حين يشتعل الضوء في أنقرة تكون عودة أميركا كاملة!

2020.01.28 | 23:02 دمشق

1041150989.jpg
+A
حجم الخط
-A

يخطأ من يعتقد أن التصعيد العسكري الأخير بين الولايات المتحدة وإيران سوف يتوقف عند النقطة التي وصل إليها، لأن ما حدث مؤخراً لم يكن وليد اللحظة أو حاصل فعل ورد فعل.

من ناحية إيران فإن قادة النظام توقعوا دائماً وبلا شك التعرض لضربات عسكرية إلى جانب العقوبات الاقتصادية كجزء من الثمن الذي على طهران أن تدفعه مقابل تحقيق طموحاتها الامبراطورية، ومن ناحية أميركا فإن إدارة الرئيس ترمب قد قررت ومنذ العام الماضي كما تشير المعطيات التوقف عن سياسة الاحتواء مع إيران والانتقال إلى سياسة المواجهة.

كانت إيران على دراية بالتحول الأمريكي، وكنت قد نشرت تقريراً في هذا الموقع قبل أشهر

استعدت إيران طيلة عامين من أجل مواجهة جديدة عبر استراتيجية "حرب الوكلاء" التي يجيد نظام الخامنئي استخدامها

يتحدث عن ذلك، لكن على ما يبدو فإن النظام في طهران لم يتوقع أن تبلغ الجرأة الأمريكية حد المواجهة المباشرة واغتيال أكبر قادتها العسكريين على الإطلاق، الجنرال قاسم سليماني.

لقد استعدت إيران طيلة عامين من أجل مواجهة جديدة عبر استراتيجية "حرب الوكلاء" التي يجيد نظام الخامنئي استخدامها كما هو معلوم، واعتقد هذا النظام، وهو محق بالفعل، أن الولايات المتحدة وحلفائها من دول الخليج يحتاجون إلى سنوات طويلة من أجل بناء ميليشيات قادرة على مواجهة الميليشيات الشيعية التي تعبت طهران على إعدادها وتجهيزها طيلة العقود الماضية، ومع ذلك بدأت تكثف من تطوير قدرات أذرعها في المنطقة من أجل الحفاظ على تفوقها المطلق على هذا الصعيد، ولعل تنقل الجنرال سليماني بين ثلاث عواصم عربية في الليلة التي قتل فيها (بيروت، دمشق وبغداد) يعطي تصوراً عن حجم الجهد الذي كان قائد (فيلق القدس) يوليه لهذا الجانب.

بل وأكثر من ذلك، بدا النظام الإيراني مرحباً بهذا النوع من التصعيد، خاصة مع تنامي حركات الاحتجاج الداخلية وفي بعض البلدان التي يحتلها (العراق ولبنان)، ورأى أن التصعيد الجزئي في مياه الخليج أو على ضفته الغربية سيشكل طوق نجاة له من أزمة التظاهرات التي تتسع، ولذلك لم يتوان عن التصعيد من خلال تنفيذ هجمات ضد المصالح النفطية والملاحة البحرية وكذلك المقرات الدبلوماسية والسفارات، متيقناً من أن النتائج لن تتجاوز حدود المعتاد، لكن حساباته كانت خاطئة هذه المرة.

والواقع، فإن الإدارة الأمريكية قد فاجأت الجميع بالفعل، وليس إيران وحدها، وبينما كان العالم ينتظر أن تدعم أميركا أو تسلح جماعات وقوى محلية (سنية وكردية) لمواجهة إيران في العراق وسوريا، وربما أماكن أخرى، من أجل استنزاف طويل المدى، فإذ بواشنطن تقرر الضرب المباشر وبقسوة.

وبعد الرد الإيراني المتواضع حتى الآن، تكتشف الإدارة الأميركية بالفعل أن "مواجهة إيران أقل تكلفة من احتوائها" على حد قول وزير الدفاع الأمريكي (مارك إسبر) مؤخراً، بينما تكتشف إيران أن مواجهتها ستكون أكثر ضرراً على النظام مما اعتقدت، وأكبر بكثير من قدراتها.

لقد خشي الكثيرون أن تشكل حادثة قتل (الجنرال سليماني) فرصة للنظام في طهران من أجل الانقضاض على الثورات والاحتجاجات المتصاعدة ضده في بيروت وبغداد ومدن إيرانية كثيرة، من خلال الترويج لاعتبار المتظاهرين عملاء لأميركا والسعودية وغيرهما من خصوم إيران، لكن ما حصل أن هذه المظاهرات استمرت، بل واتسعت أكثر بعد ذلك وامتدت لتشمل مناطق غير متوقعة في سوريا، ما زاد من حرج موقف النظام الإيراني.

إن ما حصل حتى الآن يؤكد عدم صحة وجهة النظر التي تقول إن أميركا تحكمها استراتيجية واحدة، وأن الإدارات التي تتعاقب على حكم البلاد، بين ديمقراطية وجمهورية، لا تختلف فيما بينها إلا بتفاصيل لا تؤثر ولا تغير في هذه الاستراتيجية

المؤشر النهائي والكبير على أن هذه الاستراتيجية باتت راسخة سيصدر من أنقرة، التي لن تتأخر حتماً عن العودة للتحالف مع أميركا متى رأت أن ذلك أصبح حقيقة

التي تقدم عليها حكومة ظل أو دولة عميقة، بدليل الاختلاف الكبير بين سياسات إدارة دونالد ترمب وسياسات الرئيس السابق باراك أوباما، ليس تجاه إيران فقط، بل وبشكل عام وشامل تقريباً.

فبينما اعتمد أوباما استراتيجية الانسحاب من المنطقة والتسامح مع التمدد الإيراني، بل وربما تشجيعه، يبدو ميل إدارة ترمب واضحاً نحو العودة أكثر إلى الشرق الأوسط واعتماد استراتيجية الردع ضد طهران وغيرها من منافسي الولايات المتحدة، لكن ومع ذلك فإن الثقة المطلقة بالموقف الأميركي الجديد يظل تسرعاً ما لم يتوافر المزيد من الدلائل والمؤشرات عليه، إلا أن المؤشر النهائي والكبير على أن هذه الاستراتيجية باتت راسخة سيصدر من أنقرة، التي لن تتأخر حتماً عن العودة للتحالف مع أميركا متى رأت أن ذلك أصبح حقيقة.