص ما حدث لها، ولهذا فهي تحس بكآبة اليوم وتعاني كثيراً".

 

5760 (5).jpg

 

الآلاف سيحرمون فرصة العيش بصحة وكرامة

قال فيدريكو ديسي، المدير الإقليمي لبرنامج الشرق الأوسط لدى منظمة الإنسانية والمشاركة: "لقد تركت منظمة الإنسانية والمشاركة أثراً إيجابياً من خلال أعمالها على حياة الناس الذين كان من الممكن أن يتعرضوا للإقصاء أو الإهمال في حال عدم وجود تلك المنظمة التي قدمت لهم عمليات إعادة تأهيل أساسية ناهيك عن الدعم النفسي والاجتماعي. ولهذا في حال عدم تأمين أي تمويل بديل، فإن الآلاف من السوريين واللبنانيين والأردنيين الذين يعانون من إعاقات لابد وأن يحرموا من الخدمات الأساسية والاستقلالية في حياتهم اليومية، وفرصة العيش بصحة وكرامة.

كما أن مئات الرضع الذين يعانون من إعاقات لن يحصلوا على المساعدة خلال سنواتهم الأولى، الأمر الذي سيعيق تطورهم ويزيد من خطر تحول إعاقاتهم إلى إعاقات دائمة.

فضلاً عن المئات من الكوادر المحلية والتي تشمل المعالجين الفيزيائيين والعاملين في المجال الاجتماعي، التي ستخسر وظائفها، وذلك نظراً لتخفيض عدد الخدمات الصحية أو بسبب الإغلاق بشكل كامل. ما يعني أن سنوات الاستثمار في نظم الرعاية الصحية المحلية أصبحت في مهب الريح حيث يمكن أن تضيع سدى".

المصدر: غارديان