حين فكر بشار الأسد بالهروب من سوريا

2018.06.10 | 01:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

معارك حول القصر وتفجير خلية الأزمة وتشكيل الميليشيات.. مذكرات الجنرال الهمذاني/5 (الأخيرة)
 

في هذا الجزء الأخير والأكثر إثارة بين الأجزاء الأخرى من مذكراته حول سوريا يتحدث الجنرال أحمد همذاني عن اعتراض قادة جيش النظام على فكرة تشكيل ميليشيات مسلحة غير نظامية تقوم بمهام قتالية نيابة عن الجيش، وتوضح بشكل خاص القلق من ضم الشباب السنة في هذه الميليشيات لأنهم يشكلون خطراً على النظام، هكذا بصريح العبارة. وبالرغم من رفض قادة الجيش إلا أن بشار الأسد وافق عليها بشرط أن يستعين بها الجيش استعانة عند الحاجة دون أن تقوم بمهامه.

ويروي همذاني هنا حادثتين مهمتين مايزال يلفهما الغموض وإشارات الاستفهام حتى بالنسبة لأولاهما حادثة تسميم خلية الأزمة في أيار/مايو 2012، والتي ادعت كتيبة الصحابة في الغوطة الشرقية أنها نفذتها عبر عميل له في اجتماع للخلية في قصر المؤتمرات، وثانيهما حادثة تفجير الخلية في أحد اجتماعاتها في مبنى الأمن القومي بدمشق في تموز/يوليو 2012 والذي توجد شكوك حول ضلوع الإيرانيين أنفسهم فيه، ويؤكد همذاني نسبة العمليتين إلى اختراق حققته القوى العسكرية المعارضة في ذلك الوقت.

"تشكل هذه المذكرات التي تمثل وجهة النظر الإيرانية شهادة إضافية على أن فصائل الثورة كانت قادرة على الحسم العسكري رغم تفوق النظام في العتاد والقوة النارية والتمويل"

ولأول مرة نقرأ شهادة حول حقيقة ما كان يفكر به بشار الأسد في ذروة تقدم القوى العسكرية الثورية إلى دمشق في آذار/مارس 2013، فالجنرال همذاني يذكر كيف أدى تقدم القوى العسكرية على الأرض وبشكل خاص في أحياء دمشق بعد أن خرج فقد سيطرته على محيط دمشق بالكامل تقريباً، واضطر الجنرال همذاني نفسه لإرسال عائلته خارج دمشق خوفاً من تداعيات سقوطها في أي لحظة، في حين كان بشار الأسد - حسب همذاني - يفكر بالهروب من سوريا ويبحث عن بلد يلجأ إليه، وليته فعل ذلك لكنا تجنبنا هذا البحر من الدم وهذا الطوفان من الخراب.

أخيراً تشكل هذه المذكرات التي تمثل وجهة النظر الإيرانية شهادة إضافية على أن فصائل الثورة كانت قادرة على الحسم العسكري رغم تفوق النظام في العتاد والقوة النارية والتمويل، ومع أن الإيرانيين حشدوا مقاتلين سوريين ومرتزقة واستعملوا إمكانات جيش النظام المتفوقة بما لا يقاس على الإمكانات المتاحة للفصائل فقد عاد النظام يترنح وأوشك الساحل على السقوط في أيلول/سبتمبر 2016 الأمر الذي دفع الإيرانيين للاستعانة بروسيا وذهاب قاسم سليماني إلى موسكو موفداً من مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي للتدخل إلى جانبهم ووقف زحف المعارضة والفصائل المقاتلة ضد النظام وإنقاذه مرة أخرى.

 

النص:

"أنتم تريدون أن تسلّموا الأسلحة إلى شباب السنة، وهم خطر علينا، فيأتوننا ويحاربوننا؟!  لا يمكن أن نثق بذلك. ثالثا: الشعب كيف ينشئ كتائب، ولا يسلم أبنائه للتجنيد عندنا؟!."

حينما رأينا القلق داخل صفوف الجيش السوري، كانت إحدى إجراءاتنا في خارطة الطريق للعبور من الأزمة هي إشراك الحشد الشعبي (القوات الشعبية) لمساندة الجيش، فسألنا المسؤولين السوريين عن فحوى هذه الخطة. شرحنا لهم الهدف من إنشاء هذا الحشد الشعبي وأوضحناه لهم، لكنهم مع ذلك اعترضوا عليها لثلاثة أسباب؛ [فقالوا]: أولاً، في حين نحن لا نستطيع أن نحافظ على جيشنا الحالي أنتم تريدون منا إنشاء جيش آخر، لا! نحن لا نقبل بهذا الاقتراح. ثانياً، أنتم تريدون أن تسلّموا الأسلحة إلى شباب السنة، وهم خطر علينا، فيأتوننا ويحاربوننا؟!  لا يمكن أن نثق بذلك. ثالثا: الشعب كيف ينشئ كتائب، ولا يسلم أبنائه للتجنيد عندنا؟!.

رفضوا إذاً هذه الخطة بالكامل بناء على الأسس التي اعتمدوا عليها، فتكلمنا مع السيد بشار الأسد في هذا الموضوع، واتفقنا معه على أن نبدأ بتدريب الشباب أولاً، فإن احتاج الجيش إليهم فسيستخدمهم عندها، ويجب أن يكونوا على استعداد تام. ولأن الجيش السوري كان لا يملك الإمكانية للتدريب بسبب انشغاله بالمعارك وانتشاره في مناطق مختلفة فقد قمنا نحن بالدعوة وحشد الشباب من محافظات دمشق واللاذقية وطرطوس وقسم من محافظة حمص التي كانت تحت سيطرة النظام السوري.

كان الشباب السوريون لا يذهبون للتجنيد [الإجباري] في الجيش، ولكنهم أتوا إلى عمليات قمنا بإطلاقها، وبدأنا الدورات التدريبية، وكان كل أسبوع يأتي إلينا 600 شاب ويبدؤون التدريب، الذي يستمر 12 يوماً، مباشرة. والأصل أن تكون مدة التدريب للشباب الذي يريد أن يتعلم استخدام السلاح ثلاثة أشهر، وتسمى بالمرحلة التأهيلية الأولية للقتال، وبعدها تأتي التدريبات التكميلية والمراحل اللاحقة.

ولأن سوريا كانت في أزمة طاحنة فقد اختصرنا تدريب الثلاثة أشهر إلى 12 يوما للتأهيل للمرحلة القتالية المبدئية. وفي هذه الدورة اجتنبنا تدريبات عامة وتعليمات غير ضرورية، وامتنعنا كذلك عن التدريب على الأسلحة التي لا نستخدمها. ووفقا للتشكيلات التي كنا نقوم بها، فقد قسّمنا الشباب إلى مجموعات مختلفة. مثل مجموعة القناصة، وكانت تتدرب على هذه الخبرة فقط، ومجموعة الـ آر. بي. جي التي كانت تتدرب على هذه النوع من السلاح فقط، ومجموعة عمليات القذيفة ستين، وتبادل إطلاق النار وهكذا مجموعات أخرى لتعليم الأنواع الأخرى للسلاح، وبهذه الطريقة خفضنا مدة التدريب

ولتنويع البحث اسمحوا لي أن أحكي لكم حادثة وقعت في اجتماع مجلس الأمن القومي السوري [خلية الأزمة]، فقد كان هذا المجلس يعقد جلسات مستمرة باعتبار أن البلاد تمر في أزمة، وكل القرارات التي تتعلق بالجيش والسياسات العامة للنظام كانت تصدر من هذا المجلس. كان هناك طباخ يتبع وزارة الدفاع ويعمل فيها منذ عشرين عاماً، يطبخ الطعام لوزير الدفاع وأعضاء المجلس الأعلى للأمن [خلية الأزمة] وأعضاء المجلس العسكري السوري. تم استغلال هذا الشخص من قبل المعارضة بعدما دفعوا له مبالغ طائلة، ثم أعطوه له مادة الزئبق السائل ليضعها في طعام هؤلاء. والزئبق مادة تتسرب في الدم وتسمم خلايا الجسم. تسمم أعضاء الشورى بعد تناولهم الطعام، وخرج الطباخ بحجة حاجة ما له من مبنى المجلس العسكري، وتم تهريبه بواسطة المسلحين إلى الأردن، وهناك حصل على حق اللجوء. وفي هذه العملية الإرهابية تسمم وزير الدفاع السوري مع بعض كبار رجال الأمن، وبالرغم من أنه تمت معالجتهم بأفضل الوسائل إلا أنهم لم يتعافوا، وتم تغيير دمهم ومع ذلك لم تتحسن حالتهم؛ لأن الزئبق كان قد تسرب تماماً داخل خلايا أجسامهم. وأخيراً جاءت لجنة طبية من مستشفى "بقية الله" من إيران، وبحمد الله استطاع أطباؤنا المخضرمون أن يعالجوهم وينقذوهم من الموت المحقق، استغرقت معالجتهم شهراً ونصف الشهر. في الواقع كان الإرهابيون قد خططوا لاغتيال أركان النظام وكبار ضباط الجيش عن طريق تسميمهم ليقوموا بعد ذلك بالهجمات الإرهابية.

.قبل جلوس أعضاء المجلس الأعلى على طاولة الاجتماع لبدء الاجتماع  فخخ العميل أسفل الطاولة بمتفجرات، ومع بدء الاجتماع حدث انفجار كبير في المبنى قتل فيه وزير الدفاع داود راجحة، وآصف شوكت زوج أخت بشار الأسد

وأيضاً وقعت حادثة أخرى في يوليو/تموز 2012 عندما كانت دمشق محاصرة. وتفصيل هذه الواقعة أن الإرهابيين تمكنوا من التواصل مع أحد المقربين من الحكومة بعد دفع أموال كثيرة له، وفيما كانوا ينوون البدء بهجمات واسعة النطاق على دمشق عقد أعضاء المجلس الأعلى للأمن [خلية الأزمة] اجتماعاً في الساعة الثامنة صباحاً، وقبل جلوس أعضاء المجلس الأعلى على طاولة الاجتماع لبدء الاجتماع  فخخ العميل أسفل الطاولة بمتفجرات، ومع بدء الاجتماع حدث انفجار كبير في المبنى قتل فيه وزير الدفاع داود راجحة، وآصف شوكت زوج أخت بشار الأسد، ورئيس المجلس الأعلى للأمن [رئيس الخلية]، وكذلك قتل وأصيب بالجروح بعض الأعضاء الآخرين في هذا الاجتماع.

لقد استطاع الإرهابيون أن يخدعوا شخصاً موثوقاً به لدى الحكومة بالمال، وهددوه بأسرته حتى قام بتنفيذ هذه العملية الإرهابية، يشبه هذا الحادث حدث انفجار في القصر الرئاسي في عهد الشهيد الرئيس محمد علي رجائي بعد الثورة الإيرانية؛ فالشخص الذي قام بتنفيذ الانفجار كان من المقربين له. لقد كان الإرهابيون يهدفون من وراء هذا التفجير القضاء على كبار المسؤولين في الحكومة في الوقت الذي كانت فيه دمشق محاصرة، وبالتالي يقومون بهجمات واسعة النطاق ويسقطون النظام كاملاً، وبهذا يحسمون المسألة في سوريا.

في مارس/آذار 2013 أوشك الإرهابيون على تحقيق نصر كامل، وهم الذين يتلقون دعماً واسعاً من السعودية وقطر والإمارات العربية ودول غربية أخرى، وضيقوا دائرة المحاصرة حتى وصلوا قرب القصر الرئاسي في دمشق، واستولوا على محيطها، كانت هذه ليلة عصيبة جداً، نقلنا أعضاء أسرتنا إلى مكان آمن، وكان الأسد يرى أن الأمر بات محسوماً، وفكَّر في الهروب إلى دولة أخرى.

وكان آخر اقتراح قدمته إلى بشار الأسد قلت له فيه: "والآن وقد اقترب سقوط القصر الرئاسي في يد المعارضين وكل شيء يكاد أن ينتهي يجب أن تقبل اقتراحنا" فقال: "ما هو؟" قلت: "فتح مخازن الأسلحة حتى يتم تسليح الناس، وهم يردّون بأنفسهم هؤلاء الإرهابيين". وافق على الاقتراح والحمد لله، وفي هذه الليلة نجت سوريا من السقوط المحقق، وطرد الشعب الإرهابيين التكفيريين من محيط القصر الرئاسي، وبعد ذلك أبعدوهم من المدن. وهذه القوة شكلت ما يعرف بـ"قوات الدفاع الوطني"، وهي تحارب الآن داعش وجبهة النصرة وغيرهما.

كلمات مفتاحية