icon
التغطية الحية

حوار مع برهان غليون.. غزة تحيي شرارة الثورة السورية وتثير التساؤلات

2023.12.18 | 06:50 دمشق

ؤرلا
ندوة حوارية مع الدكتور برهان غليون في ألمانيا - تصوير: سعد ياغي
+A
حجم الخط
-A

أحيت الأحداث في غزة الأمل لدى الشعب السوري بتحريك الملف السياسي المجمد، كما أثارت في الأوساط تساؤلات عدة حول السبب الذي دفع المجتمع الدولي للالتفات إلى القضية الفلسطينية باهتمام مريب بالتزامن مع اندفاع الشعوب الغربية نحو الساحات تعبيرا عن رفضهم المجازر الإسرائيلية المروعة في غزة. فهل كانت المجازر مفتاح العبور إلى المجتمع الدولي أم أن طوفان 7 أكتوبر بلغ أوروبا من نافذة أعتى جيوش العالم؟

يرى الدكتور برهان غليون في حديث مع موقع تلفزيون سوريا أن فائق العنف الاستثنائي الذي مارسه النظام على السوريين لم يكن له مثيل، وكان هدفه زعزعة أركان الشعب عبر قتل مئات الآلاف وتهجير الملايين وصولا إلى هدم المجتمع، إلا أن إراقة الدماء ليست معيارا لتحرك المجتمع الدولي تجاه أي قضية وأن تحرك الغرب اليوم تجاه الأحداث في غزة ما كان ليكون لولا أنهم يعتبرون إسرائيل جزءا منهم.

وعن اندفاع الشعوب الغربية الاستثنائي واهتمامهم بمستقبل القضية الفلسطينية على وقع الأحداث في غزة، أجاب غليون: "اكتشفت الشعوب الغربية في هذه الحرب أنهم مخدوعون بإسرائيل، لذلك ما فعلته الأخيرة في غزة ضرب جوهر اعتقادات الشعوب بأنها تمثلهم، ومن الواضح أنهم وصلوا إلى خلاصة بأن القضية الفلسطينية قضية عادلة ما دفعهم للانتفاض بوجه حكوماتهم للمطالبة بالتوقف عن دعم إسرائيل، وذلك لعدم قدرتهم على التحمل من الناحيتين المادية والمعنوية، في حين لا تزال حكوماتهم داعمة لإسرائيل بالمطلق، وتراها قضية استراتيجية، لأن ضعف إسرائيل يهدد مصالحهم على اعتبار أنها تمثل قاعدتهم الرئيسية للهيمنة على الشرق الأوسط".

إراقة الدماء ليست معيارا لتحرك المجتمع الدولي تجاه أي قضية وأن تحرك الغرب اليوم تجاه الأحداث في غزة ما كان ليكون لولا أنهم يعتبرون إسرائيل جزءا منهم

اتخذت الدول الغربية نهجا حياديا في التعاطي مع الثورة السورية والأمر نفسه بالنسبة لشعوبها التي لم تظهر اهتماما وتعاطفا واضحا حيال المأساة السورية ما دفع بعض الناشطين للتساؤل حول إذا ما تم تصدير الواقع السوري بطريقة مشوشة إلى العالم أم اتُخذ التعامي نهجا في التعاطي مع الأحداث السورية؟ وفي هذا السياق أجاب غليون: "الصورة في المشهد السوري مختلفة، فالصحافة العالمية صدرت الثورة السورية بأنها حرب أهلية، حتى عند استخدام النظام للسلاح الكيماوي، تم الترويج عبر الإعلام بأنه اتهام غير صحيح وقد يكون مبالغة من المعارضة، لذلك بالنسبة للصراع في سوريا فالمصالح غير واضحة بالنسبة للجمهور الغربي".  

وأضاف المفكر والأكاديمي: "واجهنا استراتيجية إعلامية سياسية واضحة، انتهجها الإعلام العالمي ضد الربيع العربي، هدفها تصويره وكأنه هجوم من الإسلاميين على الأنظمة العلمانية وهذا الأمر جعل الجمهور الغربي لا يتفاعل معنا ولذلك أجهض الربيع العربي بشكل عام".

وحول الأسباب التي ساهمت في إضعاف الثورة السورية يقول غليون "إسرائيل جزء أساسي من إفشال الثورة السورية، والدور الاستراتيجي لبشار الأسد في الحفاظ على وجود إسرائيل وأمنها لا يماثله أي نظام آخر، فهذا شيء يضحّى لأجله، لأن سوريا بلد مهم ومركزي بالنسبة لإسرائيل، وبناء عليه قتل النظام شعبه محيّدا إسرائيل .. فلمَ سترغب في إزالته وهو الذي قسَّم العالم العربي في صراعه مع مصر وبلدان أخرى؟ ومزّق الشعب السوري طائفيا وعرقيا وقوميا، في حين لم تعبر دولة غربية عن انزعاجها من سياساته، حتى  فرنسا التي أصدرت بحقه وشقيقه مذكرة توقيف كانت مؤيدة له سابقا، لكنها تعلم اليوم أن ورقة الأسد احترقت، لذا هي تعلن من خلالها ومعها أوروبا أنهم لن يتعاملوا مع الأسد مجددا تحت أي صيغة".

الثورة لم تنته وغزة ستعطي درسا للسوريين بأن القضية لا تسقط بالتقادم، وبأن حدوث الفشل ليس كارثة، وهذا ما يجب أن نفهمه في الثورة

لم تحصل الثورة السورية على دعم سياسي أو عسكري يشكل فارقا على أرض الواقع في مواجهة النظام، ويفسر غليون السبب بأن "الدول تخلت عنا ولم تعد ترانا جديين، بينما لا يزال النظام قويا من خلال حلفائه".

وتشهد الثورة السورية ركودا سياسيا خارجيا وداخليا باستثناء حراك السويداء الذي ينتظر المناصرة والدعم، وفي هذا السياق قال برهان غليون: "المشكلة الرئيسية في الثورة السورية، بأن كل فئة أخذت منطقة من سوريا حتى تحولت إلى مجموعة إمارات يقودها أمراء حرب يدورون على السلطة ومصالحهم الخاصة، بينما إذا نظرنا إلى فلسطين نجد أنهم تمسكوا بالقضية الحقيقية التي أساسها مقاومة الاحتلال واستعادة حقوقهم كشعب مستقل قائم بذاته، لذلك التفت العالم إليهم، لشعورهم بأن الفلسطينيين جديون وليسوا ضعفاء، والثابت ألا أحد سيمشي مع الضعيف".

وحول إمكانية إيجاد مخرج للقضية السورية ورفع المعاناة الإنسانية قال غليون: "إذا لم يفكر السوريون بحل لقضيتهم فلن يفعل ذلك أحد، فمن فكر يوما بحل للقضية الفلسطينية قبل الفصائل الفلسيطينية؟ لا أحد، لكن ما حدث أخيرا في غزة أظهر عبقرية في قدرتهم على هز الكيان الإسرائيلي، بينما في المشهد السوري لا توجد لدينا هذه الإمكانية، لكن لدينا إمكانية الاستفادة من حراك السويداء ودعمه، لنظهر للعالم بأن السوريين أعادوا الحوار فيما بينهم كشعب واحد واستعادوا حضورهم".

يروج النظام السوري ضمن سلسلة أكاذيب لعودة الحياة إلى طبيعتها في المحافظات السورية التي يئن أهلها جوعا بسبب جحيم الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرته، محاولا النظام تصدير المشهد وكأنه أجهز على الثورة وتجاوزها، وفي هذا الإطار يرى غليون أن "الثورة لم تنته وغزة ستعطي درسا للسوريين بأن القضية لا تسقط بالتقادم، وبأن حدوث الفشل ليس كارثة، وهذا ما يجب أن نفهمه في الثورة، صحيح فشلنا لكن يمكننا العودة أسوة بالفلسطينيين".

وختم بالقول أنه " في السويداء ظنوا يوما أن الثورة انتهت لكن عندما سنحت لهم الفرصة التحقوا بها، إذ من المستحيل تاريخيا أن تنجح الثورة من المرة الأولى، لذلك لا شيء انتهى على الإطلاق طالما أن المطلب الذي قاتل الشعب السوري وضحّى من أجله لم يتحقق، السوريون لن يتخلوا عن تضحياتهم لكن الضربة كانت قوية، لا سيما أن شبابنا نصفهم في الخارج والنصف الآخر أخذتهم الدول الغربية التي هزمتنا ووظفتهم لديها لتحيّدهم عن الثورة، لذلك ما زالت الثورة تحتاج للعمل، لكن الزمن ليس مع بشار ونظامه، طالما أن الفلسطينيين فعلوا ما فعلوه بعد 75 عاما يعني أن الفرص ما زالت أمامنا لنعود ونصلح الأخطاء".