خامنئي الشيعي.. هل يواجه ترمب المسيحي أم الإمبريالي؟

2020.01.09 | 15:56 دمشق

b0b117bd-adbc-4929-8e5a-c3103d9119dd.jpg
+A
حجم الخط
-A

توعدت إيران وأذرعها في المنطقة برد قوي على مقتل قاسم سليماني زعيم ميليشيا فيلق القدس، بصواريخ أميركية في العراق. التهديدات الإيرانية قابلتها تحذيرات من واشنطن بأن أي عمل ضد القوات والمصالح الأميركية ستكون نتائجه مدمرة على إيران.

تعتمد تهديدات "إيران الخميني" وميليشيا حزب الله اللبناني لـ"أميركا الإمبريالية" على اللاهوت الكربلائي، وباعتبار إيران دولة دينية فهي بحاجة إلى "حسين" جديد تسيل دماؤه ليجددوا (مظلوميتهم) التاريخية وتستمر دولتهم في الحياة.

 في حين تحتاج الإمبريالية الأميركية إلى عدو تخلق من خلاله الأزمات لتعيش وتتغول، أحد الفوارق بين الطرفين أن إيران تبني خطابها على اعتقادها بالدعم الإلهي، بينما ترتكز الولايات المتحدة على قوتها العسكرية وتبني صورتها الدينية والأخلاقية في الداخل الأميركي. بكاء خامنئي خلال جنازة سليماني يؤكد أن من يزعمون قربهم من الله أناس عاديون يمكن أن تقضي عليهم نزلة برد، في هذه الساحة لايوجد صراع بين خير وشر بل بين شرين.

ربما تكون مرحلة العدو الإيراني القائم على معاداة "الشيطان الأكبر" في طريقها إلى المقبرة، كما انتهت من قبلها مرحلة الاتحاد السوفييتي والقاعدة وتنظيم الدولة، وكي تبقى النار مشتعلة يملأ المتطرفون اليوم ساحة الصراع وكل يرفع لاهوته بوجه عدوه.

ويوضح الرد الإيراني "المسرحي" على مقتل سليماني أن إيران تورطت بشعاراتها الدينية صعبة التحقيق، ويبدو أن المرشد الأعلى أصبح مقتنعا بأن خلق أحداث تعجل في"الفرج" أي نهاية  العالم قد تعني نهاية الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

هل هو صراع بين ترمب المسيحي وخامنئي الشيعي؟

لم تمض ساعات على مقتل سليماني حتى بدأ رسامون إيرانيون بزجه في قلب الفكر والمظلومية الشيعية، صورة الإمام الحسين يعانق سليماني فيما يبدو أنها الجنة، نشرها الموقع الرسمي للمرشد الأعلى علي خامنئي. العناق بين الحسين وسليماني دخيل على الثقافة الدينية لدى الشيعة الاثناعشرية، حيث تستثمر إيران سياسيا فكرة المهدي المنتظر، انتظار المهدي وتحاول خلق إشارات تدل على اقتراب ظهوره ليقود معركة كبرى ضد الشيطان الأكبر "أميركا" في القدس، وهو ما يشابه عقيدة المحافظين الجدد التي ينتمي إليها الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن، عندما أعلن قبل غزو العراق أنه الله تكلم معه.

 بعد ذلك انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة للرئيس الأميركي دونالد ترمب وهو يعانق المسيح في البيت الأبيض، ليحمل هذا التناظر بين الصورتين أفكارا عن حرب دينية متوقعة بين الطرفين في وقت يشهد اليمين المتطرف صعودا في أوروبا والولايات المتحدة، التي يبدو أنها تنطلق من موقع استشراقي في رسم سياستها في المنطقة، رغم أن ترمب مازال يتعامل بعقلية رجل الأعمال وهي حقيقة السياسة الأميركية أي (الاقتصاد والمصالح الحيوية). لكن الصورة التي يتداولها النشطاء لترمب والمسيح ليست جديدة فقد سبق وأن برزت في عيد الفصح عام 2017 ونشرتها صفحة مزيفة على "فيسبوك" باسم "تيفاني ترمب" وفقا لموقع "بز فييد"، بتقرير نشره في نيسان 2017، وأثارت حينها جدلا واسعا بالأوساط الأميركية.

ترمب كان قد هدد مرتين بقصف مواقع ثقافية إيرانية، رغم أن تصريحه الأول لاقى انتقادات واسعة، قبل أن يعدل عن رأيه مؤخرا.وقال ترمب في تصريحات نقلتها أسوشيتد برس: إن المواقع الثقافية الإيرانية "هدف عادل" للجيش الأميركي، ويبدو هنا أن ترمب يلمح إلى دور العقيدة في سياسة إيران المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل ولو بشكل نظري.

لكن الترويج للحرب الدينية باعتبارها حتمية تاريخية بدأ في سوريا مع انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد الذي استنجد بحلفائه الروس والإيرانيون وميليشيا حزب الله، الذي أصدر أغاني لتعبئة الشباب وضمهم إلى صفوفه، وبعض هذه الأغاني المرتبطة بالثقافة الدينية ذكرت مدناً بعينها مثل درعا وداريا.

ونتج عن ذلك قناعة شعبية في سوريا وبمناطق المعارضة، بأن ما يجري في البلاد هو ثورة للأكثرية السنية على النظام العلوي الحاكم وسط تغييب لأي حديث عن بنية نظام الأسد الاقتصادية والأمنية وشبكة تحالفاته، التي ساعدت في بقائه حتى اليوم. في حين لم يرى الغرب من الثورة سوى الحركات الإسلامية المتطرفة وتنظيم الدولة، ورغم اختلاف روسيا التي تنتشر فيها الأرثوذوكسية عن إيران إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدم الكنيسة أيضا للترويج لحربه في سوريا واعتبارها حرباً مقدسة، بغية حشد تأييد لسياسته التي قامت على أنقاض الاتحاد السوفييتي الشيوعي.

تنظيم الدولة أيضاً استعاد تاريخ الحروب الصليبية التوسعية، وتحدث في أدبياته الفكرية المتطرفة عن توسع الدولة الإسلامية ومحاربتها للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها والذين وصفهم بالتحالف الصليبي. عقيدة تنظيم الدولة جذبت الآلاف من المرتزقة المعتنقين لفكرة الجهاد ضد "الكفرة الصليبيين" وإقامة دولة، كما جذبت الأدبيات الكربلائية المتطرفة لإيران المرتزقة إلى سوريا وكأنهم طائفة واحدة رغم جنسيات الطرفين المختلفة.

تعود صورة الرئيس الأميركي وهو يعانق المسيح في البيت الأبيض لتخاطب اليمين الأميركي المتطرف الغاضب، وتصرف النظر عن الأسباب المباشرة لسياسة الإمبريالية الأميركية في الشرق الأوسط، ولم تصدر عن ترمب تغريدات أوتصريحات عن ضرورة نشر الديمقراطية في إيران كما صرح جورج دبليو بوش قبل غزو العراق وكما ركزت أحاديث الرئيس الأسبق باراك أوباما.

يستخدم الساسة غضب الجماهير لتنظيم صفوفها، وتعتبر الخطابات الدينية موضوعا محركا للعواطف والسلوك. من مفرزات العولمة تَحصن اليمين القومي والديني المسيحي والإسلامي، كما أن الحركات اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء العالم نجحت في استخدام وسائل الإعلام الجديدة لإثارة الغضب ضد النظام العالمي. حيث تقوم حركات اليمين المتطرف في أميركا باستقطاب الناس من خلال "يوتيوب". وفي ألمانيا، يمتلك حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المعادي للاجئين والمهاجرين عدد متابعين على فيسبوك يفوق ضعف عدد متابعي حزب أنجيلا ميركل. أما في جمهورية التشيك، فيهيمن على الأخبار الإلكترونية موقع ParlamentniListy، الشهير بكراهيته الشديدة للأجانب، وينشر لجمهوره قصصا عن فظائع الأصولية الإسلامية، ويروج لوجهة نظر اليمين المتطرف.

إيران وأميركا وتغيير شكل المنطقة

قال خامنئي في بيان عقب مقتل سليماني "ليعلم جميع الأصدقاء والأعداء أيضا أن نهج الجهاد في المقاومة سيستمر بدوافع مضاعفة وأن النّصر الحاسم سيكون حليف مجاهدي هذا المسار المبارك".

وردا على تهديد ترمب بضرب 52 موقعا إيرانيا إذا انتقمت طهران لمقتل سليماني، كتب الرئيس الإيراني حسن روحاني على تويتر "إياك أن تهدد الأمة الإيرانية"، في حين تعهد خليفة سليماني إسماعيل قاآني بطرد القوات الأميركية من المنطقة انتقاما.

كذلك شدد محمد جواد ظريف أن "أمريكا باغتيال سليماني وضعت الأساس لبداية نهايتها في المنطقة".وتقول وكالة رويترز إن سليماني (62 عاما) في نظر الكثيرين كان بطلا قوميا، حتى العديد من أولئك الذين لا يعتبرون أنفسهم من المؤيدين المخلصين لرجال الدين الذين يحكمون إيران.

وأظهرت لقطات من الجو الحشود المتشحة بالسواد وقد تجمهرت في الشوارع الرئيسية والجانبية بوسط طهران، مرددة هتاف "الموت لأمريكا".

التهديدات المتبادلة والحديث عن تغيير وجه المنطقة يبدو أنه متأخر قليلا، فالمنطقة تغيرت فعلا، وبدأ ذلك منذ تسع سنوات تقريبا، أي مع بداية الثورات العربية وخاصة في سوريا التي أصبحت ساحة للصراع الإقليمي والدولي، وأرضاً تعج بالقوات الأجنبية والقواعد العسكرية لجميع أطراف الصراع.

شكل المنطقة المتغير  يتطلب في المستقبل عدواً جديداً لا يشبه ما تمثله إيران الخميني. الدول ستتحارب متسلحة بإيديولوجيات وعقائد أو عارية منها، وأحد الأسباب على استمرار حروبها هو أنها دول، بما تحمله هذه الصفة من معاني العنف وشهوة التوسع والسيطرة.