حول مشروعيّة أو عدم مشروعية عقد "مسد" الاجتماعي

2023.12.21 | 07:23 دمشق

آخر تحديث: 21.12.2023 | 07:23 دمشق

حول مشروعيّة أو عدم مشروعية عقد "مسد" الاجتماعي
+A
حجم الخط
-A

يذهب مفكرون إلى أنّ العقد الاجتماعي هو استقراء الواقع الاجتماعي لبناء نظرية في العدالة الاجتماعيّة. وفي حين أنّ الشعوب تنتج مثل هذا العقد من سيرورتها هي إلّا أنّ تاريخ دولتنا السورية يذكر عقدا واحداً -حكومة 1920 حاول الاتّكاء على سيرورة المنطقة، فيما لم تكن العقود اللاحقة -في أثناء الاستعمار الفرنسي وبعده- معنيّة بقضيّة غاية في الأهميّة تتمثّل بـ"إنتاج مفاهيم مدنية أصيلة في ضوء الحرية والمساواة، لا استيرادها"، لذلك نميل إلى أنّ الدساتير اللّاحقة – 1928، 1950- حاولت مجاراة الرؤية الفرنسية عن سوريا، ولم يخرج عنها دستور السلطة البعثيّة عام 1973 والذي جرى تعديله على يد نظام الأسد إبّان الثورة عام 2012.

المشاريع السياسية -المعارضة- التالية لثورة 2011 ستستند بشكل أو بآخر إلى تفسير مفهوم الحريّة في "ثورة 2011" بما يناسب توجّهات تلك المعارضة فيما يمكننا -باعتبارنا لا نزال أحياء وشاهدي عيان- التأكيد أيضاً أنّ تصويتاً ما، يشمل جميع السوريين فضلا عن جميع ثوّار الحريّة، يؤكّد مزاعم تفسيرات هذي المعارضة أو تلك، لم يجرِ. ومن ثمّ تبقى اجتهادات من مثل أنّ السوريين أرادوا حريّة تعني "أن يحكمهم أبو محمد الجولاني مثلا" محض افتراضات معارضة لا قيمة قانونيّة لها!

مع بالغ الأسف لا يزال نظام الأسد يسيطر على مقاليد الدولة السوريّة بعد 12 عاما من ثورة السوريين- وتشرّد من بقي حيّا منهم؛ ما جعل جيلاً كاملا من السوريين، داخل سوريا وفي بلدان اللجوء القريب، دون دولة وحكومة

وبقليل من المنطق والإنصاف ربّما يمكننا -من خلال مراجعة ورقيّات قديمة- تعيين رغبات هذي المعارضة أو تلك قبل ثورة 2011 ثم النظر إلى طروحات المعارضة ذاتها بعد 2011 والنظر فيما إذا كانت تلك المعارضة قد تأثرت بالثورة فعدّلت من أهدافها، أم ادّعت الثورة وانتهزت مآسي السّوريين لتحقيق أهدافها؛ إذ يستحيل أن تكون "حريّة مجمل السوريين عام 2011" هي ذاتها تلك الأهداف الحزبوية الفئويّة القديمة!

واقعيّا: مع بالغ الأسف لا يزال نظام الأسد يسيطر على مقاليد الدولة السوريّة بعد 12 عاما من ثورة السوريين- وتشرّد من بقي حيّا منهم؛ ما جعل جيلاً كاملا من السوريين، داخل سوريا وفي بلدان اللجوء القريب، دون دولة وحكومة يعانون من عدم اعتراف العالم بأسره بوجود قانوني لهم؛ وهذا واقع لا شك يعرفه عامة السوريين فيما قد لا تعرفه نخبهم السلطويّة!

ما العمل؟

هل نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي -دستور- آخر؟ لكنّ شرعيّة ذلك العقد تحتاج إلى أمرين: الأول موافقة السوريين جميعا؛ وهذا متعذّر بسبب نظام الأسد وقوى الأمر الواقع.

الثاني: أنّ الاعتراف بسيادة سوريا -الوطن الحالي- مسألة متعلّقة بنظام عالمي ومن ثمّ فإنّ تغيير تلك السّيادة يحتاج إلى اعتراف ذلك النّظام العالمي أيضا.

مؤخّرا أصدرت "الإدارة الذّاتية لشمال وشرق سوريا" ورقيّات أطلقت عليها: "العقد الاجتماعي المُعدّل" أمّا عن مشروعيّة "العقد" داخليّا فـ "الإدارة" زعمت على لسان أحد مسؤوليها الرئيسيين "عبد حامد الهبّاش" -في لقاء مصوّر ومنشور في "15-12-2021-  أنّ ثمة عقدا اجتماعيّاً سابقاً لـ "إدارة الجزيرة"، ثم بعد دحر داعش من "إدارات الفرات الرقة دير الزور والطبقة هكذا يسميها" فإنّ هذي الإدارات تقدّمت بطلب انضمام إلى "الإدارة الذّاتيّة" فصار لزاما تعديل العقد القديم ليستوعب "الحالة المكوّناتيّة الجديدة"، وأنّ ما يسمى بـ "المجلس العام على مستوى شمال وشرق سوريا" وافق على "مقترح مُقدّم له" من أجل إعادة صياغة ذلك الميثاق ليشمل عموم مناطق "شمال وشرق سوريا" يضيف: "فقد تشكّلت لجنة موسّعة 158 عضوا من مختلف المكونات والإدارات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني؛ فشكلت لجنة مصغرة من 30 عضوا، فأوكِل لهذه اللجنة مهمة صياغة مسودة العقد" ثم اجتمعت الموسّعة لمناقشة عمل المُصغّرة؛ أي أنّ ثمّة ضبابيّة في "من فوّض"، فالسياق يشير ولا يشير إلى أنّ ثمة "إدارات" منتخبة وفي كون تلك الإدارات هي من قدّم الاقتراح ليقوم "المجلس العام.." بالموفقة على "مُقترح مُقدّم له"!

بعد إصدار "العقد" بأيّام أصدر "المجلس العام في الإدارة الذاتية" بيانا جاء فيه:

(على مدى عامين من العمل الدؤوب المستمر، وحرصًا على المصلحة العامة في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وحسن سير العمل، وضمانًا للسوريين في هذه المناطق، واستجابة لتوصيات مؤتمر أبناء الجزيرة والفرات المنعقد في مدينة الحسكة بتاريخ 25/11/2020م، فقد قرر المجلس العام.. في جلسته الاعتيادية بتاريخ 13/12/2020م تكليف رئاسته المشتركة بإصدار قرار يسمح بإعادة صياغة الميثاق الأساسي.. "، أي أنّ التفويض لم يصدر عن "الإدارات" التي ذكرها "الهبّاش؛ بل عن "مؤتمر أبناء الجزيرة والفرات المنعقد في 25-11-2020!

لكن مراجعة نتائج المؤتمر المذكور تشير إلى أنّه تمخّض عن: لجنة متابعة لتوصياته الـ 17، وأنّ ليس من بين هذي التوصيات تعديل لميثاق أو كتابة لعقد!

أمّا عن كون "العقد الجديد" مُعدّل عن عقد قديم فبمتابعة بسيطة أيضا يمكننا الوصول إلى أنّ "القديم" لم يكن عقدا شرعيّا -بالمشروعيّة المدنيّة- إنما كان مجموعة قواعد وضعها حزب الاتحاد الديمقراطي pyd لإدارة المناطق التي كان يسيطر عليها

أمّا عن الدمج بين توصيات المؤتمر المذكور ولجنة متابعة تلك التوصيات، وبين "إعادة صياغة عقد" فربما نلاحظها صياغة خبر لاحق منشور بتاريخ 9- 2- 2022 على موقع "الإدارة الذّاتيّة" عن لقاء بين "رئيس مشترك غير الهبّاش" وبين لجنة متابعة مقررات "مؤتمر أبناء الجزيرة والفرات"؛ يقول الخبر ما نصّه: "وأشاد أعضاء اللجنة بالتزام الإدارة الذاتية واستجابتها لتنفيذ أبرز مخرجات المؤتمر-حسنا وماذا بعد؟- ، حيث قطعت الإدارة الذاتية أشواطاً متقدمة في إعادة صياغة العقد الاجتماعي" وفي المناسبة ذاتها فيديو لـ "الرئيسة المشتركة" تعتذر فيه للجنة المتابعة عن عدم تمكن الإدارة من إنجاز توصيات من أهمّها إجراء انتخابات!

أمّا عن كون "العقد الجديد" مُعدّل عن عقد قديم فبمتابعة بسيطة أيضا يمكننا الوصول إلى أنّ "القديم" لم يكن عقدا شرعيّا -بالمشروعيّة المدنيّة- إنما كان مجموعة قواعد وضعها حزب الاتحاد الديمقراطي pyd لإدارة المناطق التي كان يسيطر عليها عام 2014، وبعد انتقال الحزب -بدعم من التحالف الدولي لقتال داعش – إلى مناطق جديدة؛ فرض الحزب رؤيته على تلك المناطق الجديدة!

إذن فإحدى مشروعيّات العقد هو "محاربة داعش" و"داعش" ذاتها تحتاج إلى تعريف واضح وصريح ومحدّد لماهيّة التنظيم، وأسباب نشوئه، بل حتى تحديد أعضائه إن أمكن، ومن يمكن أن يكون متّهماً أو لا، قبل البدء بصياغة عقد بين أطراف قد يكون بعضها معرّضاً للاتّهام كلّما اشتبكت المصالح السّياسيّة المُحقّة لكلا للمتعاقدين، كلاهما مُحِق لكنّها المصالح السياسيّة التي من طبيعتها أن تجيئ متعارضة، تحتاج إلى تفاوض للوصول إلى تسوية بشأنها، أمّا "قيم الشّهداء" التي هي هي بالطبع قيم "الحزب" والحزب وصيّ عليها، فليست طرحا مبدئيّا للمساواة إنّما طرح مبدئي لـِ "الا مساواة" بين أنصار الحزب وبين غيرهم؛ فكيف يمكن زعم إمكانيّة بناء نظريّة للعدالة الاجتماعيّة بين الا متساوين! وهذا ما سنحاول الإضاءة عليه معالجته في مقالة قادمة.

من حيث المبدأ لابد من الاعتراف بواقع سوري تحكمه "قوى أمر واقع" وأنّ أيّة حالة قوننة بين الحاكمين وبين المحكومين في هذا الواقع المفروض ستكون حالة إيجابيّة على المحكومين المتروكين بين صراعات المصالح الدوليّة؛ كذلك لابد من بناء صيغة من العدل والإنصاف جيدة تمنح الذين قاتلوا دفاعاً عن حريّاتهم وحقوقهم أوعن حريّات الآخرين وحقوقهم الأساسيّة؛ لابد من إيجاد صيغة عادلة تُفرّق بين أمثال هؤلاء وبين مجرمين معتدين على حقوق وحريّات غيرهم، لكنّ بناء مثل تلك الصّيغة يحتاج إلى الشعور بالمسؤوليّة لإنجازها، لا الالتفاف عليها.